لم تكشف حكومة هشام المشيشي، عن خطتها لتعبئة موارد خارجية بنحو 16 مليار دينار (نحو 6 مليارات دولار) تحتاجها لتمويل موازنة 2021، في ظرف تبدي دوائر صنع القرار المالي العالمي قلقا بشأن تداعيات توتر المناخ السياسي على اقتصاد البلاد وقدرته على تجاوز مخلفات الجائحة الصحية التي أطاحت بالنمو إلى مستويات تاريخية.
ومنذ مصادقة البرلمان على مشروع الموازنة في 10 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، لم تقدم الحكومة أي توضيحات بشأن خطتها لتعبئة الموارد الخارجية ومصير المفاوضات بشأن برنامج التعاون الجديد مع صندوق النقد الدولي أو قيمة القرض الذي تنوي طلبه.
ويبقي الغموض بشأن خارطة تعبئة موارد موازنة العام القادم مجرد أرقام، دون تحديد مصادر التمويلات. وتقول الحكومة إنها تدرس أيضاً إمكانية إصدار صكوك لتمويل جزء من العجز، دون أن تحدد حجم أي إصدار.
وقال الخبير المالي، وليد بن صالح، إن حكومة تونس لم تبادر بعد بفتح المفاوضات الأولية مع صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن تأخير قروض الصندوق سينعكس سلبا على خروجها المرتقب إلى السوق العالمية، حيث سيكون الاقتراض المباشر من السوق الدولية جد مكلف بما يعمّق أزمة الديون في البلاد.
وأكد بن صالح في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تونس تطرح سندات على السوق الدولية بمعدّل فائدة مرتفع "بلغ في أحدث طرح 7.75%"، في حين حصلت دول مجاورة على قروض بنسبة فائدة في حدود 2%.
ورجّح أن يؤثر التأخير في تعبئة الموارد الخارجية اللازمة لموازنة 2021 على مخزونات البلاد من العملة الصعبة، وقيمة الدينار الذي يحافظ على استقراره مقابل اليورو والدولار، مدفوعا بتحسن الموجودات الصافية للعملة في رصيد البنك المركزي التونسي.
وتوقّع الخبير المالي أن تتأخر الاتفاقات مع المانحين الدوليين ولا سيما صندوق النقد الدولي إلى الربع الثاني من سنة 2021، مشددا على أهمية الإسراع في إعداد الملفات الفنية للقروض والدخول في برنامج إصلاحي شامل يهيئ الأرضية للحصول على قرض جديد من الصندوق الذي سيكون أكثر صرامة بشأن الإصلاحات المتأخرة، وفق قوله.
وأفاد في ذات السياق بأن الحكومة مجبرة على إعادة النظر في أرقام الموازنة في شهر مارس/ آذار المقبل في إطار قانون الموازنة التكميلي الذي تنوي عرضه على البرلمان لإصلاح الأخطاء التي تضمنها قانون المالية (الموازنة).
لم تنجح حكومات تونس في السنوات الأربع الأخيرة في النزول بكتلة الرواتب، وتنفيذ تعهدات الدولة بجعلها في حدود 12% من الناتج المحلي وفق اتفاق موقّع مع صندوق النقد الدولي عام 2016.
ويضع انفلات كتلة الأجور حكومة المشيشي، التي تستعد لمفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي، أمام اختبار إقناع شركاء تونس الماليين بوجاهة قرار زيادة رواتب موظفي القطاع الحكومة وإدماج 31 ألف عامل جديد كانوا يشتغلون بعقود هشّة.
وتوقعت مجموعة البنك الدولي في تقرير نشرته يوم 22 ديسمبر/ كانون الأول الجاري أن يرتفع نمو اقتصاد تونس إلى 5.8% سنة 2021 مقابل انكماش بـ9.2 في المائة متوقع نهاية السنة الحالية.
واعتبر التقرير السنوي لمجموعة البنك الدولي بعنوان "المرصد الاقتصادي التونسي" أن تباطؤ النمو سيؤدي إلى تراجع في برامج واستراتيجيات خلق فرص العمل والحد من الفقر، متوقعا زيادة في نسبة السكان المهددين بالسقوط في براثن الفقر.
وأظهر مشروع موازنة العام المقبل في تونس، أن الاقتراض يمثل أكثر من ثلث الموارد المقدرة خلال 2021، الأمر الذي يشير إلى استمرار الصعوبات المالية للدولة، التي تضررت بشدة من جائحة كورونا.
في المقابل، قال الخبير الاقتصادي، محمد المنصف الشريف، لـ"العربي الجديد" إن الحكومة التي تأخرت في كشف خارطة تعبئة موارد الموازنة ستكون مجبرة على تأخير جزء من مشاريع الاستثمار العمومي إلى النصف الثاني من السنة الجديدة بهدف الاستفادة من الأموال المعبأة لتمويل نفقات التسيير والأجور.
وانتقد الشريف مواصلة الإنفاق والاقتراض من أجل دفع الرواتب، مقابل توقف تام للاستثمارات العامة وانحسار القطاع الخاص نتيجة تعكر مناخ الأعمال بسبب الأزمة السياسية وتواتر الحكومات.