موازنة اليمن الجديدة: عقبات تنفيذية وسط غياب الشفافية المالية

23 ابريل 2022
الحرب أضعفت القطاع النفطي اليمني (صالح العبيدي/ فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت الحكومة اليمنية عن مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2022، المرفوع من اللجنة العليا للموازنات العامة، وأحالته إلى البرلمان وسط تحديات جسيمة تواجهها البلاد على الأصعدة كافة. وأكد الباحث الاقتصادي صادق علي في حديثه مع "العربي الجديد"، أن الموازنة العامة في ظل الانقسام الراهن وتبدد الموارد العامة لن تكون أكثر من حبر على ورق.

واعتبر أن الموازنة الحالية هي مجرد إجراء إداري شكلي رضوخاً لطلبات مؤسسات مالية ونقدية دولية، التي تدعو الحكومة اليمنية إلى ضرورة وضع إطار عمل مالي ينظم عملها وعلاقتها بالمانحين والمجتمع الدولي استناداً إلى إصلاحات وخطط واضحة.

ولفت مصدر مطلع لـ "العربي الجديد" إلى عدم الشفافية السائد في إدارة المال العام في اليمن، "وهي مشكلة مزمنة تعاني البلاد منها منذ عقود، فالحكومات المتعاقبة طوال السنوات الماضية لم تلتزم بوضع ميزانية تحدد حجم الإيرادات وأوجه الإنفاق وفقا لضوابط وإجراءات قانونية". وأضاف أن "غياب الميزانية العامة أدى إلى التصرف بالمال العام بعيداً عن المساءلة والمحاسبة، فضلا عن أنه يمثل انتهاكاً صارخاً للدستور والقانون".

كما أشار إلى عدم وجود إطار وطني ومنهجي للتعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار، في ظل افتقار اليمن إلى برنامج وطني شامل لإنعاش الاقتصاد في الأجلين القصير والمتوسط لمواجهة التحديات الهيكلية والطارئة التي يعاني منها الاقتصاد اليمني.

ديون وعقبات

وتطرق الخبير في المعهد الوطني للعلوم الإدارية والمالية هشام يحيى في حديث مع "العربي الجديد"، إلى جزئية محورية في هذا الخصوص تتعلق بعملية تصدير النفط وهو المورد الاقتصادي الرئيس للبلاد، وارتباط إعداد الموازنة العامة للدولة لهذا العام بإعادة تصدير النفط مرة أخرى بعد توقف منذ بداية الحرب عام 2015.

ولفت إلى أن هذا المورد وقطاعاته الإنتاجية تستثمر فيها وتديرها شركات فرنسية وأميركية وبريطانية وكورية جنوبية ونمساوية وسويدية وكندية وغيرها. وهناك ديون لم تتم تسويتها مع هذه الشركات ودولها بناءً على عقود واتفاقيات مختلة لاستغلال هذا القطاع.

وأضاف أنه كانت هناك مؤشرات وتوجهات لتسوية العقود مطلع العام الحالي، لكن الأمر قد يختلف الآن من وجهة نظر يحيى، بسبب إفرازات الأزمة الاقتصادية العالمية والحرب في أوكرانيا وتأثيراتها التجارية والمالية والمصرفية والاقتصادية. وشرح أن هناك توجيهات للمؤسسات والشركات بإيعاز من الدول التي تتبع لها لاسترداد ديونها، وقد يكون اليمن من أكبر الضحايا نظراً للديون المتراكمة وما يترتب عليها من فوائد للمقرضين وسط عجزها عن السداد.

وقالت الحكومة إن مشروع الموازنة استوعب أهداف حكومة الكفاءات السياسية، إضافة إلى مضمون برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري. وذكر مصدر حكومي مسؤول فضل عدم الكشف عن هويته لـ "العربي الجديد"، أن الحكومة اليمنية ستبذل جهوداً واسعة لحشد الدعم الدولي لتمويل الموازنة العامة للدولة، وكسب ثقة المجتمع الدولي بما يؤدي إلى رفع القيود المالية والمصرفية المفروضة على اليمن في التعاملات الخارجية، إضافة إلى تسريع عملية تنفيذ خطط الإصلاحات الاقتصادية لخلق أرضية عمل مناسبة لاستيعاب برامج إعادة البناء والإعمار.

وتعتمد الموازنة العامة في اليمن على الموارد النفطية والغازية، فيما شرح مصدر لـ "العربي الجديد" أن الحكومة لا تستطيع إدارة الموازنة في ظل توقف صادرات النفط والغاز بنسبة تزيد عن 50 في المائة وعدم القدرة على تحصيل بقية الموارد من الضرائب والجمارك.

ضعف البيانات

وحصل اليمن على دعم بنحو 3 مليارات دولار، منها مليارا دولار مناصفة بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب مليار دولار منحة إضافية قدمتها السعودية تتضمن 600 مليون دولار لصندوق دعم شراء المشتقات النفطية، و400 مليون دولار لمشاريع ومبادرات تنموية.

وشكّل هذا الدعم حافزاً كبيراً للتسريع بإقرار الموازنة العامة الجديدة للعام الحالي وإحالتها إلى البرلمان اليمني، الذي التأم جزء منه في عدن للإشراف على تأدية المجلس الرئاسي المنبثق عن مشاورات الرياض لليمين الدستورية ومناقشة مشروع الموازنة والبرنامج للحكومة اليمنية وإقرارهما.

ورأى أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن أمين علي حسن أن إقرار الموازنة هو بداية جيدة لعودة الحياة المخطط لها بدلاً من العشوائية والارتجالية اللتين عاشهما اليمن خلال السنوات الثماني الفائتة التي تسببت بنمو متزايد في أعداد الفاسدين على حساب إفقار اليمنيين.

وأمل حسن أن يمهد ذلك لتصحيح الأخطاء المالية والإدارية، على الرغم من أن معدّي الموازنة سيواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على أرقام جداول الموازنة مع صعوبة تقدير الإيرادات والنفقات في ظل عدم وجود بيانات إحصائية منذ ثماني سنوات، حيث سيكون هامش الخطأ المسموح به كبيراً "زيادة أو نقصاناً".

كما أن فريق إعداد الموازنة سيواجه إشكاليات عديدة بشأن تقدير الموازنة العامة، بسبب أن جزءا كبيرا من البلاد ما زال تحت قبضة الحوثيين، ولنفس السبب سيجد راسمو السياسة المالية والنقدية صعوبات في تنفيذها، وفق حسن.

ونصح أستاذ الاقتصاد بجامعة عدن الحكومة باتباع سياسة التقشف والهادفة إلى تخفيض الإنفاق العام لاسيما نفقات النخب القيادية في الدولة التي وصلت في السنوات السابقة إلى أرقام مهولة، وكذلك السعي لاستعادة روافد الموازنة العامة للدولة كأداة تشغيل مصفاة عدن وكذا عودة الصادرات النفطية التي كانت تشكل أكثر من 80 في المائة من إيرادات الموازنة في السنوات السابقة، حتى تستعيد البلاد عافيتها.

تدهور مالي

ومرّ اليمن بظروف صعبة في السنوات القليلة الماضية جراء عزوف المجتمع الدولي وعدم اهتمامه بتبعات الحرب ونتائجها، فطول مدة الصراع جعل الأزمة اليمنية تدخل في عالم النسيان، كذلك عدم الاهتمام من قبل المانحين.

في السياق، بحث المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ لدى زيارته الأخيرة والأولى له إلى صنعاء منتصف إبريل/ نيسان، إمكانية إنهاء الانقسام المالي بين صنعاء وعدن وإعادة توحيد المؤسسات المالية والنقدية كمرحلة لاحقة في إطار الجهود الدولية المبذولة لإنهاء الحرب في اليمن وإحلال السلام والتي توجت أخيراً بموافقة جميع الأطراف على هدنة إنسانية لمدة شهرين.

ويتسم الوضع المالي لليمن بالاختلال العميق والتدهور الشديد، حيث دخلت المالية العامة في أزمة حادة برزت ملامحها في ارتفاع عجز الموازنة وارتفاع نسبة الدين المحلي نتيجة تراجع الإيرادات العامة بكافة مصادرها، الإيرادات الضريبية وغير الضريبية والنفطية وفائض أرباح المؤسسات العامة.

المساهمون