نصف سكان غزة بلا مصدر دخل: تداعيات كارثية

04 ابريل 2023
البطالة تنعكس سلبا على أسواق غزة (عبد الحكيم أبو رياش/العربي الجديد)
+ الخط -

ترتفع معدلات البطالة بشكلٍ متواصل في صفوف سكان قطاع غزة المحاصر إسرائيليًا للعام السادس عشر على التوالي، دون وجود أفق بانتهاء هذا الحصار أو انخفاض المؤشرات الاقتصادية الكارثية التي أسفرت عنه، وتركت آثارًا واضحة على المستويين المعيشي والاجتماعي في صفوف 2.3 مليون نسمة.

وحسب بيانات الاتحاد العام لعمال فلسطين في غزة، فإن أكثر من نصف سكان غزة بلا مصدر دخل يومي نتيجة لنسبة البطالة التي تتجاوز 50% من سكان القطاع؛ وهو ما يعني أن قرابة مليون نسمة لا يوجد أي دخل ثابت لهم يسمح بتوفير الاحتياجات الأساسية.

وبالتوازي مع هذه البيانات، فإن نسبة انعدام الأمن الغذائي ارتفعت بشكلٍ ملموس في صفوف السكان، إذ يعتمد قرابة 1.5 مليون نسمة على المساعدات التي تقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" والمؤسسات الإغاثية الأخرى العاملة في القطاع.

في الوقت ذاته، فقد بلغت معدلات الفقر في القطاع نحو 64%، بينما وصلت معدلات انعدام الأمن الغذائي إلى 70%، كما بلغت معدلات البطالة في صفوف الشباب لأكثر من 60% وفي صفوف الإناث لقرابة 80%.

وباتت المساعدات المالية الدولية والمنح الخارجية مثل المنحة القطرية هي السبيل الوحيد للكثير من هذه الأسر في توفير احتياجاتها الأساسية، في ضوء غياب فرص العمل وشحها من السوق المحلي وانسداد الأفق في السوق الخارجي أو حتى داخل الأراضي المحتلة عام 1948 بسبب القيود الأمنية المفروضة على القطاع.

وينعكس غياب مصادر دخل يومي ثابت وأجور منتظمة لدى سكان القطاع بالسلب على الحالة الاقتصادية، ما يسهم في جعل عجلة الاقتصاد تدور في دائرة ضيقة مغلقة مرتبطة فقط برواتب الموظفين التي لا تصرف كاملة إلى جانب المنحة القطرية ورواتب موظفي أونروا.

وأدى ارتفاع معدلات البطالة إلى إغلاق عشرات المنشآت التجارية والاقتصادية في ظل تراجع القوة الشرائية وضعفها واضطرار الكثير من هذه المنشآت للعمل بنسب محدودة من طاقتها الإنتاجية وقدرتها الاقتصادية على البيع كنتيجة لشح السيولة النقدية المتوفرة.

وفي هذا الإطار، يؤكد رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في غزة، سامي العمصي أنّ ارتفاع نسبة البطالة لأكثر من 50% في صفوف السكان يجعل نصفهم بلا مصدر دخل يومي ثابت في ظل انخفاض متوسط الأجور بشكلٍ عام في القطاع نتيجة لغياب قانون الحد الأدنى.

ويقول العمصي لـ"العربي الجديد" إن التداعيات الاقتصادية المترتبة على عدم وجود مصدر دخل يومي في ظل ارتفاع نسبة الباحثين عن فرص عمل كارثية، حيث بات عشرات الآلاف من أرباب الأسر يبحثون عن المساعدات الإغاثية لتوفير احتياجات عوائلهم.

وحسب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، فإن نسبة العمال العاطلين عن العمل تتجاوز ربع مليون عامل، فيما يقدر عدد الباحثين عن العمل نحو 120 ألف شخص وهو رقم يشهد زيادة سنوية مطّردة أمام حالة الزيادة السكانية المتسارعة في القطاع.

ووفق العمصي، فإن سماح الاحتلال لقرابة 14 ألف شخص بالعمل داخل الأراضي المحتلة لم يخفف من أعداد السكان الذين لا مصدر دخل يومي لهم، لاسيما وأنه لم يلتزم برفع هذا العدد إلى 30 ألفاً كما تم الاتفاق عليه، في حين أن أعداد المسجلين وطالبي العمل داخل الأراضي المحتلة وصلت إلى 120 ألف شخص.

ويلفت إلى أن المشكلة لا تقتصر فقط على عدم وجود مصدر دخل لنصف سكان القطاع، بل تمتد لكون متوسط الأجور اليومية المطبق غير كافٍ ولا يتلاءم مع احتياجات الأسر، إذ يبلغ متوسط الأجور 10 دولارات أميركية في أفضل الأحوال بإجمالي أيام عمل يصل إلى 20 يوماً، وهو ما يعني أن إجمالي المبلغ الذي يتحصل عليه العامل لا يتجاوز 600 إلى 700 شيكل فيما يعمل بعض العمال بأجور تتراوح ما بين 2 إلى 3 شواكل في الساعة. (الدولار=3.60 شواكل إسرائيلية)

ينعكس غياب مصادر دخل يومي ثابت وأجور منتظمة لدى سكان القطاع بالسلب على الحالة الاقتصادية


وحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن أعداد سكان القطاع كانت عام 2006 مع بداية فرض الحصار الإسرائيلي بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية 1.3 مليون نسمة، فيما وصلت الأعداد اليوم لأكثر من 2.3 مليون نسمة وسط توقعات بأن تصل أعداد السكان لأكثر من 3 ملايين نسمة بحلول 2030.

من جهته، يقول الصحافي الاقتصادي أحمد أبو قمر، إن التداعيات المترتبة على كون أكثر من نصف سكان القطاع بلا مصدر دخل كارثية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي وعلى صعيد ارتفاع نسب البطالة في صفوف الشباب بشكل كبير ومتزايد.

ويوضح أبو قمر لـ"العربي الجديد" أن ما يحصل هو نتاج للحصار الإسرائيلي المفروض منذ عام 2006 والسياسات الممنهجة القائمة على إعدام فرص العمل وتقليلها وإغلاق الكثير من المصانع بشكل مباشر من خلال استهدافها أو عدم إدخال المواد الخام الخاصة بهم.

وهذه السياسات أسهمت في جعل القطاع سوقًا استهلاكياً لا تتوفر فيه المهن والصناعات بشكل كبير التي لا تدر عائدًا مالياً على الاقتصاد ولا تسهم في تحسين مستوى الناتج المحلي الاقتصادي في غزة، وفق أبو قمر الذي يشير كذلك إلى أنّ هناك عجزا كبيرا في الميزان التجاري كنتيجة واضحة لما يجري نظرًا لعدم وجود أيدي عاملة ومصانع تعمل على تشغيل هذه العمالة.

ويربط الصحافي الاقتصادي بين توفير حلول خلاقة تعمل عليها الجهات الحكومية في غزة وبين أي حديث عن تغيير في الواقع، من خلال تقليل الاستيراد من الخارج وتعزيز الصناعات المحلية بطريقة تسهم في تشغيل عدد كبير من الأيدي المتعطلة عن العمل.