لجأ السوري منصور د. مع والدته وشقيقته إلى الأردن منذ أكثر من 10 سنوات، بحثاً عن الأمن والأمان والحياة الكريمة، هرباً من وطن فقد فيه أبسط مقوّمات العيش، لكنهم بدأوا يعانون بشدة من نقص الموارد المالية بسبب تراجع الدعم الذي يتلقونه من مفوضية اللاجئين ومنظمات الإغاثة الدولية.
وإزاء تردّي الوضع المعيشي في المخيّم الذي يقطن فيه، يقول لـ"العربي الجديد" إنه يحاول جاهداً تغطية نفقات عائلته من خلال العمل اليومي، إن وُجد، في أعمال الصيانة والتمديدات الكهربائية، لكنه بدأ يفكر جدياً في طلب اللجوء إلى الولايات المتحدة بمساعدة صديق بحثاً عن مكان ينقذه وأسرته من شظف العيش هنا.
ولم يُغن عن هذه العائلة شيئاً تجديد "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين" تحذيراتها من تراجع الدعم الدولي لمختلف الجنسيات، خاصة السوريين المقيمين في الأردن والبلدان الأُخرى المضيفة لهم. وقالت في أحدث تقاريرها إنها تعمل مع حكومة الأردن وشركاء آخرين من أجل ضمان وصول اللاجئين إلى الخدمات وشمولهم كأعضاء مساهمين في المجتمع والاقتصاد الأردنيين.
المفوضية أشارت إلى أنها وقعت والعديد من المؤسسات التعليمية المرموقة في مختلف أنحاء الأردن في الآونة الأخيرة اتفاقيات لخفض الرسوم الدراسية للاجئين من جميع الجنسيات، ومعاملتهم وفق نظام القبول الموازي للطالب الأردني، إذ إن الإنجازات التي تحققت على مرّ السنين تحتاج إلى دعم مستمر من مجتمع المانحين.
عدد اللاجئين السوريين المقيمين يناهز 1.3 مليون شخص
لكن الأزمة التي لا تزال قائمة ومرشحة للتفاقم على ضوء تعثر الاقتصاد العالمي واقتصادات كبرى لطالما كانت تتصدّى لملفات الدعم الإنساني، تجعل من نداءات الاستغاثة عقيمة حتى اللحظة، وهذا ما دفع بممثل المفوضية في الأردن دومينيك بارتش إلى التحذير من خطورة نقص التمويل الحالي للاستجابة لأزمة اللاجئين، بقوله إنه يقوّض الإنجازات الكبيرة المحققة على مدى عقد من الزمان، مشيراً إلى قلق متزايد من أن قدرة الحكومة الأردنية على شمول اللاجئين بالخدمات الصحية والتعليمية قد تتأثر سلباً بشكل كبير.
ويأتي هذا التحذير بعدما كانت السنوات السابقة تتميز بوجود دعم مستدامٍ مكّن اللاجئين السوريين من دخول سوق العمل، لكن الخطر المتقارب الآن، ينطلق من أن وضعهم، بوصفه أزمة إنسانية، قد تُنتج تبعات خطرة، سواء على اللاجئين أنفسهم أو على المجتمعات المضيفة لهم على أراضيها.
ومع دق ناقوس الخطر من "قنبلة" أزمة اللاجئين هذه وخطورة انفجارها في المجتمع الأردني، يقول النائب في البرلمان موسى هنطش لـ"العربي الجديد" إن "المجتمع الدولي تراجع كثيراً في عملية دعم اللاجئين السوريين والدول المضيفة، ومن المرجح أن نشهد مآسي إنسانية قريباً بسبب عجز اللاجئين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية، خاصة الرعاية الصحية والطعام وتأمين المساكن".
ولفت إلى أن الأردن يعاني بسبب تراجع المساعدات الدولية وضعف الاستجابة لخطة التعامل مع أزمة اللاجئين، الأمر الذي يتطلب، برأيه، تدخلاً أممياً لمعالجة المشكلة والحيلولة دون وقوع كارثة إنسانية يتحمل العالم بأكمله مسؤوليتها.
وقد أتت الإعلانات الأخيرة من "برنامج الأغذية العالمي" بتقليل المعونات الغذائية الشهرية التي يتلقاها كل لاجئ في مخيمات اللاجئين في الأردن، من 23 ديناراً إلى 15 ديناراً، أو ما يعادل 32 و21 دولاراً على التوالي، بعد عدة تخفيضات أخرى للمساعدات في الشهور الأخيرة. (الدينار = 1.41 دولار أميركي).
عملياً، أوقفت منظمات غير حكومية عدة في الآونة الأخيرة تقديم الخدمات الصحية في مخيّمَي "الزعتري" و"الأزرق"، وهو ما سيؤدي إلى نقص حاد في الخدمات الصحية وجودة ما تبقى منها، بحسب المفوضية التي قالت إنه بسبب نقص التمويل فإن عشرات آلاف اللاجئين المستضعفين تم استثناؤهم تدريجاً من مساعدات "برنامج الأغذية" لإعطاء الأولوية للعائلات الأشد فقراً.
ولفت التقرير إلى أنه بعد مرور أكثر من 12 عاماً على الأزمة السورية، يواصل الشعب الأردني إظهار مستوى متميّز من التعاطف مع اللاجئين وشمولهم في قطاعي الصحة والتعليم، وفقاً للمفوضية التي لاحظت أنه "لا يزال تعاطف الأردنيين تجاه اللاجئين ثابتاً عند مستوى عالٍ للغاية على مدى عقد من الزمن منذ بداية الأزمة السورية، إذ أعرب 96% من المشاركين عن تعاطفهم مع اللاجئين مقارنة بنسبة 95% في النسخة السابقة من الاستطلاع الذي أقيم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وبمستويات مماثلة في الإصدارات السابقة من استطلاع تصوّرات المجتمع المضيف للاجئين".
كذلك أعرب 78% من الأردنيين عن دعمهم المستمر لشمول اللاجئين في المجتمع المحلي والأنظمة الوطنية مثل التعليم والصحة كما ورد في "اتفاق الأردن" عام 2016، بينما أكد نحو 89% من المشاركين في هذه الدراسة أنهم يعتقدون بأنه يوجد تناغم بين المجتمع المحلي واللاجئين.
وفي سياق مقترحات تدارك مفاقمة أوضاع اللاجئين وتلافي اتخاذهم خيار "الهجرة" إلى الخارج، لا سيما باتجاه الدول الأوروبية، قال ممثل المفوضية في الأردن دومينيك بارتشن إنه "قد يترتب على المجتمع الدولي ضخ المزيد من ملايين الدولارات لتهيئة المخيمات وزيادة قدرتها الاستيعابية مقارنة مع تكاليف أكبر لتقديم مساعدات إنسانية وأساسية مستدامة".
سينخفض عدد من يتلقون مساعدات إلى 410 آلاف في سبتمبر
ومن أحد الآثار التي حذر منها لنقص المساعدات، هو أنه قد يدفع اللاجئين إلى سلوك طرق غير قانونية نحو أوروبا، في وقت تشعر مفوضية شؤون اللاجئين بقلق بشأن حمايتهم بعد مغادرتهم الأردن، حيث يتعرّضون للاستغلال وسوء المعاملة والموت، مذكّراً بحوادث الغرق المتكررة في عرض البحر الأبيض المتوسط وعلى سواحل بعض الدول الأوروبية.
وأجبر نقص التمويل "برنامج الأغذية" في الأردن على تقليص مساعداته الغذائية الشهرية بشكل كبير لقرابة 465 ألف لاجئ معظمهم من السوريين. وفي أحدث تقاريره الشهرية عن يوليو/ تموز الفائت، سينخفض العدد الإجمالي للاجئين الذين يتلقون مساعدات مجدداً بنسبة 12% تقريباً إلى 410 آلاف مستفيد بحلول سبتمبر/ أيلول المقبل.
ويستضيف الأردن ثاني أعلى نسبة لاجئين في العالم بالنسبة لعدد السكان، وعددهم قرابة 660 ألف لاجئ سوري و80 ألف لاجئ من دول أُخرى، بحسب إحصاء مفوضية شؤون اللاجئين بنهاية يوليو الماضي، مما يضيف عبئاً غير مسبوق على ميزانية الأردن وموارده الطبيعية وبنيته التحتية وسوق العمل فيه. وهذه الأرقام تشمل اللاجئين المسجلين في المفوضية، بينما تشير تقديرات الجهات الحكومية إلى أن إجمالي عدد اللاجئين السوريين المقيمين حالياً يناهز 1.3 مليون شخص.