هل ينجح محافظ المركزي المصري الجديد بحل أزمة الجنيه؟

24 أكتوبر 2015
محافظ البنك المركزي المصري الجديد، طارق عامر (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -


ما لبث أن استقال محافظ البنك المركزي المصري هشام رامز من منصبه، حتى بدأت أجراس الهواتف تدق ليتبادل المصرفيون التهاني على رحيل الرجل، الذي يقولون إنه رفض العدول عن مساره، حتى بعد أن تحولت مصر بسرعة من أزمة نقدية نحو أزمة في التجارة.

وأنعش تجديد دماء أعلى سلطة مصرفية في البلاد الآمال بتغيير وشيك في السياسة النقدية التي فشلت في تحقيق الاستقرار للجنيه المصري، وأغضبت المستوردين، وأصبحت مقرونة بشخص رامز الذي أدت القيود التي فرضها على العملة إلى تعطش بعض الأنشطة التجارية للدولار.

وينظر إلى خلفه طارق عامر، الذي يبدأ ولاية مدتها أربع سنوات في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، على أنه مدير نشيط ومتعاون يرجع إليه الفضل في إحداث تحول في حظوظ أكبر بنك في البلاد.

ورحب المصرفيون والمستوردون بإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي، إذ يشعرون بمزيد من الارتياح تجاه أسلوب عامر الودود، ويقولون إن توليه المنصب يعطي البنك المركزي فرصة لتغيير السياسات القائمة من دون خسارة المصداقية.

وقال مصرفي يعمل بقسم الخزانة بأحد البنوك المصرية: "لسنا في الاتجاه الصحيح، ونحن في موقف صعب يحتاج إلى أفكار من خارج الصندوق .. هناك أجواء تفاؤل في السوق بأن عامر سيغير بعض السياسات المثيرة للجدل التي انتهجها رامز".

وتولى رامز منصب محافظ البنك المركزي في فبراير/شباط 2013، عندما كانت حكومة الإخوان المسلمين تصارع من أجل تحقيق الاستقرار لاقتصاد تضرر كثيراً، بسبب الاضطرابات السياسية التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك.

وكان احتياطي النقد الأجنبي وقتئذ 13.6 مليار دولار، أي أقل من نصف الاحتياطي الذي كان موجودا قبل ثورة يناير 2011، وهو ما لا يكفي لتغطية استيراد احتياجات البلاد من الخارج لمدة ثلاثة أشهر.

ومنذ أن تولى رامز منصبه، سرعان ما تلقت مصر مليارات الدولارات في صورة مساعدات من دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات والكويت.

وجاءت تلك الأموال في صورة منح وقروض وإيداعات نقدية في البنك المركزي ومنتجات للطاقة تستوردها مصر من الخارج، إلا أن احتياطيات النقد الأجنبي سجلت ارتفاعا بسيطا عما كانت عليه حين تولى رامز المنصب حيث وصلت إلى 16.3 مليار دولار في سبتمبر/أيلول.

والسبب في ذلك هو تراجع حركة السياحة والاستثمارات، وتخصيص البنك المركزي أموالا طائلة للحفاظ على الجنيه المصري عند مستوى قوة يقول محللون إنها مصطنعة.

طريق وعر

وواجه البنك المركزي ضغوطا متزايدة لتخفيض قيمة العملة، بينما انتعشت السوق السوداء لتبث الحياة في الأنشطة التجارية غير القادرة على الحصول على الدولار من خلال القنوات الرسمية.

وخفض رامز قيمة الجنيه المصري في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين، قبل أن يبقي العملة المحلية مستقرة عند 7.53 جنيهات للدولار حتى يوليو/تموز الماضي، عندما سمح لها بالنزول من جديد.

وجاءت أحدث موجة من التخفيض هذا الشهر، فقد أصبح سعر الدولار حاليا 7.93 جنيهات، لكنّ مصرفيين يقولون إن: "تحريك سعر العملة محدود جدا ومتأخر جدا ومتدرج جدا أيضا ويبدو أنه اتخذ على مضض، وقال أحدهم: "لا أحد يعرف في ما يفكر.. إنه أمر ضبابي".

ويقول مصرفيون إن رامز بات تفكيره منصبا على القضاء على السوق السوداء، حتى وإن كان ذلك على حساب اقتصاد يسير بخطى ثقيلة في طريق وعر نحو العودة إلى النمو الاقتصادي.

وبدأ من دعموا في يوم من الأيام جهود رامز لتحقيق الاستقرار للجنيه إعادة تقييم مواقفهم في فبراير/شباط الماضي، عندما استحدث الرجل قيوداً مصرفية شملت فرض سقف على الإيداعات الدولارية عند 50 ألف دولار في الشهر، وهو ما قضى على السوق السوداء، حيث لم يعد أمام الأنشطة التجارية مكان لإيداع الدولارات التي حصلت عليها بشكل غير رسمي.

كما تجبر هذه القيود البنوك على توفير الدولارات لتمويل واردات السلع الاستراتيجية، ومن بينها بعض السلع الغذائية وتقديم ذلك على توفير الدولارات لشراء السلع غير الضرورية، وهو ما أثار حفيظة مستوردي السلع الكمالية.

ودافع رامز بقوة عن نهج يقول إنه يهدف إلى الاستغلال الأمثل للمتوافر من الدولارات في مصر.

وقال في مقابلة نشرت في صحيفة الأهرام إبدو هذا الشهر: "رجال الأعمال يرفضون الاعتراف بأن البلاد تواجه نقصا في الدولار، وأن عليها وضع أولويات".

وأضاف: "احتياطيات النقد الأجنبي تتراجع، ومصر شأنها شأن كل دولة تمر بموقف اقتصادي مشابه عليها أن تحدد أولوياتها".

اقرأ أيضاً: الخلافات مع الحكومة ورجال الأعمال تطيح بمحافظ المركزي المصري

وهبطت الصادرات المصرية 19% في الأشهر التسعة الأولى من 2015 في الوقت الذي تقول فيه بعض الشركات العاملة في قطاع الصناعات التحويلية إن القيود المفروضة على العملة جعلت مسألة فتح خطابات ائتمان لاستيراد بعض المواد الخام أمرا صعبا.

وقال المدير التنفيذي لشركة النعيم القابضة، طارق أباظة: "الجميع لديه مشكلة مع الدولار، وهم يجعلون هذه المشكلة مسألة خلاف شخصي مع رامز".

وأضاف: "إنهم يقولون دائما إن هشام رامز يقضي على النشاط التجاري، وإنه كان يحاول القضاء على السوق السوداء فقضى على الاقتصاد.. سيكون لدى السوق أمل كبير في طارق عامر".

أسلوب إدارة

ويقول مصرفيون إن عامر، الذي عمل لدى سيتي بنك وبنك أوف أميركا، وشغل في السابق منصب نائب محافظ البنك المركزي، يتمتع بروح الفريق وإنه أكثر قدرة على بناء علاقات قوية مع المؤسسات العالمية مثل صندوق النقد الدولي.

ويقول البعض إن تفكيره أكثر تحررا مقارنة برامز، وعلى أقل تقدير فإن المصرفيين يتوقعون علاقة تتسم بالمزيد من التعاون.

وقال مصرفي عمل مع عامر بالبنك الأهلي المصري المملوك للدولة: "عامر كان يستمع دائما لمن يعملون معه ويدرس آراء الخبراء.. إنه مستمع جيد يثق برجاله وليس من النوع الذي يعطي فقط الأوامر".

وكان البنك الأهلي المصري يفتقر إلى الحيوية، قبل أن يتولى عامر رئاسته في 2008 في خضم الأزمة المالية العالمية، وقام عامر بتسييل الأصول عالية المخاطر، وأعاد هيكلة البنك ورفع مستوى الإدارة بحسب مصرفي كان يعمل بالبنك في ذلك الوقت.

وعندما ترك عامر البنك في 2013 كان الأهلي المصري أحد أكبر البنوك التي تحقق أرباحا في المنطقة، وتغيير سياسة مصر النقدية إجراء لتحقيق التوازن له حساسية سياسية، ولن يكون مباشرا جدا.

وأمام عامر قرارات صعبة يتعين عليه اتخاذها، إذ يواجه البنك المركزي المصري ضغوطا لتخفيض قيمة الجنيه، وبخاصة منذ الهبوط الحاد لعملات الأسواق الناشئة هذا العام، لكن الكثيرين يعارضون مثل هذا الإجراء خشية أنه، وإن كان يريح الأنشطة التجارية، يرفع معدلات التضخم في بلد يعتمد على الواردات، ويعيش الملايين من سكانه على حد الكفاف.

وأكد رامز مرارا وتكرارا على هذا النقطة ولقي دعما لأجلها من القمة، وعندما اختار السيسي عامر لتولي المهمة أكد على الحاجة إلى إعطاء أولوية للبسطاء، من خلال السيطرة على معدلات التضخم والتأكد من توفير الغذاء والدواء والوقود لهم؛ وهو الأمر الذي يوافق عليه الكثير من المصريين في الشارع.

وفي الوقت نفسه فإن دعوة بعض رجال الأعمال لربط الجنيه بسلة من العملات المرجحة بالتجارة أو تعويم العملة تحمل في طياتها مخاطر كبيرة.

فالتغييرات الجريئة قد تكون غير مستساغة في مصر، إذ تنشد الحكومة الاستقرار ولا تتمنى تكرار مشهد احتجاجات الشوارع التي ساعدت في الإطاحة برئيسين في ثلاث سنوات.

وقال انجوس بلير رئيس معهد سيجنت، وهو مركز أبحاث اقتصادية مقره القاهرة: "الحقيقة هي أن عامر يريد نظاما اقتصاديا أكثر تحررا في مصر؛ وهو ما تحتاجه مصر بالضبط لدفع النمو الاقتصادي نحو مستويات أعلى".

وأضاف: "سلفه.. كان حذرا جدا بشأن ما تحتاجه مصر وأعتقد أن السيد عامر سيتخذ القرارات الأصعب التي تحتاجها مصر لبث الثقة في نفوس القطاع الخاص والمستثمرين لدعم الاستثمار".

وكان تدخل رامز في التفاصيل الدقيقة، بما في ذلك تسعير المنتجات، سببا في تقليص شعبيته في القطاع المصرفي.

ويقول مصرفيون إنه كان يعطي أوامر، ولم يكن يرحب بالرأي الآخر، وكان في بعض الأحيان يوبخ مصرفيين بارزين أمام أقرانهم، ويخلق بيئة يخاف الخبراء من التحدث فيها بحرية، لكن آخرين يقولون إنه بغض النظر عن مؤهلات عامر، فإن قليلين هم الذين يعرفون كيف كان يخطط لمعالجة الأزمة، ويقولون إن السياسة النقدية أمر معقد، وأكبر من أن يضطلع بها رجل واحد.

وقال أحد المصرفيين: "أي شخص يحل محل هشام رامز، فإنه عندما يتولى منصبه لن يلبث أن يواجه نفس الانتقادات".

 

اقرأ أيضاً:
الجنيه المصري مستقر بالسوق الرسمية وتوقعات بخفضه بوتيرة أسرع
مصر: أسواق الصرف تترقب التغيرات بحذر

المساهمون