واصطفت طوابير من المواطنين أمام المصارف اللبنانية مع انتشار الشرطة أمام الفروع وفرض البنوك قيودا مشددة على سحب العملة الصعبة والتحويلات إلى الخارج.
وأُغلقت البنوك معظم الوقت منذ اندلاع احتجاجات ضد النخبة الحاكمة في لبنان في 17 أكتوبر/ تشرين الأول. وأُعيد فتحها عقب إغلاق استمر أسبوعين في أول نوفمبر/ تشرين الثاني، لكنها أغلقت أبوابها مجددا بعد ذلك بأسبوع بسبب إضراب الموظفين الذين شكوا من تهديدات من العملاء الذين يطلبون أموالهم.
وسعيا لتجنب نزوح رؤوس الأموال، أعلنت جمعية مصارف لبنان، يوم الأحد، أن الحد الأقصى للسحب النقدي ألف دولار أسبوعيا، وأن التحويلات إلى الخارج ستقتصر على الإنفاق الشخصي العاجل فقط.
ويقول مصرف لبنان المركزي إن الودائع آمنة، وإن لديه القدرة على الحفاظ على قيمة الليرة اللبنانية المربوطة بالدولار.
ازدحام أمام المصارف
وفي منطقة الحمراء ببيروت، قال شاهد لوكالة "رويترز"، إن نحو خمسين شخصا كانوا ينتظرون أمام فرع لبنك بلوم بعدما فتح أبوابه بفترة قصيرة.
وفي منطقة سوديكو بالعاصمة، قال شاهد إن نحو 20 شخصا كانوا ينتظرون أمام فرع آخر لبنك بلوم، وكذلك العدد نفسه أمام فرع لبنك عوده. وأكد عميل في بنك رفض الإفصاح عن اسمه، أن "الجميع يفتقرون إلى الثقة. هناك حالة من الذعر، ومشاعر الناس مبررة، لأنه لا أحد يمنحهم الثقة".
وفي مدينة صيدا، جنوب البلاد، قال شاهد إن نحو 50 شخصا كانوا ينتظرون عند فرع لبنك بلوم قبل الفتح. وانسحبت هذه المشاهد على غالبية فروع المصارف في المناطق اللبناني، فيما أغلقت الفروع في وسط بيروت حيث تدور الاحتجاجات.
ودعا متظاهرون إلى إقفال كافة الطرق المؤدية إلى مقر البرلمان في وسط بيروت، صباح الثلاثاء، لمنع انعقاد جلسة تشريعية على جدول أعمالها مشاريع قوانين مثيرة للجدل، بينها مشروع قانون عفو عام.
ويشهد لبنان منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر تظاهرات غير مسبوقة بدأت على خلفية مطالب معيشية، في حراك بدا عابراً للطوائف والمناطق، ومتمسكاً بمطلب رحيل السلطة السياسية بلا استثناء، على وقع أزمة اقتصادية ومالية خانقة.
وقال رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف جورج الحاج، في مؤتمر صحافي، الإثنين: "سنعود غداً إلى العمل.. على أن يكون يوم عمل عادياً في كافة المصارف".
وبعد إغلاق لأسبوعين إثر انطلاق الاحتجاجات التي لم تسلم منها، فتحت المصارف أبوابها بداية الشهر الحالي لأسبوع واحد فقط، فرضت خلاله قيوداً أكثر تشدداً على سحب الودائع وبيع الدولار، ما أثار غضب المودعين. ونفذ متظاهرون وقفات احتجاجية أمام فروعها قبل أن تقفل يومين لمناسبة دينية.
ولم يعد بإمكان المودعين الحصول على الدولار من الصراف الآلي تزامناً مع فرض رسم إضافي على عمليات سحب الدولار المحدودة جداً مباشرة من المصارف. واحتجاجاً على اشكالات محدودة، بدأ موظفو المصارف اضراباً مفتوحاً الثلاثاء.
وأوضح الحاج، وفق وكالة "فرانس برس"، أن قرار وقف الإضراب اتُخذ بعد "انتفاء" الأسباب الأمنية التي فرضته وبعد توحيد جمعية المصارف للإجراءات المتبعة في ما يتعلق بودائع العملاء. وقدمت وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي، وفق الحاج، خطة أمنية "لخلق نوع من الاستقرار والهدوء والأمان للمستخدم والمودع"، تقضي بنشر عناصر أمن أمام المصارف وتسيير دوريات قربها.
كما أعلنت جمعية المصارف، الأحد، لائحة تدابير "مؤقتة"، ينص أبرزها على أن تقتصر التحويلات إلى الخارج على "تغطية النفقات الشخصية الملحة"، بالإضافة إلى "تحديد المبالغ النقدية الممكن سحبها، بمعدل ألف دولار أميركي كحد أقصى أسبوعياً، لأصحاب الحسابات الجارية بالدولار".
وتجاوز سعر صرف الليرة مقابل الدولار في السوق السوداء 1800 ليرة، بعدما كان مثبتاً منذ عقود على 1507 ليرات، في وقت حذرت وكالة التصنيف الدولية "ستاندرد آند بورز"، التي خفضت، الجمعة، تصنيف لبنان، من أن "إغلاق المصارف الأخير (...) والقيود غير الرسمية على تحويل العملات الأجنبية تطرح تساؤلات حول استدامة سعر الصرف".
ودخلت التظاهرات شهرها الثاني، مع تمسّك المتظاهرين برحيل الطبقة السياسية. ورغم تقديم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته في 29 تشرين الأول/أكتوبر، لم تحدد رئاسة الجمهورية موعداً للاستشارات النيابية الملزمة من أجل تسمية الرئيس المكلف بتشكيل حكومة جديدة، ما يثير غضب المتظاهرين الذين يطالبون بتشكيل حكومة اختصاصيين.
ودعا متظاهرون، الإثنين، إلى قطع كافة الطرق المؤدية إلى ساحة النجمة، حيث مقر البرلمان، في محاولة لعرقلة وصول النواب إلى جلسة تشريعية كانت مقررة الأسبوع الماضي وتم تأجيلها تحت ضغط الشارع. وتبلغ النواب، وفق ما أعلن النائب عن حزب الكتائب سامي الجميل، الذي أعلن مقاطعة كتلته الجلسة، أنها "ستكون سرية ولن تكون لدينا القدرة على الكلام".
ويرى متظاهرون أن الأولوية يجب أن تكون لإقرار الموازنة العامة وتشريع قوانين لاسترداد الأموال المنهوبة ومحاسبة الفاسدين، عوضاً عن قوانين تثير انقساماً، وبينها قانون عفو عام يستفيد منه الآلاف من الموقوفين والمطلوبين. ويخشى حقوقيون أن يكون مظلة لتمرير عفو عن جرائم بيئية ووظيفية وتهرب ضريبي.