استمع إلى الملخص
- **تداعيات الأزمة على الاقتصاد والمعيشة**: فشلت الإدارة الجديدة للمصرف في طرابلس في تسيير الأعمال الخارجية وتنفيذ الاعتمادات المستندية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضار.
- **ردود الفعل والمطالبات بحلول عاجلة**: المواطنون والتجار يعبرون عن قلقهم من الأزمة ويطالبون بحلول عاجلة لتجنب نقص السيولة النقدية وارتفاع أسعار السلع المستوردة.
لا تزال أزمة المصرف المركزي الليبي تراوح مكانها برسم الغموض الذي تسير خلاله المفاوضات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، للتوافق على محافظ للمصرف ومجلس إدارة موحد، في الوقت الذي يعبر فيه مواطنون عن خشيتهم من المجهول القادم المحيط بمعيشتهم.
ومنذ أن أعلن ممثلو مجلسي النواب والدولة، الأسبوع قبل الماضي، توسّع دائرة المفاوضات بشأن أزمة المصرف لتشمل المجلسين، لم يُعلن عن أي جديد، وسط انقسام حاد حول شرعية المحافظ المؤقت المعين من المجلس الرئاسي، عبد الفتاح عبد الغفار، مقابل تمسّك مجلس النواب بشرعية المحافظ السابق الصديق الكبير.
ونظمت البعثة الأممية في ليبيا مفاوضات مباشرة بين ممثلَين عن مجلسي النواب والدولة، وأخرى مع ممثل عن المجلس الرئاسي على مدار أسبوعين، أكدت خلالها إحراز تقدم في المفاوضات، إلا أنها عبرت لاحقاً عن أسفها لعدم التوصل إلى اتفاق نهائي لحل أزمة المصرف، مذكرة جميع الأطراف الليبية بمسؤوليتها عن معالجة هذه الأزمة على وجه السرعة، كون استمرارها ينطوي على مخاطر جسيمة على معيشة المواطن الليبي.
بعد مرور أزيد من شهر على نجاح المجلس الرئاسي في تمكين إدارة جديدة للمصرف من السيطرة على مقره في العاصمة طرابلس، فشلت الإدارة في تسيير أعماله الخارجية، خاصة المرتبطة بتنفيذ الاعتمادات المستندية لتوريد الغذاء والدواء واللوازم الخدمية الأخرى، على الرغم من إعلانها منذ نهاية أغسطس/ آب الماضي استعادتها العمل بكامل المنظومة الإلكترونية المصرفية.
وفي الخامس من سبتمبر/ أيلول الجاري أعلنت إدارة المصرف المركزي عن البدء في تنفيذ طلبات فتح الاعتمادات المستندية الواردة إليه من المصارف التجارية، وأنها ستبدأ أيضاً في فتح منظومة الطلبات الجديدة لفتح الاعتمادات المستندية، لكنها لم تنجح في تنفيذ أي من الاعتمادات المستندية لعدم قدرتها على الحصول على العملة الأجنبية اللازمة للتوريد، على خلفية وقف المصارف الدولية تعاملاتها مع المصرف المركزي لارتفاع مؤشرات المخاطر فيه، وعدم حسم شرعية محافظه ومجلس إدارته.
غموض مصير المركزي الليبي
إزاء هذا الغموض في مصير المصرف وإدارته، تشهد البلاد ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية والخضار، وسط مخاوف أبداها العديد من المواطنين حيال المجهول الذي يواجه معيشتهم في الأشهر القليلة المقبلة.
واستطلعت "العربي الجديد" آراء عدد من المواطنين والتجار لرصد ردات الفعل حيال أزمة المصرف المركزي وتبعاتها، حيث أكد عبد الوهاب الطرّيق (مواطن من طرابلس) وجود ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية الأساسية المتصلة بضروريات المعيش اليومي، موضحاً أنه يلاحظ وجود ارتفاع في الأسعار يومياً.
وحسب حديث الطرّيق، فإن شريحة كبيرة من المواطنين لا تزال قادرة على مواجهة الارتفاع التدريجي للأسعار، لكنه يستدرك بأن ذلك "لن يطول"، فمن يصرف من مدخراته الخاصة سيضطر للانضمام للآخرين الذين يعملون في مهن وحرف إضافية على أعمالهم الوظيفية في الحكومة.
ووفقاً لرأي الطرّيق، فإن الجميع سيواجه "أزمة النقص الحاد في السيولة النقدية بالمصارف، والبطاقات لن تعوض العجز في السيولة، لأن المصارف لن توفر السيولة النقدية للتجار، ليتمكنوا من شراء البضائع".
فيما يطالب الطرّيق السلطات بضرورة الإسراع بوضع حلول لأزمة المصرف وتجنب مضاعفاتها، يحذر عمر اشتيوي (تاجر سلع غذائية) من أن مخزون السلع الغذائية لدى التجار لن يصمد أكثر من شهر ونصف، وينضم لمطالب الطرّيق بشأن ضرورة حل أزمة المصرف، ليتمكن من تنفيذ الاعتمادات لتوريد السلع الغذائية.
ويؤكد اشتيوي لـ"العربي الجديد" أن عدداً من التجار الموردين بدأوا فعلياً في إخفاء أنواع من السلع لرفع أسعارها، والاستفادة من الفرق لزيادة نسب الأرباح، موضحاً أن الاستغلال يطاول أيضاً المنتجات المحلية التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في أسعارها.
وتابع اشتيوي حديثه "الشراء بالبطاقات المصرفية شاع منذ سنوات، وأصبح معمولاً به حتى في المحال الصغيرة، وهو أمر إيجابي جداً، لكن في ظل عدم قدرة المصارف على توفير السيولة النقدية للتجار الصغار تراجع التعامل بالبيع الإلكتروني بشكل كبير، وقريباً ستمتنع المحال التجارية الكبيرة عن هذه الطريقة".
ويشير اشتيوي إلى أن تبعات أزمة المصرف على المواطن والتاجر "كبيرة جداً، فحتى لو جرت المعالجة بقرارات توافقية لأزمة المصرف، فستستمر أزمة عدم اليقين والثقة في القطاع المصرفي، وسيتجه الجميع لادخار النقد، سواء التجار أو المواطنين، وهنا تقع المسؤولية على المصرف المركزي".
ويضيف اشتيوي "في السابق كان الجميع يتهم التجار الكبار المسيطرين على عمليات التوريد من الخارج بالتحكم في الأسعار ورفعها، والآن أصبحت مؤسسات الدولة المساهم الأول، والخطر الآن يحدق بمعيشة المواطن وحياته، بعد أن بدأت السيولة النقدية في الاختفاء والتكدس في خزانات كبار التجار"، مشيراً إلى أن عدم قدرة المصرف على تنفيذ الاعتمادات سيترتب عليه ارتفاع العملة الأجنبية في الأسواق الموازية، وبالتالي سترتفع أسعار السلع الخدمية الموردة من الخارج.
ومنذ اندلاع أزمة المصرف المركزي قفز سعر الدولار في الأسواق الموازية بالبلاد بأكثر من دينار، بواقع 8 دنانير لكل دولار، مقابل سعر الصرف الرسمي المحدد بــ 6.15 دنانير ليبية للدولار.