خلال الأيام الماضية صدرت عدة إشارات تشي بأنّ العالم بات على موعد مع مجاعة لم تحدث منذ سنوات، وأنّ هذه المجاعة ستمتد لبعض الدول العربية، وذلك على خلفية الارتفاع الحاد لأسعار الغذاء، والاضطرابات الكبيرة لسلاسل الإمدادات الزراعية والتوريد والشحنات، والاضطرابات في أسعار السلع، وتعطل حركة الملاحة في بحر آزوف الذي يجرى من خلاله تصدير جزء من القمح الروسي، الذي يغذي العديد من الأسواق العالمية بما فيها أسواق عربية كبرى مستهلكة للأغذية.
من بين تلك الإشارات توقع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" زيادة في سعر الغذاء تصل إلى نحو 20% خلال العام الجاري، وهذا تقدير متفائل، إذ إنّ أسعار القمح زادت بنسبة تفوق 60% خلال الفترة الأخيرة، وهو ما سبب القلق لدى عدد من حكومات الدول المستوردة للحبوب ومنها دول عربية.
أسعار القمح زادت بنسبة تفوق 60% خلال الفترة الأخيرة، وهو ما سبب القلق لدى حكومات الدول المستوردة للحبوب ومنها دول عربية
كما صدر تحذير أممي من برنامج الغذاء العالمي من أن الصراع في أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ما سيكون له تأثير فادح على سكان الدول الفقيرة مثل اليمن والسودان والصومال وسورية وغيرها، وأنّ ذلك يعرض المزيد من الناس في جميع أنحاء العالم لخطر المجاعة.
بل إن رئيس البرنامج، ديفيد بيسلي، قال إنّ الوضع سيكون شديد الفداحة وكأنّه "الجحيم على الأرض"، خصوصاً أنّ عدد الأشخاص على حافة المجاعة قفز إلى 44 مليوناً مقابل 27 مليوناً في العام 2019.
من بين الإشارات أيضاً غموض الإمدادات الغذائية من أكبر دولتين منتجتين للغذاء في العالم، روسيا وأوكرانيا، وهو ما أدى إلى حدوث قفزات في أسعار القمح والشعير والزيوت وفول الصويا ودوار الشمس والذرة، وارتفاعها إلى مستويات غير مسبوقة.
كما لا تزال قدرة روسيا على تصدير المحاصيل والحبوب غير واضحة بسبب العقوبات الغربية التي ستؤثر على المزارعين الروسيين وتؤدي إلى انخفاض إنتاج الحبوب. علما بأن صادرات القمح الروسي تراجعت أصلا بنسبة 45.4 بالمئة منذ بداية موسم التسويق 2021-2022 في أول شهر يوليو/ تموز الماضي بسبب قلة المحصول.
لا تزال قدرة روسيا على تصدير المحاصيل والحبوب غير واضحة بسبب العقوبات الغربية التي ستؤثر على المزارعين الروسيين
ولا يزال الغموض يكتنف إنتاج أوكرانيا من الحبوب مع استمرار الغزو الروسي وتخوف المزارعين على حياتهم، مع الإشارة هنا إلى أن روسيا وأوكرانيا، اللتين تصنفان أنهما "سلة خبز أوروبا والعالم" وتصدران نحو ربع إنتاج القمح العالمي، تواجهان مشاكل في إنتاج الحبوب والمحاصيل وفي مقدمتها القمح والشعير، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار في العالم وزيادة التضخم.
من بين الإشارات المقلقة أيضا توسع دائرة الدول في وضع قيود على صادراتها الزراعية، فقد حظرت العديد من دول العالم تصدير العديد من المنتجات الزراعية والغذائية، وفرضت قيوداً على تصدير المواد الغذائية، في محاولة منها لوقف الغلاء داخل أسواقها.
وهو ما دفع مجموعة الدول السبع الصناعية إلى الخروج بدعوة دول العالم إلى عدم تقييد صادراتها الغذائية بسبب الحرب في أوكرانيا، وإبقاء أسواقها الغذائية والزراعية مفتوحة واتخاذ الاحتياطات ضد فرض قيود غير مبررة على الصادرات.
كما أوقفت أوكرانيا، وهي منتج عالمي رئيسي للمنتجات الزراعية، تصدير العديد من السلع الزراعية، وعلقت صادرات الملح والسكر واللحوم والماشية.
وحظرت أوكرانيا تصدير الأسمدة أيضاً، كما حظرت تصدير سلع زراعية أخرى، وألزمت الحكومة التجار بالحصول على تراخيص لتصدير سلع، منها القمح والذرة وزيت دوار الشمس والدواجن والبيض.
لم تكتفِ بذلك، بل أعلنت تعليق صادراتها من الأسمدة، وذلك للحفاظ على توازن المخزونات المحلية. وتعد أوكرانيا من كبار مصدري اليوريا في الأسواق العالمية.
حظرت مصر مؤخراً تصدير 5 سلع غذائية، هي القمح والدقيق والعدس والفول الحصى والمدشوش والمكرونة، في محاولة للمحافظة على احتياطيات الغذاء
وحظرت مصر مؤخراً تصدير 5 سلع غذائية، هي القمح والدقيق بجميع أنواعه والعدس والفول الحصى والمدشوش والمكرونة، في محاولة للمحافظة على احتياطيات الغذاء في أكبر دولة مستوردة للقمح والزيوت في العالم، وكذا قررت وقف تصدير الزيوت بكافة أنواعها والفريك والذرة.
وشددت إندونيسيا أيضاً قيود التصدير على زيت النخيل، وهو أحد مكونات زيت الطهي وكذلك يستخدم في مستحضرات التجميل وبعض السلع المعبأة مثل الشوكولاتة. وحظرت الجزائر تصدير مواد غذائية من بينها السكر والزيت ومشتقات القمح والعجائن والسميد.
العالم بات على موعد مع أزمة غذاء قد تفوق في حدتها ما حدث في العام 2008، وهو ما يعيدنا للتذكير مجددا بقضية الأمن الغذائي العربي وضرورة تأمين الغذاء من مصادر داخلية لا الاعتماد فقط على الاستيراد، في ظلّ توقعات بتكرار أزمات غذائية أخرى في المستقبل، واستنزاف نحو 100 مليار دولار كلفة واردات الأغذية سنوياً من قبل دول المنطقة.