قدَّم رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، السبت 30 نوفمبر/تشرين الثاني، استقالته رسمياً إلى البرلمان، ويبقى الباب مفتوحاً أمام عدّة أسئلة حول تعيين خليفته، في ظلّ استمرار الاضطرابات والطريقة التي سيتمّ استخدامها ليحل أحد آخر محل عبد المهدي، فقد تتطلَّب هذه العملية قراراً من المحكمة العليا، وبالتالي قد تزداد الأمور تعقيداً في الوقت الذي يقف فيه العراق في أمسّ الحاجة إلى رئيس وزراء كفء ينتشل الاقتصاد من حضيض التدهور والفساد.
وبصرف النظر عن هذا الوضع المعقَّد، هناك أيضاً خطر النفوذ الأجنبي، فلطالما اجتذبت فترات تشكيل الحكومة في العراق القوى الإقليمية والدولية للالتقاء في بغداد وإلقاء كل ثقلها لرفع التوازن لصالح المصالح الخاصة، وبالتالي لن تسلم الجرّة هذه المرّة أيضاً، وسيكون تشكيل الحكومة المقبلة مصحوباً بحملات ضغط أجنبي أكثر كثافة من أي وقت مضى، وهذا ما سيؤدِّي إلى ضبابية الرؤية المستقبلية والأفكار المطروحة لإدارة الاقتصاد العراقي.
وتعتبر مهمة تعيين حكومة جديدة، مع كل الشكوك المحيطة بها، نصف الصورة الواقعية لما يحدث في العراق، وما الذي سيؤول إليه مستقبل الاقتصاد، بينما يتعلَّق النصف الآخر والأهم بردّ فعل المتظاهرين الذين يشكِّلون القوة الدافعة وراء الأزمة التي تهزّ شوارع البلاد.
لا تشمل مطالب المحتجين العراقيين، الذين يمثلون الغالبية الساحقة من آراء الناس، مجرَّد الإطاحة بالحكومة الحالية واستبدال المسؤولين الحاليين بآخرين بعيدين عن النخبة السياسية المهيمنة وغير الموثوقة، بل تمتدّ شعاراتهم إلى أبعد من إجراء عملية تجميل للنظام السياسي الحالي التي ستأتي كلفة نجاحها على حساب فرص عمل الشباب والإصلاح الحقيقي الذي يعتبر بدوره المخرج الوحيد لاجتثاث الفساد وتصحيح الاختلال المزمن في القسمة السياسية التي منحت بعض الأحزاب السياسية سيطرة حصرية على البلاد وثرواتها.
اقــرأ أيضاً
فهل سيلبِّي رئيس الوزراء القادم طموحات المحتجين وتطلعاتهم إلى دولة ذات سيادة مستقلة عن التأثير الأجنبي؟ وهل سيتمكَّن من تقديم برنامج موثوق به لتلبية المجموعة الواسعة من المطالب والاستعداد لتنفيذها؟
بطبيعة الحال سيكون ذلك ضرباً من المحال، في ظلّ غياب عوامل الاستقرار والأمن والشفافية والإرادة القوية، والتي تعدّ بمثابة شروط مسبقة ضرورية لإعداد وتنفيذ أيّ برنامج قادر على دفع الاقتصاد العراقي إلى الأمام.
لكن ما زالت هناك فسحة أمل في تحقيق إصلاحات كبيرة برعاية رئيس الوزراء القادم، إذا كان قادراً على حشد نخبة تحترم مؤسسات الدولة وتلتزم بالإصلاح وتتعهَّد بما تستطيع الوفاء به، حيث يمتلك العراق إمكانات كبيرة، لكنّه يفتقر، للأسف، إلى رجال الدولة الذين يمكنهم قيادة اقتصاد البلاد للوصول إلى الأهداف المرجوة بالاستخدام الفعّال لتلك الإمكانيات المتاحة.
يحتاج رئيس الوزراء العراقي المقبل إلى توجيه الأموال الحكومية بعيداً عن بؤر الفساد، وتجاه الانتعاش وإعادة الإعمار، كما أنّه بحاجة إلى الاستثمار في تحسينات البنية التحتية الرئيسية، خاصّة الطاقة والنقل، حتى يتمكَّن الاقتصاد من النمو.
كما ينبغي عليه تشجيع تطوير القطاع الخاص من دون زعزعة استقرار المؤسسات المملوكة للدولة والتي تعدّ أكبر مصدر موفِّر لفرص العمل في العراق. وأثناء قيامه بكل ذلك، فإنه يحتاج أيضاً إلى تجنُّب الولاءات الطائفية، والخروج من عباءة تأثير القوى الأجنبية، لاسيَّما إيران والولايات المتحدة.
وبعد حلّ المشكلة العاجلة المتمثلة في العثور على رئيس وزراء مقبول على نطاق واسع في العراق، يأتي المستوى الثاني والأصعب من اللعبة، والذي يفرض على هذا المسؤول أن يفكِّر جيّداً في ارتفاع عدد الشباب، البطالة الطاحنة، ومعدلات النمو المتدنية، فكلها عوامل قد تؤدِّي إلى مزيد من الانهيار، حيث يبلغ عدد سكان العراق أكثر من 30 مليون نسمة، ومن المُتوقع أن يصل عددهم إلى 50 مليون نسمة خلال عقد من الزمن، كما أنّ أكثر من 60% من العراقيين تقِلّ أعمارهم عن 24 سنة، و700 ألف مواطن يحتاجون إلى وظائف كل عام.
اقــرأ أيضاً
وعلاوة على ذلك، يفتقر العراق إلى البنية التحتية ومقومات الحكم الراشد والقطاع الخاص، لتلبية احتياجات سكانه. وجدير بالذكر أيضاً أنّ موارد المياه في العراق قد انخفضت بنسبة 30 بالمائة منذ الثمانينيات، كما تواجه إمدادات المياه انخفاضاً سيصل إلى 60% بحلول عام 2025، الأمر الذي تترتَّب عليه آثار وخيمة على إنتاج الغذاء والكهرباء.
ويعتمد الاقتصاد العراقي، إلى حدّ كبير، على النفط الذي يوفِّر حوالي 90% من العائدات الحكومية، ولكن يتمّ تخصيص 70% من الميزانية لدفع أجور موظفي القطاع العام الذين يتسمون بقلة إنتاجيتهم، فقد قدَّر البنك الدولي أنّ الإنتاجية لكل موظَّف عراقي محرجة وجدّ متدنية وتصل إلى مدة 17 دقيقة يومياً.
إضافة إلى ذلك، ما زال النظام التعليمي العراقي مهملاً ويعاني من نقص التمويل، حيث تحصل قطاعات التعليم والتعمير والصحة على حوالي 8% فقط من الميزانية، كما أنّ الملايين من الأطفال العراقيين لا يذهبون إلى المدرسة ويتَّجهون بدلاً من ذلك إلى البطالة الدائمة.
وسيقف رئيس الوزراء المستقبلي للعراق أمام مهمة صعبة أخرى وهي موازنة العلاقات العراقية مع كل من الطرفين الأميركي والإيراني. علماً أنّ الحكومات الغربية ما زالت مركِّزة أكثر من اللازم على حريق محتمل يمكن أن ينجم عن حرب بين واشنطن وطهران على الأراضي العراقية.
والحقيقة القاسية للولايات المتحدة هي أنّ بغداد تعتمد بشكل مفرط على طهران ولا يمكنها الاستغناء عن الغاز الطبيعي الإيراني وغيره من المنتجات التي تلبي الاحتياجات اليومية للمواطنين العراقيين. كما تبلغ تجارة العراق السنوية مع إيران 12 مليار دولار، بينما تبلغ الصادرات الأميركية إلى العراق 1.3 مليار دولار فقط.
اقــرأ أيضاً
ولم تقم واشنطن، لحدّ الساعة، بمساعدة العراق في تقليل اعتماده على إيران، من خلال بناء علاقات أقوى مع البلدان التي يمكن أن توفِّر البدائل للمنتجات الإيرانية، ولم تمدّ أميركا أبداً يد عونها للعراق من أجل رسم خارطة طريق لاستقلال الطاقة تتضمَّن تسهيل الحوارات الاستراتيجية حول شبكات الطاقة المشتركة ووصلات خطوط الأنابيب الجديدة مع دول الخليج والأردن، وهذا ليس غريباً أبداً عن أميركا التي تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصّة فحسب.
خلاصة القول، أنّه إذا اختار رئيس الوزراء القادم إجراء إصلاحات حقيقية وجذرية، فيجب على الولايات المتحدة أن تكون مستعدّة لتوفير الخبرة والدعم المناسبين لتسهيل نجاح تلك الإصلاحات، ما دامت في حاجة ماسة إلى وقوف العراق إلى جانبها.
والأهمّ من ذلك، يجب أن تتضمَّن الأجندة العليا لرئيس الوزراء القادم خططاً جادة لإدماج الشباب في فرص عمل حقيقية ودائمة، لأنّه لا جدوى من مناقشة مستقبل العراق والاقتصاد العراقي من دون معالجة مشاكل الشباب أوّلاً.
وبصرف النظر عن هذا الوضع المعقَّد، هناك أيضاً خطر النفوذ الأجنبي، فلطالما اجتذبت فترات تشكيل الحكومة في العراق القوى الإقليمية والدولية للالتقاء في بغداد وإلقاء كل ثقلها لرفع التوازن لصالح المصالح الخاصة، وبالتالي لن تسلم الجرّة هذه المرّة أيضاً، وسيكون تشكيل الحكومة المقبلة مصحوباً بحملات ضغط أجنبي أكثر كثافة من أي وقت مضى، وهذا ما سيؤدِّي إلى ضبابية الرؤية المستقبلية والأفكار المطروحة لإدارة الاقتصاد العراقي.
وتعتبر مهمة تعيين حكومة جديدة، مع كل الشكوك المحيطة بها، نصف الصورة الواقعية لما يحدث في العراق، وما الذي سيؤول إليه مستقبل الاقتصاد، بينما يتعلَّق النصف الآخر والأهم بردّ فعل المتظاهرين الذين يشكِّلون القوة الدافعة وراء الأزمة التي تهزّ شوارع البلاد.
لا تشمل مطالب المحتجين العراقيين، الذين يمثلون الغالبية الساحقة من آراء الناس، مجرَّد الإطاحة بالحكومة الحالية واستبدال المسؤولين الحاليين بآخرين بعيدين عن النخبة السياسية المهيمنة وغير الموثوقة، بل تمتدّ شعاراتهم إلى أبعد من إجراء عملية تجميل للنظام السياسي الحالي التي ستأتي كلفة نجاحها على حساب فرص عمل الشباب والإصلاح الحقيقي الذي يعتبر بدوره المخرج الوحيد لاجتثاث الفساد وتصحيح الاختلال المزمن في القسمة السياسية التي منحت بعض الأحزاب السياسية سيطرة حصرية على البلاد وثرواتها.
بطبيعة الحال سيكون ذلك ضرباً من المحال، في ظلّ غياب عوامل الاستقرار والأمن والشفافية والإرادة القوية، والتي تعدّ بمثابة شروط مسبقة ضرورية لإعداد وتنفيذ أيّ برنامج قادر على دفع الاقتصاد العراقي إلى الأمام.
لكن ما زالت هناك فسحة أمل في تحقيق إصلاحات كبيرة برعاية رئيس الوزراء القادم، إذا كان قادراً على حشد نخبة تحترم مؤسسات الدولة وتلتزم بالإصلاح وتتعهَّد بما تستطيع الوفاء به، حيث يمتلك العراق إمكانات كبيرة، لكنّه يفتقر، للأسف، إلى رجال الدولة الذين يمكنهم قيادة اقتصاد البلاد للوصول إلى الأهداف المرجوة بالاستخدام الفعّال لتلك الإمكانيات المتاحة.
يحتاج رئيس الوزراء العراقي المقبل إلى توجيه الأموال الحكومية بعيداً عن بؤر الفساد، وتجاه الانتعاش وإعادة الإعمار، كما أنّه بحاجة إلى الاستثمار في تحسينات البنية التحتية الرئيسية، خاصّة الطاقة والنقل، حتى يتمكَّن الاقتصاد من النمو.
كما ينبغي عليه تشجيع تطوير القطاع الخاص من دون زعزعة استقرار المؤسسات المملوكة للدولة والتي تعدّ أكبر مصدر موفِّر لفرص العمل في العراق. وأثناء قيامه بكل ذلك، فإنه يحتاج أيضاً إلى تجنُّب الولاءات الطائفية، والخروج من عباءة تأثير القوى الأجنبية، لاسيَّما إيران والولايات المتحدة.
وبعد حلّ المشكلة العاجلة المتمثلة في العثور على رئيس وزراء مقبول على نطاق واسع في العراق، يأتي المستوى الثاني والأصعب من اللعبة، والذي يفرض على هذا المسؤول أن يفكِّر جيّداً في ارتفاع عدد الشباب، البطالة الطاحنة، ومعدلات النمو المتدنية، فكلها عوامل قد تؤدِّي إلى مزيد من الانهيار، حيث يبلغ عدد سكان العراق أكثر من 30 مليون نسمة، ومن المُتوقع أن يصل عددهم إلى 50 مليون نسمة خلال عقد من الزمن، كما أنّ أكثر من 60% من العراقيين تقِلّ أعمارهم عن 24 سنة، و700 ألف مواطن يحتاجون إلى وظائف كل عام.
ويعتمد الاقتصاد العراقي، إلى حدّ كبير، على النفط الذي يوفِّر حوالي 90% من العائدات الحكومية، ولكن يتمّ تخصيص 70% من الميزانية لدفع أجور موظفي القطاع العام الذين يتسمون بقلة إنتاجيتهم، فقد قدَّر البنك الدولي أنّ الإنتاجية لكل موظَّف عراقي محرجة وجدّ متدنية وتصل إلى مدة 17 دقيقة يومياً.
إضافة إلى ذلك، ما زال النظام التعليمي العراقي مهملاً ويعاني من نقص التمويل، حيث تحصل قطاعات التعليم والتعمير والصحة على حوالي 8% فقط من الميزانية، كما أنّ الملايين من الأطفال العراقيين لا يذهبون إلى المدرسة ويتَّجهون بدلاً من ذلك إلى البطالة الدائمة.
وسيقف رئيس الوزراء المستقبلي للعراق أمام مهمة صعبة أخرى وهي موازنة العلاقات العراقية مع كل من الطرفين الأميركي والإيراني. علماً أنّ الحكومات الغربية ما زالت مركِّزة أكثر من اللازم على حريق محتمل يمكن أن ينجم عن حرب بين واشنطن وطهران على الأراضي العراقية.
والحقيقة القاسية للولايات المتحدة هي أنّ بغداد تعتمد بشكل مفرط على طهران ولا يمكنها الاستغناء عن الغاز الطبيعي الإيراني وغيره من المنتجات التي تلبي الاحتياجات اليومية للمواطنين العراقيين. كما تبلغ تجارة العراق السنوية مع إيران 12 مليار دولار، بينما تبلغ الصادرات الأميركية إلى العراق 1.3 مليار دولار فقط.
خلاصة القول، أنّه إذا اختار رئيس الوزراء القادم إجراء إصلاحات حقيقية وجذرية، فيجب على الولايات المتحدة أن تكون مستعدّة لتوفير الخبرة والدعم المناسبين لتسهيل نجاح تلك الإصلاحات، ما دامت في حاجة ماسة إلى وقوف العراق إلى جانبها.
والأهمّ من ذلك، يجب أن تتضمَّن الأجندة العليا لرئيس الوزراء القادم خططاً جادة لإدماج الشباب في فرص عمل حقيقية ودائمة، لأنّه لا جدوى من مناقشة مستقبل العراق والاقتصاد العراقي من دون معالجة مشاكل الشباب أوّلاً.