أجبرت الظروف المعيشية القاسية التي يواجهها الموظفون في قطاع غزة إلى استدانة نحو 90% منهم من البنوك لتغطية نفقات أسرهم، نتيجة عدم صرف رواتبهم كاملة إلى جانب غياب الترقيات والعلاوات المالية، بفعل الأزمات المالية التي تتذرع بها كل من السلطة والجهات الحكومية في غزة.
ومنذ 17 شهراً لم يتقاض موظفو السلطة راتباً كاملاً نتيجة الأزمة المالية التي تعصف بالحكومة الفلسطينية في رام الله والتي تُرجع أزمتها إلى الاقتطاعات من أموال المقاصة، "عائدات الضرائب" التي تقوم بها حكومة الاحتلال الإسرائيلي كعقوبة لصرفها رواتب الشهداء والأسرى والجرحى.
كما لم يتلق موظفو الحكومة في غزة راتباً كاملاً منذ نهاية عام 2013، أي منذ قرابة عشر سنوات فيما اتبعت الجهات الحكومية سياسة صرف نسبة من الراتب، بدأت بصرف 40% ثم ارتفعت إلى 50% قبل أن تصل مع نهاية حرب غزة عام 2021 إلى 60%.
وترجع الجهات الحكومية في غزة أسباب عدم صرف رواتب كاملة إلى الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض منذ عام 2006 إلى جانب غياب الموارد المالية والاعتماد على الموارد المحلية مثل عائدات الضرائب التي يتم تحصيلها من البضائع والمواطنين.
وبلغت معدلات الفقر في القطاع نحو 64%، بينما وصلت معدلات انعدام الأمن الغذائي إلى 70%، كما بلغت معدلات البطالة في صفوف الشباب لأكثر من 60% وفي صفوف الإناث لقرابة 80%، في حين يعتمد قرابة 1.5 مليون نسمة على المساعدات التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" والمؤسسات الإغاثية الأخرى العاملة في القطاع.
موظفو السلطة محرومون من العلاوات
ويقول نقيب الموظفين العمومين التابعين للسلطة الفلسطينية عارف أبو جراد، إن معاناة موظفي السلطة ليست حديثة وفصولها تعود إلى ما يزيد عن 10 إلى 15 عاماً، نتيجة للسياسات التي اتبعت سواء قطع الرواتب أو الخصومات والإحالة للتقاعد الإجباري.
ويضيف أبو جراد لـ "العربي الجديد" أن موظفي السلطة في غزة تم حرمانهم من جميع العلاوات التي تضاف إلى الراتب أسوة ببقية موظفي السلطة، فضلاً عن تلقي ما نسبته 80% من الراتب وفي أوقات سابقة كان يتم صرف 70% لصالح الموظفين في غزة.
ويؤكد أن السلطة لم تصرف راتباً كاملاً لصالح الموظفين منذ أكثر من سنة ونصف بسبب الأزمة المالية، فضلاً عن الحقوق المالية المتراكمة للموظفين في غزة على وجه الخصوص، والتي لم يتم التطرق إليها بأي شكل خلال الفترة الماضية.
وبحسب أبو جراد فإن موظفي السلطة في غزة لهم راتب عن شهر مارس/آذار 2017 الذي لم تصرفه السلطة، إضافة إلى الحقوق المالية الخاصة بالموظفين الذين جرى إحالتهم للتقاعد المالي الإجباري وتم إعادتهم في الفترة الأخيرة، إذ تراكم لهم حقوق مالية توازي نصف الراتب الذي كانوا يتقاضونه.
ويقدر عدد الموظفين المدنيين المحسوبين على السلطة الفلسطينية في غزة بقرابة 18250 موظفا وفق فاتورة الرواتب الأخيرة، في حين كان عدد الموظفين في السابق يتجاوز 37 ألف موظف، وسط غياب للتوظيف ضمن مؤسسات السلطة الرسمية منذ الانقسام الفلسطيني الداخلي.
مستحقات متراكمة لموظفي حكومة حماس
من جانبه، يؤكد نقيب الموظفين المحسوبين على حكومة غزة خليل الزيان، أن إجمالي المستحقات المالية المتراكمة للموظفين على الجهات الحكومية يتراوح بين 3 إلى 4 مليارات شيكل إسرائيلي، وسط غياب أي أفق متعلق بتسديد هذه الأموال خلال الفترة الحالية. (الدولار=3.65 شيكلاً إسرائيلياً)
ويقول الزيان لـ"العربي الجديد" إن الواقع المعيشي للموظف في غزة مأساوي ويؤثر بشكل كبير على حياته الاجتماعية والنفسية ويؤثر على الأداء والإنجاز، إلى جانب التداعيات المترتبة على الحركة الاقتصادية والأحوال العاملة على المشهد التجاري ككل نتيجة ضعف السيولة النقدية.
وبحسب نقيب الموظفين المحسوبين على حكومة غزة فإن استمرار صرف ما نسبته 60% من الراتب يجعل الحديث عن صرف المستحقات أمر غير قائم هذه الفترة، خصوصاً مع حديث وزارة المالية ولجنة متابعة العمل الحكومي عن عدم وجود عائدات مالية كافية لديها.
ويشير إلى أن حل الأزمة المالية الحالية للموظفين في غزة سواء المتمثلة في صرف الراتب بشكلٍ كامل أو حتى حل مشكلة تراكم المستحقات المالية يحتاج إلى حل سياسي بالدرجة الأولى إلى جانب توفير الموارد المالية التي من شأنها أن تنهي هذا الملف.
ويبلغ عدد الموظفين المحسوبين على الحكومة في غزة قرابة 50 ألف موظف بين مدني وعسكري حيث تصرف لهم الجهات الحكومية راتبًا بقيمة 60% وحد أدنى يبلغ 1800 شيكل إسرائيلي، فيما شهدت الفترة من عام 2020 زيادة في أعداد الموظفين نتيجة فتح باب التوظيف.
تداعيات اقتصادية
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي ماهر الطباع إن عدم صرف الأجور والرواتب كاملة على صعيد السلطة الفلسطينية أو الحكومة في غزة انعكس بالسلب على القدرة الشرائية وعمل على إضعافها بشكل ملحوظ وأسهم في تراجع السيولة النقدية.
ويوضح الطباع لـ"العربي الجديد" أن الموظفين باتوا يعملون على تغطية الاحتياجات الأساسية من الراتب فقط، ويبتعدون عن أية مظاهر شرائية أخرى لا تتوافق وحجم الدفعة المالية المصروفة لهم من رواتبهم، إضافة لاعتماد شريحة واسعة منهم على القروض والتسهيلات البنكية المقدمة من المؤسسات المصرفية.
ويشير الطباع إلى أنّ نسبة الموظفين العموميين الذين حصلوا على قروض أو المقترضين من البنوك لا تقل عن 90%، نتيجة لانخفاض الدفعات المالية إلى جانب التسهيلات المالية التي كانت البنوك العاملة في السوق الفلسطيني تقدمها، موضحاً أنّ تراكم الأموال سواء على السلطة أو الجهات الحكومية في غزة بمبالغ مالية كبيرة يعني حرمان الاقتصاد المحلي منها وتحديدًا الشق المتعلق بالسيولة النقدية، فضلاً عن الأزمات المركبة التي تخلقها حالة عدم صرف الرواتب.
في سياق آخر، يقول المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب إن عدم انتظام الدفعات المالية الخاصة بالموظفين يعود بالضرر على الحالة الاقتصادية وعلى مختلف القطاعات في غزة، فضلاً عن تراكم الأعباء المالية على المؤسسة الفلسطينية الرسمية إذ بلغت قيمة الديون على حكومة غزة لصالح موظفيها مليار دولار.
ويرى أبو جياب في حديثه لـ "العربي الجديد" أن هذه الديون المتراكمة على السلطة أو الجهات الحكومية في غزة تعزز من الأزمات الاقتصادية والمشاكل، في ظل عدم وجود أية آفاق لمعالجة هذه الإشكاليات، ولا سيما في ما يخص الجسم الحكومي الذي تديره حركة حماس.
ووفق المختص في الشأن الاقتصادي فإن الواقع يبدو أفضل في ما يتعلق بالسلطة الفلسطينية في رام الله إذ من الممكن أن تعود لصرف الرواتب بشكلٍ كامل فيما لو توقفت السياسات الإسرائيلية المالية المتبعة القائمة على الاقتطاعات من عائدات الضرائب التي تجبيها لمصلحة السلطة.