وزير الاقتصاد اللبناني لـ"العربي الجديد": 3 طلبات لصندوق النقد أولها حماية المودعين
ينتظر وفد صندوق النقد الدولي، العائد إلى بيروت في نهاية الشهر الجاري، أجوبة حاسمة وواضحة من بيروت، خصوصاً على صعيد ثلاثة طلبات أساسية، وفق ما يكشف وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، في حوار شامل مع "العربي الجديد". الطلب الأول إعادة درس ملف المودعين لتأمين غطاء أكبر لهم ولحمايتهم، والثاني الإسراع في بتّ ملف الكابيتال كونترول، والثالث إقرار قانون الموازنة العامة لعام 2022.
في حين يعبّر سلام عن تخوّفه من فوضى كبيرة، ستكون المجاعة جزءاً منها، في حال لم يصل لبنان إلى اتفاق مع صندوق النقد، ولم تحصل الانتخابات النيابية، وإذا سحب المجتمع الدولي يده من لبنان ولم يعد مسانداً له.
ويطمئن وزير الاقتصاد بأن مخزون القمح يكفي لبنان لأكثر من شهر ونصف، لافتاً إلى أن أكثر الدول التي تجاوبت بسرعة هي الهند. وفيما يلي نص المقابلة:
- كيف هو وضع لبنان اليوم في ظلّ أزمة القمح العالمية؟
نحن منذ أن استلمنا مهامنا في وزارة الاقتصاد، لدينا هاجس الاحتياطي الإلزامي من مخزون القمح، خصوصاً في ظلّ عدم وجود إهراءات (صوامع) في لبنان (تدمرت في انفجار مرفأ بيروت)، وقد استلمت من الوزير السابق راؤول نعمة معلومات عن حاجة السوق إلى 50 ألف طن تقريباً من القمح في الشهر للاكتفاء المحلي. وعند وقوع الأزمة الروسية الأوكرانية، اتخذت كل المفاوضات التي كنا نسير بها بشكل دوري مع العديد من الدول الأولوية.
وفي السياق، كنا طلبنا من الأميركيين والهند ودول أوروبية المساعدة في إعادة بناء صوامع القمح ووضع مشروع لبناء صوامع أخرى في طرابلس شمالاً والبقاع، باعتبار أنه لا يمكن وضع المخزون كلّه في مكان واحد، ولا سيما أن التجربة التي مررنا بها أثبتت لنا الخطأ المرتكب وأن الاستراتيجية يجب أن تكون أكبر، وبالتالي فإننا كنا نعمل منذ 4 أشهر على تأمين المخازن وكميات إضافية من القمح، ووقتها طلبت مساعدات بنوع هبات لمساعدتنا على الحفاظ أيضاً على استقرار سعر ربطة الخبز.
وعندما حصلت الأزمة الروسية الأوكرانية أصبحنا أمام هاجس أكبر بعدما بتنا أمام أزمة عالمية، ولبنان يستورد القمح من أوكرانيا وروسيا معاً بنسبة 80 في المائة، خصوصاً ألا أفق للصراع الذي لا نعرف إلى أين هو ذاهب، وهل سنتمكن من الإتيان بالمادة من الدولتين من جديد أم لا؟
- كم شهراً يكفي البلاد من مخزون الحبوب الموجود حالياً؟
يمكن القول إن المخزون يكفي شهراً ونصف الشهر وحتى شهرين، وهذه المدة غير تلك التي أعلنت عنها مع بداية الأزمة، فقد وصلتنا سفن في إطار الطلبيات القديمة وكانت في البحر وقد أفرغت حمولتها، كما حرصت الوزارة على تسهيل أمور القطاع الخاص لإدخال من 30 إلى 40 ألف طن إلى لبنان غير التي تحدثت عنها قبل 3 أسابيع تقريباً، ومصرف لبنان تجاوب بسرعة ووقّع الاعتمادات.
وزودتنا المديرية العامة للحبوب والشمندر السكري بمعطيات موثقة بتقارير وأرقام تفيد بأن هناك اليوم 53 ألف طن من القمح تقريباً، وهناك 26 ألف طن تنتظر فتح الاعتمادات لتصل الكمية خلال أسبوع أو 10 أيام بالكثير، وهناك 50 ألف طن تأتي في إطار سلفة الخزينة التي أقرها مجلس الوزراء.
- إلى أي مدى وصلت المفاوضات لشراء القمح من الدول البديلة؟ وأين ستخزن الكميات التي يتفق عليها؟
هناك مفاوضات تجري مع الكثير من الدول، مثل الولايات المتحدة الأميركية وكازاخستان والهند التي كانت أكثر دولة تعاطت معنا بالسرعة المطلوبة، وأعطتنا خيار الشراء من الدولة مباشرة، لأن مؤسسة الأمن الغذائي في الهند هي الجهة التي نتعاطى معها بشكل مباشر.
من ناحية ثانية، تبحث الدولة اللبنانية عن مخازن لتخزين القمح، منها في البقاع، حيث إن مختبرات تابعة لوزارة الزراعة أظهرت أنها تتسع لكميات تصل إلى 200 ألف طن. وبحسب المعطيات الأولية، هي صالحة للتحزين، وكانت تستخدم سابقاً على هذا الصعيد، ولكننا طلبنا من لجنة فنية التوجه إلى المكان والتأكد من إمكانية التخزين فيها بشكل سليم بالكامل لفترة شهرين أو ثلاث أو حتى أربعة أشهر.
- كيف ستكون تداعيات استيراد القمح من الخارج على الأسعار لبنانياً، في ظل الغلاء العالمي الذي طاول المحروقات والشحن؟
صحيح أن تكاليف الشحن باتت مرتفعة، لكن بعد التواصل مع الأميركيين وبرنامج الأغذية العالمي، أخبرونا أن هذه الكميات التي نطلبها تكون موجودة في أماكن عدة، وليس بالضرورة في البلد الذي سنتفق معه. بمعنى أن لديهم مخزونا استراتيجيا يوزع عالمياً. وهناك قسم قد يكون موجودا في البحر وجهته الشرق الأوسط وينتظر مفاوضات الشراء للتحرك، وهو ما من شأنه أن لا يؤخر العملية أيضاً، وقد وصلتنا تطمينات بالتساهل مع لبنان على صعيد كلفة الشحن، لأننا لم نطلب فقط الشراء بل الدعم أيضاً والمساعدة، وسيعامل بالتالي بشكل خاص، نظراً للظروف الاقتصادية والمالية التي يمر بها ووضع خزينته العامة الصعب.
كذلك، طلبنا من البنك الدولي وضع برنامج على 6 أشهر للأمن الغذائي، وقد تجاوب معنا بسرعة ووافق على استخدام قسم من أموال مرصودة على مشاريع للبنان منذ سنوات لم تستثمر، وبالتالي تخصيص مبلغ لتغطية الحاجة من مواد غذائية من 4 إلى 6 أشهر، في حال تعثّر الدولة اللبنانية عن الدفع وتأمين التكاليف، خصوصاً في ظل ارتفاع الأسعار عالمياً على مختلف المستويات. وخلال شهر، سينفذ هذا البرنامج، ولكن نحتاج إلى موافقة من مجلس النواب لنقل الاعتماد من مشروع سابق كان مخصصا لدعم الأمن الغذائي.
- أين موقع لبنان في خضمّ الأزمة التي أصبحت عالمية وتخبط الخارج؟
أنا كنت من الوزراء الذين ناشدوا بالسرعة للوصول إلى حلول، وعندما تألفت الحكومة وضعنا 3 أهداف أساسية، الأول اقتصادي بامتياز ويتمثل في نجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتوصل إلى اتفاق معه، والثاني إخراج قطاع الكهرباء من الظلمة وإصلاحه، والثالث إجراء الانتخابات النيابية.
وكوني عضوا في لجنة المفاوضات مع صندوق النقد من الطرف اللبناني، يمكن أن أؤكد أننا لغاية اليوم ما زال المجتمع الدولي يعطي اهتماماً كبيراً للبنان، ويوصل رسائل إيجابية من خلال الصندوق، بأننا نريد إيصال لبنان إلى اتفاق مبدئي قبل الانتخابات، على أمل أن نمضي بعد الاستحقاق في الاتفاق النهائي ويبدأ برنامج الصندوق عمله.
وهذه الخطوة الوحيدة القادرة على إخراج لبنان من المأزق الاقتصادي، خصوصاً أن المجتمع الدولي مضطرب اليوم واقتصادات العالم تَعِبَت، بما فيها دول أساسية داعمة للبنان ومؤثرة جداً في هذا الإطار، منها ألمانيا وفرنسا ودول أخرى مانحة. وبالتالي، فإننا اليوم أمام تحد كبير، وأكبر عدو لنا هو الوقت، وكل يوم يمرّ تنزل درجة لبنان كأولوية على الصعيد العالمي.
في المقابل، وبتواصلي مع سفراء العديد من الدول، شعرت بتحذير جدي، إما بحل أمورنا خلال الشهرين المقبلين وتلقف الجو الإيجابي من المجتمع الدولي، وإلا إذا حصل تأخير أو تخاذل ولم يؤت نتائج جدية، فإن أولويته ستكون روسيا وأوكرانيا وأوروبا التي باتت اليوم تعيش هي الأخرى خوف الأمن الغذائي وتأمين أهلها واقتصادها واكتفائها الذاتي، وبالتالي فلبنان لن يبقى أولوية، من دون أن ننسى أنه ليس بمكان سليم من منطلق الدعم العربي والخليجي الذي كنا نعوّل عليه إذا لم نحصل على دعم أوروبي، إذاً بغياب الاثنين سنترك لحالنا.
تبعاً لذلك، فإن التخوف جدي، ولكن كلي أمل خلال الأشهر المتبقية من عمر الحكومة أن ننجز المرحلة الأولى أو نضع القطار على السكة في موضوع صندوق النقد، والوفد سيأتي إلى لبنان نهاية الشهر وينتظر إجابات واضحة وحاسمة بنعم أو بلا، بموضوع الاتفاق المبدئي.
- ما هي طلبات صندوق النقد الدولي من لبنان؟
الطلب الأول إعادة درس ملف المودعين لتأمين غطاء أكبر لهم وحماية تطاول، أقله نسبة 90 في المائة منهم، فوفد الصندوق لم يكن على اقتناع بالإطار الذي وُضِعَ لحماية المودعين، وهذا الموضوع يجري البحث فيه والعمل عليه، وسيعلن عن تفاصيله خلال هذا الأسبوع نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي.
الطلب الثاني، الإسراع في بتِّ ملف الكابيتال كونترول، فهذا القانون هو الوحيد الذي يضع إطاراً عملياً واقعياً بين المصارف والمودعين والدولة، وهو يقف اليوم في مجلس النواب.
أما الطلب الثالث فهو في غاية الأهمية، ويتمثل في إقرار قانون الموازنة العامة لعام 2022.
ونحن كوزارة اقتصاد، عملنا على إقرار قانون المنافسة الذي كان مطلباً للصندوق، لأنه إصلاحي بامتياز للاقتصاد اللبناني ومهم جداً في مرحلة، ليس فقط التعافي، بل الإنماء الاقتصادي، إذ أن الصندوق يعتبر أنه لا يكفي حل مشاكل الماضي، بل علينا أيضاً إظهار معطيات اقتصادية من ناحية النمو والناتج المحلي الإجمالي، لتترجم بالتالي في قوانين من شأنها إصلاح السوق والأسعار.
- ماذا عن تداعيات الاجتياح الروسي لأوكرانيا على اقتصاد لبنان والنقاط الأكثر تأثراً؟
التداعيات ستظهر في الأشهر المقبلة، ربما بعد 3 أو 4 أو 6 أشهر، وقد صدرت تقارير من كبرى مصارف العالم والشركات الجيواقتصادية تؤكد أننا لن نشعر اليوم بالتأثيرات، سواء في الشرق الأوسط أو أوروبا، بل لاحقاً، فلبنان مثلاً لديه اليوم الكفاية من القمح، وقد نتأثر بالأسعار إذا أتينا به من دول أخرى، ولكن بعد مرور شهرين مثلاً ولم نتمكن من الاستيراد من أوكرانيا أو روسيا علينا الانفتاح أكثر على الأسواق الجديدة، يعني أسعاراً مختلفة، وبالتالي انعكاسات صعبة على لبنان، الذي يختلف عن غيره من البلدان، نسبة إلى الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها وحالة الانهيار في قدرته الشرائية.
تبعاً لذلك، ومع ارتفاع أسعار المحروقات والمشتقات النفطية، سنكون أمام فترة صعبة جداً.
وقد بدأ المستوردون والتجار العالميون ينبهوننا إلى أنه يجب أن يكون لدينا خطط بديلة لتلقف النتائج التي ستبدأ بالضغط على السوق في الأشهر المقبلة، وقد ارتفعت الأسعار من 40 إلى 80 في المائة في الكثير من المواد الغذائية، وهو مسار سيستمر، سواء ارتفع أو انخفض سعر صرف الدولار على الصعيد اللبناني.
- هل تتخوفون من اتساع رقعة السوق السوداء والتي يحذّر منها على جميع الأصعدة؟
إن ظاهرة البوليس والحرامي التي نتبعها مؤسفة جداً، فنحن نقوم بالمداهمات المطلوبة للجم التخزين والاحتكار، ووضع حد لجشع الكثير من التجار الذين يطمحون إلى تحقيق أرباح طائلة، ونحن نضطر للجوء إلى التصعيد، خصوصاً أن الدولة تعاني من صعوبة على صعيد الرقابة، وقد اتخذت قرارات استثنائية في هذا الإطار، وطلبت من القضاء الوقوف إلى جانبينا لتنفيذ محاضر الضبط والإسراع فيها، وهذا ما قمت به أيضاً للجم أصحاب المولدات الذين اعتادوا على هامش ربح 30 و40 بالمائة، وما عادت الـ10 في المائة تكفيهم، إذ يعملون على رفع الأسعار وتخطي تسعيرة وزارة الطاقة العادلة، ومنهم من يقوم بطرق تدفع إلى إجبار الناس على الدفع بالدولار النقدي.
تبعاً لذلك، نحن نقوم بكل ما أمكن لتفعيل والتشديد في المراقبة، ولكن الحل ليس بلعبة البوليس والحرامي، بل بحلول مستدامة من خلال قوانين وتشريعات صحيحة، كقانون المنافسة الذي أقر، وضرورة تطوير وتعديل وتحسين قانون حماية المستهلك، وعبر استقرار المصارف والتوازن الاقتصادي ووجود سعر صرف مقبول.
- أين لبنان من المجاعة التي خرجت تحذيرات أممية فيها، خصوصاً للدول الهشة؟
أنا كوزير مسؤول متخوف جداً من المجاعة، وأكثر من ذلك، من فوضى كبيرة جداً وتدهور أمني. والمسألة ليست مزحة، ولا يجب أن نضحك على بعض، فهذا ما سنصل إليه في حال، ليس فقط لم تجرَ الانتخابات النيابية، بل أيضاً إذا لم نتفق مع صندوق النقد الدولي، وفي حال سحب المجتمع الدولي يده من لبنان.
- هل سيصار إلى هدم اهراءات (صوامع) مرفأ بيروت، في ظلّ اعتراض أهالي ضحايا الانفجار؟
أصبح من الثابت أن الاهراءات تشكل خطورة على السلامة العامة ويفضل هدمها، وكذلك فإن هذه العملية لن تؤثر على مجرى التحقيقات التي يقوم بها المحقق العدلي القاضي طارق البيطار وهو ما أكده لنا، وأنا حريص على العمل بموجب كل الأطر القانونية، ولكن حتى اليوم لم يحدد تاريخ لهدم الاهراءات وهذه الخطوة سيقابلها تخليد للذكرى الأليمة.
- إلى أي مدى ستتسع رقعة التعامل اللبناني التركي الاقتصادي، في ظل الحركة المكثفة بين البلدين؟
تركيا فتحت أبوابها للبنان في ظل الأزمة التي يمرّ بها والعلاقات المضطربة في أماكن معينة مع بعض الدول، وهي أكدت لنا تقديم الدعم الكامل، وستكون لي زيارة جديدة قريباً إلى تركيا، التي أعطتنا تطمينات بالدعم اقتصادياً وعلى صعيد المشاريع، خصوصاً الإنمائية والزراعية والبنى التحتية، وعلى صعيد مرفأ بيروت أيضاً، كما أبدت الشركات التركية، سواء في القطاع العام أو الخاص، استعدادها للتعامل مع لبنان.