فخاخ اتفاق الرياض... صراع على إيرادات اليمن وعبث بالمؤسسات

10 نوفمبر 2019
الاضطرابات أدت إلى تدمير العديد من المشروعات(نبيل حسن/فرانس برس)
+ الخط -

ركز اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، على وضع بعض المعالجات الاقتصادية، والتي قد تمثل بداية الانفراجة للكثير من الأزمات المعقدة التي تتربص بحياة اليمنيين في حال تم الالتزام بالاتفاق وتنفيذه على الأرض، وفقاً لمراقبين اقتصاديين تحدّثوا لـ "العربي الجديد".

ولكن بحسب مراقبين لـ"العربي الجديد"، يبقى هذا الاتفاق، والذي جرى توقيعه في العاصمة السعودية الثلاثاء الماضي، مجرد حبر على ورق، ومرهونا بالكثير من التحديات التي قد تعرقل عملية التنفيذ، لاسيما فيما يتعلق بجمع الإيرادات وتمكين الحكومة اليمنية من إدارة الموانئ والمؤسسات وتحصيل الضرائب، في ظل الواقع المنقسم والذي خلقته الحرب وعبث الإمارات وأدواتها بعد التمرد الذي حصل في عدن منتصف أغسطس/آب الماضي.

ويتضمّن الاتفاق، إضافة إلى الترتيبات السياسية والعسكرية، بنودا خاصة متعلقة بترتيب الجانب الاقتصادي، وأبرزها إدارة موارد الدولة، بما يضمن جمع وإيداع جميع إيرادات الدولة، بما فيها الإيرادات النفطية والضريبية والجمركية، في البنك المركزي بالعاصمة المؤقتة عدن (جنوب) والصرف بموجب الميزانية المعتمدة وفق القانون اليمني، وتقديم تقرير دوري يتسم بالشفافية عن إيراداتها ومصروفاتها للبرلمان للتقييم والمراقبة.

 

ردم الثقب الأسود

لعل أبرز البنود التي تمسّ حياة المواطنين اليمنيين بشكل مباشر تلك المتعلقة بعودة رئيس وزراء الحكومة الشرعية، معين عبد الملك، إلى عدن، خلال مدة لا تتجاوز أسبوعا من تاريخ توقيع الاتفاق، من أجل تفعيل مؤسسات الدولة، والعمل بشكل مباشر على صرف المرتبات والمستحقات المالية للموظفين.

ويرى الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي، أن هناك الكثير من الآثار الاقتصادية الإيجابية لتنفيذ اتفاق الرياض، في حال ذهبت الأمور في اتجاهاتها الصحيحة وتمكّن التحالف السعودي الإماراتي من فرض تطبيق بنود الاتفاق المتعلقة بالاقتصاد تحديداً.

ويضيف العوبلي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه بمجرد أن تتمكن الحكومة من تحصيل كافة إيراداتها وتقوم بإيداعها في البنك المركزي بعدن ويتم الإنفاق بموجب الموازنة ووفقا للقانون، فإن ذلك سيعطي للحكومة فرصة ذهبية للسيطرة على مواردها وردم الثقب الأسود في النفقات، الأمر الذي سيؤدي إلى دعم الريال اليمني وتحسين الوضع الاقتصادي عموماً.

ولكن أكثر ما يجب أن تحرص عليه الحكومة اليمنية، خلال هذه الفترة، وفقاً للعوبلي، هو محاولتها إخضاع كل الرواتب التي تدفع بالدولار الأميركي للمسؤولين وتحويلها إلى الريال، وإيقاف كل المبالغ التي تدفع نقداً والصرف عبر الحسابات البنكية للمستفيدين، لتجنب الصرف لموظفين وجنود وهميين، بالإضافة إلى العمل الفوري على استئناف تصدير الغاز المسال من كافة الحقول المتوقفة.

وفي المقابل، قال مسؤول في وزارة المالية التابعة للحكومة الشرعية، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة بقدر ما هي عازمة على الإصلاح السياسي والأمني في المحافظات المحررة والجنوب، لديها رغبة في إصلاحات اقتصادية حقيقية من أجل التخفيف من الأزمات التي يعيشها المواطنون.

ولكن المسؤول، الذي طلب التحفظ على اسمه، ذكر أن رغبة الحكومة في الإصلاحات متعلقة بنوايا المجلس الانتقالي والتحالف أيضاً في تنفيذ الاتفاق وتوقفهما عن جميع الممارسات العبثية، وذلك من أجل تمكين الحكومة من إدارة الموارد والموانئ والمؤسسات، وفي مقدمتها البنك المركزي، وأيضاً عملية استيراد النفط والغاز، وتحصيل الضرائب، حتى يتسنى لها تسليم المرتبات والإيفاء بالتزاماتها الخدمية.

 

نهب المشروعات

ومن أبرز عقبات اتفاق الرياض، ما شهدته المشروعات الخاصة من عمليات نهب واسعة في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن طوال الفترة الماضية، وجاء ذلك عقب سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا على المدينة، إذ تركزت عمليات السطو على الاستثمارات التي يمتلكها أبناء الشمال، ما تسبب لهم في خسائر فادحة.

وحدث ذلك رغم الإجراءات التي أعلن عنها الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، لحماية التجّار والمستثمرين، إذ تواصلت المعاناة من الهجمات التي اتخذت طابعا عنصريا على المشروعات التابعة لأبناء الشمال.

وفي مطلع أغسطس/اَب الماضي، أقدمت قوات عسكرية وأمنية على تنفيذ حملة مداهمات واقتحامات للعديد من المتاجر والأسواق الشعبية والمطاعم المختلفة، في بعض أحياء عدن، بحثاً عن "الشماليين" لتهجيرهم وإغلاق محلاتهم ونهب مخازنهم ومتاجرهم.

ومنذ أكثر من شهرين على أحداث عدن، ما تزال أعمال السطو والنهب تطاول مواطنين وتجارا ورجال أعمال، لأسباب مناطقية (الانتماء للمحافظات الشمالية)، رغم تراجع وتيرتها عن ما كانت عليه في الأيام الأولى للأحداث.

كانت البداية مع العمال وأصحاب "البسطات" والباعة الجائلين والمطاعم والكافيهات وعربات البيع المتنقلة التي طاولها العبث والنهب والإغلاق.

وقد تم إفراغ أغلب مناطق وشوارع العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية من بسطات وعربات بيع الخضروات والفواكه والمواد الغذائية والسلع الكمالية وبعض أفران بيع الخبز، بحجة أنها ملك "شماليين" مندسين وخلايا تخريبية تستهدف عدن.

وليد ياسر، صاحب بسطة لبيع الخضروات والفواكه، يشكو، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه فقد "بسطته" في منطقة "كريتر" أقدم أحياء مدينة عدن وأكثر مناطقها تعايشا وحيوية، بعد أن داهمته مجموعة من الأفراد، بعضهم يرتدي زيا عسكريا والبعض بلباس مدني، وأجبروه على ترك "بسطته" ومن ثم قاموا بالعبث بما فيها.

ومن جانبه، قال تاجر، رفض ذكر اسمه، إنه أصبح مشردا بلا عمل بعد أن اقتحموا المطعم الذي يملكه وأغلقوه وأجبروه على ترك مدينة عدن التي غادرها في شاحنة نقل أعدوها في الأيام الأولى للأحداث لوضع العمال وأصحاب الأعمال الحرة والبسطات والمطاعم ومن ثم نقلهم إلى خارج مدينة عدن، إذ غادرها الكثير منهم إلى مدينة تعز بشكل مؤقت، حسب حديثه لـ"العربي الجديد".

يضيف: لقد نكّلت بنا القوات التابعة لـ "معسكر 20" الذي يديره القائد العسكري إمام النوبي، ولاحقتنا بطريقة بشعة، رغم كوننا من أبناء عدن، وكان بحجج واهية كوننا من أصول مناطق شمالية. وتشرف الإمارات بصورة مباشرة على هذا المعسكر.

 

عنصرية ضد المستثمرين

في مذكرة رفعتها منظمات القطاع الخاص في اليمن إلى الأمم المتحدة، في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تضمنت مجموعة نقاط توضح فيها للمنظمة الأممية بعض المسائل الشائكة التي يعاني منها القطاع الخاص في اليمن، وفي مقدمتها بروز مظاهر العنصرية والعداء المناطقي في عدن تجاه الأعمال والتجار والباعة والشركات والمكاتب التجارية.

وحسب المذكرة التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، فقد تمت هذه الأعمال برعاية جهات أمنية وسياسية عليا ساهمت في "شرعنة" اضطهاد أبناء المحافظات الشمالية وقامت بتهجيرهم قسريا ونهب محلاتهم التجارية والخدمية والاستثمارية وإحراق بعضها ومعاملتهم معاملة لا إنسانية.

ونبهت إلى أن ذلك قد حدث أمام مرأى ومسمع وسائل الإعلام العالمية منذ 2 أغسطس/آب 2019 وما أعقبها من اختلالات أمنية. ولم تسلم الهناجر والمخازن الخاصة بالسلع والبضائع من النهب والسطو، بحجة أن من يملكها تجار تعود أصولهم إلى "مناطق شمالية".

في السياق، كتب التاجر إبراهيم الحملي، بعد أيام من سيطرة الانتقالي على عدن، في صفحته على فيسبوك، مناشدة يقول فيها إنه "في ظل الأوضاع الاستثنائية والفراغ الأمني، تعتدي، للأسف، الشرطة وإدارة أمن عدن على مخازن شركة البارون بحي السنافر بجوار بريد السنافر، وتقوم بنهب مولدات بطاريات وكابلات معدات تركيبات كهربائية، من ينصفنا؟ أين المحافظ؟".

 

حصيلة الاعتداءات

في الوقت الذي لم تعلن أي من الجهات المعنية في اليمن حصيلة رسمية، بشأن الاعتداءات التي طاولت أعمالا وتجارا والانتهاكات بسبب الأحداث والوضع الأمني غير المستقر في عدن، تحدثت تقارير غير رسمية أعدتها منظمات محلية ناشطة عن رصد ترحيل نحو 3 آلاف مواطن، أغلبهم عمال وباعة جائلون، وتشريد أكثر من ألفي أسرة، وتحطيم وإغلاق وتدمير نحو 1700 بسطة منتشرة في أرصفة الشوارع.

كما أغلق أكثر من 2500 محل تجاري، وتم نهب ما يقرب من 20 مخزن بضائع وسلع ومواد غذائية وكمالية ومنزلية وكهربائية.

في الإطار، أكد مسؤول محلي في مدينة عدن، لـ "العربي الجديد"، أن هناك "تضخيما" لبعض الأعمال الطائشة، حسب وصفه، والتي رافقت الأزمة في عدن وتحويلها إلى قضية رأي عام، رغم كونها أعمالا مدانة وغير مقبولة أينما حدثت، سواءً في عدن أو في صنعاء أو في أي منطقة يمنية.

وحسب المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه، فقد كان هناك تكاتف مجتمعي كبير تصدّى لبعض حالات السطو والنهب الخارجة عن النظام والقانون، وهي عبارة عن أعمال محدودة وغير مؤثرة مقارنة بما يتحدث عنه البعض بأنها ظاهرة سطو ونهب مخطط لها طاولت أعمالا تجارية تابعة لمواطنين من مناطق "شمالية".

وأكد عودة بعض الأعمال والمحال التجارية والمطاعم التي طاولتها بعض الأعمال الطائشة للعمل، بعد أيام من إغلاقها أو تعرّضها لبعض الاعتداءات، وفقا لحديثه.

ولاقت الحملة استنكار وإدانات واسعة على كافة المستويات الرسمية والشعبية، إذ رأت الحكومة الشرعية، في تصريحات أعقبت سيطرة المجلس الانتقالي على عدن، أن ما يحصل في العاصمة المؤقتة من انتهاكات تطاول يمنيين بدوافع مناطقية هي أعمال بشعة لا يمكن التغاضي عن تبعاتها الخطيرة، جاء ذلك في سلسلة تغريدات كتبها رئيس الوزراء اليمني، معين عبد الملك.

من جانبه، قال مسؤول منظمة محلية شريكة للأمم المتحدة، معين الحمادي، إن ما حدث في عدن كان بمثابة أعمال بشعة لم تستهدف العمال والشركات والقطاع التجاري، بل استهدفت بالدرجة الأولى النسيج الاجتماعي اليمني وتأجيج الصراع بين أبناء الوطن، في بلد يشهد حربا وصراعا طاحنا منذ نحو خمس سنوات.

وأكد الحمادي لـ "العربي الجديد" أنه لا يمكن القبول بمثل هذه الأعمال والاعتداءات والسطو والنهب وإلحاق الأذى بالناس الذين ينتمون لمحافظات شمالية مرفوضة.

ويشير إلى أن مثل هذه الأعمال استهدفت الكثير من الناس في رزقهم ولقمة عيشهم ممن توقفت أعمالهم وموارد دخلهم المادية، وأجبروا على حياة التشرد في ظروف معيشية صعبة.

وكان عديد من التجار والمستوردين اتجهوا لفتح مكاتب تجارية في عدن، بعد اتخاذ الحكومة اليمنية لها كعاصمة مؤقتة ونقل البنك المركزي إليها، وأيضا تحويل خطوط شحن البضائع والسلع التجارية من ميناء الحديدة غرب اليمن إلى ميناء عدن جنوبا.

ويقول أحد المستوردين، أمين مسعد: نواجه صعوبات ومشاكل وتعسفا عند دخول وارداتنا من البضائع المستوردة عبر ميناء عدن جنوب اليمن إلى الأسواق المحلية، قبل الأحداث الأخيرة التي شهدتها عدن وزادت بعدها بكثافة كبيرة، رغم خضوعها للفحص والتفتيش وسداد كل الرسوم الضريبية والجمركية وغيرها في المنافذ الجمركية الرئيسية للجمهورية.

ويتحدث مسعد لـ "العربي الجديد" عن صعوبات وتفتيش وجبايات، أصبحت مضاعفة بعد أحداث عدن، منذ خروجها من الميناء مرورا بمناطق ونقاط تفتيش تقوم في كثير من الأحيان بطلب أموال أو نهب البضاعة والسلع من شاحنات النقل.

ومن جانبه، يدعو عضو الاتحاد العام اليمني للغرف التجارية، علي عيسى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، الجهات والأجهزة المعنية في عدن وعموم المحافظات المجاورة للعاصمة المؤقتة والمناطق اليمنية الأخرى، إلى وقف مختلف الممارسات التعسفية ضد التجّار، التي من شأنها تكبيد رأس المال الوطني خسائر باهظة هو في غنى عنها.

المساهمون