مصريون يلجأون لـ"الشكك" لمواجهة الغلاء.. وتحذيرات من انهيار تدريجي للاقتصاد

17 يوليو 2018
مع ارتفاع الأسعار تنخفض القوة الشرائية(Getty)
+ الخط -


أدى ارتفاع الأسعار غير المسبوق للسلع والخدمات في مصر إلى لجوء بعض فئات المواطنين لشراء احتياجاتهم اليومية أو بعض الخدمات بنظام الدفع الآجل (الشكك) أو ما يطلق عليه شعبيا الشراء على "النوتة".

والنوتة عبارة عن مذكرة صغيرة يدون فيها التاجر مسحوبات الزبائن اليومية أو الأسبوعية، ويتم تحصيلها نهاية كل شهر.

يقول مصطفى محمد، وهو تاجر مواد غذائية، لـ"العربي الجديد"، إن مكسب البقالة قليل، ويعتمد على حركة البيع النقدي، ولكن أمام ضغوط الحياة المعيشية، أصبح جزء كبير من الزبائن لا يسمح

دخلهم المادي بالتعامل النقدي فيضطرون للتعامل بنظام الدفع الشهري على"النوتة".

ويضيف التاجر مصطفى أن الزبون يفترض أن يسدد ما عليه كاملا نهاية كل شهر، ومع ارتفاع الأسعار، خرج الدين عن السيطرة، وضعفت قدرة المستهلكين على الوفاء بديونهم كاملة، وحتى لا نخسر شريحة كبيرة من المستهلكين، نضطر لتحصيل جزء من الديون، وتأجيل الجزء الآخر.

ويرى محمد سمير، (جزار)، أن ارتفاع الأسعار صعّب من الأوضاع على الجزارين والزبائن معا، فمع حالة الكساد، أصبح دخله من محل الجزارة يكاد يغطي تكاليف معيشته، على عكس السنوات السابقة عندما كان كلغ اللحم بسعر معقول، حيث كان هناك فائض شهري، على حد قوله.

ويضيف لـ"العربي الجديد": هناك زبائن كثر يتعاملون معي بنظام الدفع الشهري، أعطيهم مذكرة صغيرة "نوتة" أسجل فيها مسحوباتهم الأسبوعية، واشترط عليهم دفع ديونهم كاملة نهاية الشهر.

ويقول سمير إنه بصفة عامة ونتيجة لحالة الغلاء الفاحش، لجأ الكثير من الزبائن للتقشف عن طريق تقليل الكميات المشتراة، لدرجة أن بعضهم بدأ يطلب شراء ربع كلغ فقط (قطعتي لحم) كل أسبوع، أو بزيادة المدة بين عمليات الشراء، كما زاد الطلب هذه الأيام على الفوارغ (بقايا اللحوم الناتجة من عملية "التشفية")، حيث إن سعر الكلغ لا يتعدى 40 جنيهًا.

ويشير سمير إلى رفضه بيع العظم، والذي وصل سعر الواحد منها إلى 7 جنيهات، حيث يوزعها مجانا لمن يستحق، فهناك من يكتفي بها لعمل "شوربة" فقط.

صعود التضخم

وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر صعود التضخم السنوي لأسعار المستهلكين بالمدن، للمرة الأولى منذ عشرة أشهر.

وجاءت قفزة التضخم بعدما رفعت الحكومة في يونيو/ حزيران أسعار الوقود بما يصل إلى 66.6% في إطار خطط لتقليص الدعم.

وقفز التضخم السنوي في المدن إلى 14.4% في يونيو/ حزيران من 11.4% في مايو/ أيار. وعلى أساس شهري قفزت وتيرة تضخم أسعار المستهلكين إلى 3.5% في يونيو مقارنة مع 0.2% في مايو.


ويؤكد أبو ياسين، (بائع خضار)، أن شريحة كبيرة من زبائنه بدأت تعتمد على نظام الدفع

الشهري، نتيجة ارتفاع الأسعار، مع ضيق ذات اليد، وهو ما كان نادر الحدوث في السنوات السابقة، مشيرًا إلى أن نظام الدفع الآجل أو ما يطلق عليه شعبيا"الشكك"، وإن كان يؤخر دورة رأس المال، لكن ظروف وآليات السوق هي التي فرضته.

ويوضح أن أقصى مديونية قد تصل إلى ألف جنيه شهريًا، يدفع المدين جزءا ويبقي الآخر للشهر التالي وهكذا، وفي حال كثرة الشكك في أحد الأيام يشترط على الزبائن دفع جزء نقدي وتسجيل الباقي على المديونية، حتى يستطيع شراء سلع جديدة لليوم التالي.

وترفض زهرة، وهي بائعة خضار، البيع "شكك"، فرأس مالها لا يتحمل، كما أنها جديدة على المهنة، فلم تمارسها إلا من 3 أشهر فقط.

ركود شديد

ويشكو محمد حسن، (صاحب محل لبيع الدجاج)، من حالة ركود لم تحدث من قبل، فعلى حد قوله: "الناس أصبحت لا تفكر في الأكل، بقدر تفكيرها في متطلبات حياتية أخرى، كتدبير مصاريف الأولاد والدروس الخصوصية"، مشيرًا إلى أنه يتعامل مع بعض الزبائن بنظام الدفع الشهري "الشكك والنوتة"، بحكم "العشرة" فقط.

ويرجع مصطفى شاهين، الخبير والمحلل الاقتصادي، وصول معيشة المصريين لهذه الحالة المتردية إلى ارتفاع الأسعار مع انخفاض الدخول.

ويضيف شاهين لـ"العربي الجديد"، أن الإجراءات التي تتبعها الحكومة المصرية من رفع الدعم عن المياه والوقود والكهرباء.. إلخ، وكذلك رفع أسعار بعض الخدمات الأخرى التي لا تقدمها الحكومة، كرفع أسعار خطوط المحمول مثلا، عن طريق تدخل الحكومة بسلطاتها الاحتكارية، هي إجراءات انكماشية تدفع الاقتصاد إلى حالة من الركود.

وحسب الخبير الاقتصادي شاهين، فإنه مع ارتفاع الأسعار تنخفض القوة الشرائية، وتضرب الأسواق حالة من الكساد والركود، تكون نتيجتها خلق بيئة غير مواتية للاستثمار، وكل ذلك يؤدى في النهاية إلى حدوث انهيار تدريجي للاقتصاد.

ورفعت الحكومة المصرية في 16 يونيو/حزيران الماضي، أسعار الوقود بنسب وصلت إلى 66.6%، وهي الثالثة منذ إبرام الحكومة اتفاقا مع الصندوق لاقتراض 12 مليار دولار في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، والرابعة منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في يونيو 2014، الأمر الذي ارتفعت معه أسعار معظم السلع والخدمات في مصر، في إطار إصلاحات تقول الحكومة إنها ضرورية لمعالجة عجز الميزانية ووضع الاقتصاد على مسار النمو، لكنها أفرغت جيوب المصريين.

المساهمون