يمنيون "صائمون طوال العام" بسبب الغلاء

20 ابريل 2021
ارتفاعات حادة في أسعار السلع (محمد حمود/Getty)
+ الخط -

لا يأبه إبراهيم قايد، بنصف الراتب السنوي الذي تسلمه أخيراً، من سلطات العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، لأنّ تكاليف رمضان تفوق كثيراً قدراته المعيشية التي أصبحت ضئيلة ومحدودة للغاية.
يقول قايد، الذي يعيل أسرة مكونة من خمسة أشخاص، لـ"العربي الجديد" إنّ "المعيشة في رمضان تتطلب موازنة كبيرة تستند إلى فرص عمل كانت تتوفر في هذا الشهر في مختلف قطاعات الأعمال، فيما الآن التهم الغلاء الفاحش المتصاعد بشكل متواصل ما تبقى من الدخل المحدود، بينما قضى كورونا على فرص العمل التي يوفرها شهر رمضان".
وبسبب تدهور أوضاعهم المعيشية، بات اليمنيون يصومون طوال العام عن وجبات رئيسية. ويحل شهر رمضان هذا العام، بالتزامن مع ما تتخذه السلطات المعنية المتعددة في اليمن من إجراءات وقائية احترازية لمواجهة موجة ثانية أكثر حدة من فيروس كورونا.
وأدت عوامل عدة، منها ما أنتجته الحرب، إلى تدهور زراعة اليمن من الحبوب، خصوصاً تلك الأصناف التي ارتبطت بإنتاج عدد من المكونات والمواد الغذائية التي تحتل مساحة بارزة في موائد الأسر اليمنية في رمضان، مثل "اللحوح" الذي ينتج من الدخن أو الذرة الشامية، أو الشعير الذي يصنع منه "الشفوت" الوجبة الرئيسية في إفطار اليمنيين.
في المقابل، هناك من يغتبط برمضان، لما يمثله من فرصة لتقليل الوجبات اليومية، إذ يتميز موسم الصيام بوجبتين رئيسيتين، وأحياناً يكتفون بوجبة واحدة فقط فيه هي الإفطار، رغم كونها مجازفة للصائمين الذين يقضون ساعات النهار ممتنعين عن الأكل والشرب.

المواطن واصل المياسي، من سكان مدينة الحديدة غربي اليمن، يعبر لـ"العربي الجديد"، عن نظرة شريحة واسعة من اليمنيين وموقفهم من شهر رمضان بالقول: "صائمون طوال العام"، في إشارة إلى ما يعانيه جزء كبير من السكان في اليمن من تردٍّ معيشي وتهاوٍ في الدخل والذي أدى إلى تفشي الجوع وسوء التغذية لدى نحو 12 مليون نسمة، وفق تقديرات رسمية وأممية لعدد الوجبات المتناولة في اليوم والتي وصلت إلى أدنى مستوى.
يوافق حمزة صلاح، من سكان مدينة عدن، الذي يتحدث لـ"العربي الجديد" عن تسبب تدهور الأوضاع من فترة لأخرى وانعدام الخدمات العامة كالكهرباء خصوصاً في الصيف، في تحويل نمط حياتهم من النهار إلى الليل، وهو ما جعلهم يعيشون رمضان لأكثر من شهر في العام.
الخبير الزراعي والأكاديمي في جامعة "الحديدة" صهيب الباجلي، يفسر لـ"العربي الجديد" سبب تراجع زراعة بعض أصناف الحبوب والمرتبطة بشكل كلي بموائد الأسر اليمنية في شهر رمضان، بما يمرّ به اليمن من تغييرات مناخية عاصفة منذ سنوات، وجفاف وتصحر، وأمطار غير موسمية غزيرة تنتج عنها سيول وفيضانات تتسبب بأضرار زراعية بالغة في جرف التربة وتدهور الأراضي الصالحة لزراعة مثل هذه الأصناف. وأدت مجموعة من العوامل، على رأسها الحرب والفراغ الحكومي وأزمات الوقود، إلى انحسار مُريع في زراعة محاصيل الحبوب التي انخفضت إنتاجيتها بما يقارب 45% خلال السنوات الماضية في اليمن.
وبحسب بيانات صادرة عن وزارة الزراعة والريّ، اطلعت عليها "العربي الجديد"، فقد تراجع إنتاج اليمن من محاصيل الحبوب الغذائية مثل القمح والذرة والدخن والشعير خلال سنوات الحرب التي تشهدها البلاد منذ عام 2015، إلى 300 ألف و500 طن في عام 2019، مقارنة بنحو 700 ألف طن عام 2014، فضلاً عن انخفاض المساحة المزروعة بهذه المحاصيل إلى 505 آلاف هكتار من 727 ألف هكتار خلال نفس الفترة.

وتعتبر محاصيل الدخن والذرة بصنفيها الرفيعة والشامية، إلى جانب الشعير، من السلع المهمة التي يعتمد عليها اليمنيون بشكل كلي ليس في الموائد الرمضانية بل معظم فترات العام.
وتنفذ السلطات اليمنية، في عدن وتعز ومأرب وحضرموت، إجراءات احترازية متتابعة نتيجة ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا بصورة تفوق بكثير قدراتها على التعامل معه. وتشمل هذه الإجراءات إغلاق أماكن التجمعات مثل قاعات الأفراح والمناسبات والأسواق والمطاعم، بينما تواصل سلطات صنعاء سياسة الصمت المطبق في التعامل مع تفشي الوباء في العاصمة اليمنية بصورة أكبر بكثير عن الموجة الأولى، وفق مصادر طبية.
ومع اتحاد فيروسات عدة على اليمنيين لا تختلف عن كورونا في أضرارها البالغة على تغذية السكان المتدهورة، نتج عن ذلك، وفق الخبير في مجال التغذية، وليد الفيضي، في حديثه لـ"العربي الجديد" ضعف في القدرات المناعية للمواطنين والتي تلاحظ بشكل أكبر في الموجة الثانية لفيروس كورونا، بالإضافة إلى ما تمثله التأثيرات المعيشية بسبب الحرب من تهديد لقدرات نسبة كبيرة من اليمنيين في شهر رمضان، وما يرافق الصوم من فقدان الغذاء والسوائل طوال فترات اليوم، مقابل عدم القدرة على التعويض في فترات ما بعد الإفطار.
وفق تقديرات رسمية، فإنّ نحو ثلث الأسر اليمنية تعاني من فجوات في نظمها الغذائية، وتكاد لا تستهلك أيّ أطعمة من البقوليات والخضروات والفاكهة ومنتجات الألبان واللحوم.

المساهمون