هل أفل نجم بيتكوين وأخواتها من العملات الرقمية؟

30 مايو 2022
بيتكوين أشهر عملة رقمية تفقد 50% من قيمتها (Geety)
+ الخط -

لطالما حذرتُ من الاقتراب من العملات الرقمية والاستثمار في كلّ أنواعها سواء المشهورة مثل بيتكوين، أو الحديثة نسبياً والتي تسابق الهواة والشركات على اختراعها وتعدينها أملاً في جذب مستثمرين طامعين إلى الشراء السريع.

ولطالما حذرتُ من المخاطر الشديدة لتلك العملات التي لا أصول لها، ولا تعترف بها البنوك المركزية والجهات الرقابية، واحتمال ضياع أموال المضاربين بها قائم، إضافة إلى إصابة الملايين من صغار المدخرين بخيبة أمل قوية بعد تكبد خسائر فادحة خاصة هؤلاء الذين لا يمتلكون دراية كافية بطبيعة وطريقة عمل الأصول المشفرة.

أصاب الملايين من صغار المدخرين خيبة أمل قوية بعد تكبد خسائر فادحة خاصة هؤلاء الذين لا يمتلكون دراية كافية بطبيعة الأصول المشفرة

وحتى مع قيام "مالتي مليونيرات" معروفين ورجال أعمال كبار بالاستثمار بها، مثل إيلون ماسك رئيس شركة تيسلا، وجاك دورسي المؤسس المشارك لموقع التدوينات المصغرة تويتر، ونجيب بوكيلة رئيس السلفادور، وغيرهم، قلتُ وقتها إنّ هؤلاء يضاربون في تلك العملات للحصول على أرباح وعوائد سريعة، وإنّهم لم يضخوا مليارات الدولارات للبقاء والاستثمار في تلك العملات على المدى المتوسط والبعيد.

وعندما كانت أسعار العملات الرقمية تقفز بشدة وتتضخم قيمتها خلال العامين الماضيين كانت التحذيرات تشتد. وزادت تلك التحذيرات مع تلاعب الحيتان وقناصي الصفقات بتلك السوق عبر شنّ عمليات استثمار خاطفة لتضخيم قيمة هذه الأصول الرقمية المتقلبة للغاية والخروج بسرعة مع تحقيق مكاسب ضخمة.

وحدث ما توقعه الكثيرون حين تهاوت العملات الرقمية وتزعزعت ثقة المستثمرين بها لتخسر أكثر من 1.6 تريليون دولار من قيمتها السوقية منذ وصولها إلى أعلى مستوياتها التاريخية في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وهوت عملة بيتكوين الأشهر عالمياً بنحو 56% خلال ستة أشهر، منها 25% خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي. وسارع المستثمرون للتخلص منها والهروب إلى العملات التقليدية مثل الدولار واليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني. وفقدت "إيثيريوم"، ثاني أشهر عملة رقمية، نحو 38% من قيمتها الشهر الماضي.

هوت بيتكوين الأشهر عالمياً بنحو 56% خلال ستة أشهر، منها 25% خلال إبريل. وسارع مستثمرون للتخلص منها والهروب إلى العملات التقليدية

وامتد التهاوي والتقلب وحالة عدم الاستقرار إلى العملات المشفرة الأخرى، ومنها "تيرا" و"تيذر"، والتي صممت أصلاً بهدف تجنب التقلبات العنيفة في أسعارها عبر إدارة خوارزمية.

بل وجدنا عملات أخرى تتهاوى تماماً، مثل "لونا" التي بلغت قيمتها السوقية 40 مليار دولار، فقد وجدنا سعرها ينهار من 120 دولاراً إلى صفر خلال شهر مايو/ أيار الجاري.

وخسر براين أرمسترونغ، مؤسس موقع كوين بيس غلوبال، 11.4 مليار دولار من ثروته في غضون شهور قليلة بسبب تهاوي قيمة استثماراته في العملات الرقمية.

ولم تقتصر الخسائر على المستثمرين، بل امتدت إلى الشركات، إذ هوت أسهم "كوين بيس"، أكبر بورصة عملات مشفّرة في الولايات المتحدة، بأكثر من 78% منذ طرحها في شهر إبريل الماضي.

وعلى الرغم من زيادة المخاطر الجيوسياسية حول العالم بسبب حرب أوكرانيا والموجة التضخمية العنيفة، فإنّ العملات الرقمية فقدت بريقها، ولم تعد محط أنظار أصحاب الأموال بعدما هجرها كبار المضاربين حول العالم.

إزاء هذا التهاوي بدت مواقف الدول والبنوك المركزية والمؤسسات المالية متناقضة تجاه تلك العملات، روسيا مثلاً أعلنت أنها تدرس السماح باستخدام العملات المشفرة في المدفوعات الدولية، في إطار التغلب على العقوبات الغربية. كما تستعد الهند لإطلاق الروبية الرقمية.

نظرية مؤامرة تقول إنّ صناديق استثمار أميركية كبيرة خططت للانهيار الحالي في العملات المشفرة لكي تشتريها بعد ذلك بأسعار بخس

والأهم هو اعلان الولايات المتحدة أكثر من مرة عن التوجه لاصدار الدولار الرقمي، وهي الخطوة التي ستكون الأهم في عالم النقود والمال وتمثل تطوراً مهماً في عالم المدفوعات الإليكترونية والنظام النقدي الدولي.

في المقابل، تراجع البنك المركزي في تشيلي عن قرار إصدار عملة رقمية، وحذر البنك المركزي الأوروبي قبل أسبوع من مخاطر العملات المشفرة على الاستقرار المالي، خاصة أنّه ليس لديها أي أساس تستند إليه، بل أكد البنك على أنّ ظروف السوق الحالية وحجم الأصول المشفرة تظل مشابهة في الحجم لأزمة الرهن العقاري التي دفعت العالم لأزمة مالية في عامي 2007 و2008.

وبغض النظر عن المواقف المتناقضة ونظرية المؤامرة التي تقول إنّ صناديق استثمار أميركية كبيرة خططت للانهيار الحالي في العملات المشفرة لكي تشتريها بعد ذلك بأسعار بخسة، إلّا أنّنا أمام واقع يقول إنّ الأموال تتبخر بسرعة من بورصات العملات المشفرة، التي صنعت مليارديرات كبار، وإنّ الثقة بها تتآكل يوماً بعد يوم.

فهل أفل نجم العملات الرقمية بسرعة، وهي تلك العملات التي راهن مستثمرون كبار وحتى دول بأن تكون عملة المستقبل، أم أنّ هذه غفوة ما قبل انطلاقة جديدة قد تقفز بحاجز عملة بيتكوين إلى ما بين 150 و500 ألف دولار خلال فترة زمنية ما بين 3 و6 سنوات، على أن تختفي بعد ذلك كما قال ميخائيل ماليشيف رئيس صندوق التحوط الشهير Teza Technologies؟

المساهمون