تترقب حملات المساعدات الشعبية وقوافل إغاثة إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، وصول أطراف الصراع لهدنة إنسانية.
وفي وقت تصاعدت المطالبات المصرية الرسمية بضرورة العمل على فتح معبر رفح من أجل إيصال المساعدات الإغاثية للفلسطينيين في قطاع غزة، رفضت السلطات المصرية السماح لأي جهة حزبية أو تابعة للمجتمع المدني بجمع التبرعات لمساعدة الغزاويين، حتى إشعار آخر. وألزمت الحكومة مسؤولي "التحالف الوطني" الذي يقوده حزب "مستقبل وطن" الداعم للحكومة في البرلمان بالصمت، وعدم إثارة الحديث عن تسيير قوافل إغاثة للمتضررين في غزة مجددا حتى إشعار آخر، مبررين دعوتهم بأن الأمور أصبحت أشد ارتباكا وتعقيدا.
ووصف عضو مجلس النواب السابق، عبد الحميد كمال، التراجع عن توجيه قوافل إغاثة لغزة، بأنه يعكس حالة انقسام مصر على ذاتها، مشيرا إلى أن مصر الرسمية تائهة في مواجهة الأزمة، مرتبكة بين الهمّ الخاص والخوف من خوض معركة على الحدود، تعقد المشاكل التي تواجهها.
كمال الذي كان عضوا في حركة المقاومة الشعبية للسويس في حرب 1973، قال لـ"العربي الجديد" إن المناخ العام أصبح مقيدا، فالشعب لا يمكنه الحركة والتعبير عن مشاعره الوطنية، ولا يسمح بأن يثور غضبا لغزة، كما كان يفعل في الماضي. ويشير إلى تمكن أهل السويس من توجيه قوافل إغاثة لأشقائهم في غزة، خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، وأثناء العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2017، من تبرعات الأفراد والشركات والجمعيات الخيرية، التي ساعدت طوعا، في إرسال الدقيق والملابس والأغطية، وحملها سائقون على العربات، رافضين الحصول على أجورهم، لافتا إلى أن الوضع الحالي يحرم الناس من المشاركة في إنقاذ إخوانهم، بسبب الخوف من السلطة التي سدت أمامهم منافذ التعبير عن أنفسهم.
كما يحذر كمال من خطورة عدم استجابة السلطة لنبض الشعب الراغب في تقديم الغذاء والدواء لأبناء غزة، وهم يواجهون الإبادة الجماعية، مبينا أن الأوضاع تزداد سوءا، ونخشى أن تنجح إسرائيل في دفع الفلسطينيين للفرار من أراضيهم إلى سيناء كما تخطط لذلك منذ سنوات.
ويُعد معبر رفح الذي يربط بين مصر والقطاع وأغلق يوم الثلاثاء الماضي بسبب الضربات الجوية الإسرائيلية شريان الحياة الوحيد للفلسطينيين في غزة، بعد إعلان الاحتلال فرض حصار شامل على القطاع.
وتقدر مصادر فلسطينية حركة التجارة بين مصر وغزة بأكثر من مليار دولار سنويا، بينما يرصد جهاز التعبئة والإحصاء الحكومي في مصر قيمة الصادرات المصرية إلى فلسطين عام 2021، بنحو 284.4 مليون دولار، مقابل 164.8 مليون دولار 2020. ويجري نقل البضائع المصرية إلى غزة، عبر وكيل حصري "شركة أبناء سيناء للنقل"، في إطار تفاهمات تجارية بين حماس والأجهزة الأمنية المصرية، بما يرفع تكاليف الشحن والتأمين على واردات القطاع.
ومن جانبه، يبين الخبير في شؤون النقابات العمالية، كمال عباس، أن تعاطف الشعب المصري مع أشقائه في غزة واضح على جميع المستويات، ويظهر جلياً على وسائل التواصل الاجتماعي وأحاديثهم في الشوارع والبيوت، مؤكدا أن قضية فلسطين لا يمكن محوها من قلوب المصريين، ليس لأنها قضية حق عربي يطلب استرداد أرضه المحتلة فحسب، بل لأن إسرائيل قتلت مئات الجنود المصريين ودفنتهم أحياء في حرب يونيو 1967، وأحرقت الأطفال في مدرسة بحر البقر والعمال في مصانع أبو زعبل أثناء حرب الاستنزاف عام 1970.
يقول عباس لـ "العربي الجديد" إن المصري سيظل ضميره واعيا بأن إسرائيل كيان مغتصب، ولذلك يعي ضرورة نجدة إخوانه في غزة لأنه بذلك يدافع عن قضيته بالمقام الأول. ويؤكد مؤسس النقابات العمالية المستقلة، أن عدم توجيه القوافل الشعبية لإنقاذ المحاصرين في غزة يرجع إلى أن الشعب أصبحت حريته مقيدة، في التعبير عن قضاياه اليومية والعامة.
وينتظر الساسة تحركات جديدة للتهدئة، بين إسرائيل وحماس تلزم الطرفين بهدنة إنسانية، تمكّن مصر من إدخال مساعدات غذائية وطبية إلى القطاع الذي قطعت إسرائيل عنه المياه والكهرباء والغذاء، ودكت مستودعات الأدوية والمستشفيات وتقتل عمدا الطواقم الطبية، لتدفع المصابين والمرضى للهروب الجماعي من أماكن الإيواء والمدارس التي احتموا بها إلى نزوح جماعي باتجاه البحر والصحارى.
وعبرت مصادر محسوبة على أجهزة سيادية، في بيان غير محدد المصدر، أذيع بالقنوات المصرية، عن خشيتها من أن تستغل إسرائيل رغبة المصريين في دعم أشقائهم بغزة، لتدفعهم للهروب إلى سيناء، في إطار خطة للتهجير القسري.