في الوقت الذي فرض فيه فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) كلمته، واعتبره البعض القوة العظمى الوحيدة حالياً، بعد أن أصاب نحو 83 مليون شخص حول العالم، وحصد أرواح أكثر من 1.8 مليون منهم، استطاعت سوق الأسهم الأميركية، من دون كل أسواق العالم، أن تتجاوز تبعات الجائحة، لتحقق مستويات قياسية واحداً تلو الآخر، ولتصل المكاسب الفردية لبعضها خلال العام المنتهي 2020 إلى مستويات لم يكن يتخيلها أحد قبل ظهور الفيروس.
وبعد أن شهدت الأسواق انهياراً سريعاً خلال شهر مارس/آذار الماضي، في أعقاب التأكد من انتشار الفيروس في الولايات المتحدة، وتوقع الجهات الطبية الرسمية إصابة الملايين به، وفقدان مئات الآلاف منهم حياتهم لأسباب مرتبطة بالإصابة به، ساهمت تريليونات الدولارات التي قام بنك الاحتياط الفيدرالي ووزارة الخزانة بضخها في الأسواق في إعادة مؤشرات الأسهم الأميركية إلى المنطقة الخضراء، بقيادة أسهم التكنولوجيا التي فرضت نفسها مع أوامر الإغلاق الكبير والتوسع في العمل والتعليم عن بعد.
وبينما أوقفت مجموعة أليانز للخدمات المالية، بذراع إدارة الأصول التابعة لها والأكبر في العالم، والمعروفة باسم "بيمكو"، عمليات بعض الصناديق التي تديرها، وحذر كبير مستشاريها الاقتصادي المصري الأميركي الشهير محمد العريان من انهيارات غير مسبوقة في أسواق الأسهم الأميركية، وتوقع المستثمر المخضرم والرئيس التنفيذي لامبراطورية بيركشاير هاثاواي وارين بافيت، أن تستمر أسواق الأسهم في الانخفاض حتى منتصف العام التالي 2021، سجلت مؤشرات الأسهم الأميركية ارتفاعات كبيرة من أدنى مستوى وصلت إليه عند تعرّضها لأكبر ضربة من الفيروس المنتشر بالبلاد في الثالث والعشرين من شهر مارس/آذار.
وبعد ذلك اليوم، وخلال تسعة أشهر وأسبوع، وقبل تعاملات آخر أيام العام، ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 64%، وحقق مؤشر" اس آند بي" الأشمل مكاسب تقدر بنسبة 67%، بينما قفز مؤشر ناسداك، الذي تسيطر عليه أسهم التكنولوجيا، بنسبة 88%. وعلى الرغم من تلك النتائج المبهرة، تقزمت تلك المكاسب أمام ما حققته بعض الأسهم الفردية، وكان أشهرها بالطبع سهم شركة تسلا لتصنيع السيارات الكهربائية، الذي ارتفع بنسبة تتجاوز 700%، وسهم دوكيوساين التي تسهل التوقيع الإلكتروني الذي ارتفع بنسبة 172%، وسهم شركة آبل عملاق تصنيع الحواسب الآلية والهواتف الذكية الذي حقق مكاسب تتجاوز 137%، وسهم زووم التي تسهل الاجتماعات من خلال خاصية الفيديو كونفرانس الذي قفز بنسبة 120%، خلال نفس الفترة من عام الجائحة!
وأثار الماراثون الرائع الذي قطعته الأسهم الأميركية دهشة الكثير من المحللين بسبب انفصاله عن الاقتصاد الحقيقي، الذي مازال حتى هذه اللحظة يعاني من التباطؤ، ويحرم ما يقرب من 15 مليون أميركي من الوظيفة، ويفرض على آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة معاناة كبيرة، أجبرت بعضها على التوقف عن العمل وإشهار الإفلاس خلال الشهور القليلة الماضية. لكن التحولات التي شهدها الاقتصاد منذ بداية الأزمة باتجاه شركات التكنولوجيا، وظهور أنواع جديدة من الخدمات والوظائف المرتبطة بها، كما التوسع في توفير الأمصال التي تساعد على الوقاية من الفيروس القاتل، تكاتفت جميعها لتساهم في تسجيل مستويات قياسية لمؤشرات الأسهم، حتى الأسبوع الأخير من العام.
وفي حين أشار بنك "جي بي مورغان"، أكبر بنك أميركي، إلى أن عام الجائحة شهد إضافة أكثر من عشرة ملايين حساب جديد لشراء الأسهم الأميركية، استحوذ تطبيق روبين هود الشهير على ما يقرب من ثلثيها وحده، أكد مايكل أرون، مسؤول استراتيجيات الاستثمار لدى شركة ستيت ستريت للاستشارات العالمية، أن "أهم ما كشفته الجائحة هو أن أسواق الأسهم لديها آلية تجعلها تتحرك وفقاً للرؤى المستقبلية. الأمر يتعلق بالتوقعات المرتبطة بتطور الأوضاع الحالية، وهو ما كان موجوداً دائماً في العقل الباطن للمستثمرين".
وأرجع البعض الفضل للبنك الفيدرالي ورئيسه جيرومي باول، الذي شمر عن سواعده وأعلن استعداده لمساعدة الشركات والأفراد داخل أميركا، كما البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى حول العالم، باستثناء روسيا والصين بالطبع، من خلال مضاعفة قيمة ميزانيته، وشراء سندات الخزانة والشركات فيما عرف بسياسة التيسير الكمي، بالإضافة إلى تخفيض معدلات الفائدة إلى مستويات صفرية وطباعة البنكنوت عند اللزوم. ويقول سام ستوفل، مسؤول الاستثمار بشركة CFRA، إحدى أكبر شركات أبحاث الاستثمار المستقلة في العالم، "كل شيء حدث بسرعة كبيرة، فقد هوينا من القمة إلى القاع في ثلاثة وثلاثين يوماً فقط، وهو ما يمثل ثلاثة أضعاف السرعة التي انهارت بها سوق الأسهم الأميركية في عام 1987. شهد التاسع عشر من فبراير/شباط أعلى مستوى لمؤشرات الأسهم، ثم خسرت السوق 34% خلال 33 يوماً، ليقول البنك الفيدرالي وقتها إنه سيقوم بعمل كل ما ينبغي عمله، ولترفض السوق معاندة البنك الفيدرالي، ليتم محو خسائر المؤشرات في الثامن عشر من أغسطس/آب، وهو ما جعله أسرع انتعاش في التاريخ، وليتم بعدها تسجيل أكثر من 19 مستوى قياسياً جديداً".
وتجاهلت الأسهم الأميركية تهديدات الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، الذي حذر في أكثر من مناسبة من انهيار سوق الأسهم في حالة خسارته للانتخابات، ليتوالى تسجيل المستويات القياسية بعد الإعلان عن فوز المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن، ولتؤكد أسواق الأسهم أنها أسرع في أغلب الأحوال من الاقتصاد الحقيقي.