مصر: تعثّر مبادرة حكومية لإنقاذ المصانع من الركود

20 مايو 2023
الأنشطة الصناعية تواجه تكاليف متزايدة في ظل التضخم وارتفاع أسعار الفائدة (Getty)
+ الخط -

كشف مستثمرون عن فشل وزارة المالية المصرية في تدبير تمويل مبادرة دعم الفائدة التي أطلقتها الحكومة لمساعدة المستثمرين على مواجهة الركود وتراجع الأنشطة الصناعية والتجارية والتوسعات، المتحققة من التدهور المستمر في قيمة الجنيه، وارتفاع معدلات التضخم.

أكد أعضاء بجمعية رجال الأعمال واتحاد المستثمرين بالمناطق الصناعية والحرة، لـ"العربي الجديد"، أن المبادرة التي تعهدت الحكومة بتنفيذها في 7 مارس/ آذار الماضي، ما زالت "حبراً على ورق"، وأن البنوك لم تتلقّ أية أموال، أو تعليمات خاصة بصرف تلك القروض التي قررت الحكومة صرفها بصفة عاجلة بقيمة 150 مليار جنيه (نحو 4.8 مليارات دولار)، لإخراج الشركات غير المنتجة للنفط من حالة الركود التي تمر بها منذ عامين ونصف عام.

وقال وليد جمال الدين، رئيس المجلس التصديري لمواد البناء في تصريح صحافي، إن "البنوك أخطرتنا بعدم وصول أية تعليمات رسمية حول تنفيذ المبادرة، في وقت تعطل وزارة المالية صرف مستحقات المصدرين التي تقدمت بها خلال العامين الماضيين، بما يهدر حقوق المستثمرين الجادين، في الحصول على مستحقاتهم، ويقلل من قيمة الدعم المخصص من الدولة".

وأبدى مستثمرون دهشتهم من لجوء وزارة المالية إلى فرض ضرائب على عوائد الدعم الحكومي على قيمة الصادرات، تحت بند "تأخير الصرف" بدلاً من أن تدفع الوزارة قيمة فوائد عن التأخير في صرف حقوق المستثمرين، التي تعطلت لفترة تزيد على العام، فقد الجنيه خلالها أكثر من 50% من قيمته، بما يعجز الشركات عن استكمال الخطط الإنتاجية والتصديرية. 

ضغوط الصندوق

وقال محمود الشندولي، نائب رئيس اتحاد المستثمرين، لـ "العربي الجديد": "إننا لم نتلق أية إشارات حول بدء الحكومة تنفيذ تلك المبادرة، حتى الآن رغم مرور 3 أشهر على إطلاقها رسمياً". 

وكانت الحكومة قد أوقفت مبادرات دعم الفائدة التي تولاها البنك المركزي لعدة سنوات، ونفذها عبر البنوك الرسمية والصندوق الاجتماعي وبرامج دعم وتنمية الصناعة والمشروعات الصغيرة، التي كانت تتضمن منح المشروعات الصناعية والسياحة والعقارية والزراعية قروضاً بفائدة 8%.

اعتبر أعضاء غرف المنشآت الفندقية والسياحة إبعاد القطاع السياحي عن الاستفادة من تلك المبادرات، ردة عن دعم الدولة لتحسين الأداء بالفنادق التي ما زالت تعاني من الآثار السلبية التي واجهت الصناعة، عقب توقف الرحلات بعد انتشار وباء كورونا، وتضاعف أسعار مستلزمات التشغيل والصيانة، منذ فرض قيود الاستيراد السلعي في مارس 2022.

وتعقد الجمعية العمومية لغرفة المنشآت الفندقية اجتماعاً الثلاثاء المقبل، لبحث سبل الضغط على الحكومة لضم القطاع السياحي لمبادرة دعم الفائدة، بما يمكن المشروعات من زيادة الطاقة الفندقية التي تستهدف الدولة رفع معدلات السائحين إلى 30 مليون سائح، عام 2030. 

كذلك وضعت الجمعية العمومية لاتحاد البناء والتشييد، الخميس الماضي، قضية استبعاد القطاع العقاري من مشروعات دعم الفائدة، على قائمة أولوياتها.

وأكدت البرقيات التي وجهها الاتحاد لأعضائه، تعرض أكثر من 3000 شركة مقالات وعقارات للإفلاس والخروج من السوق، متأثرة بتراجع قيمة الجنيه وارتفاع الأسعار وشح الدولار، ورفع الحكومة القطاع من مبادرات دعم الفائدة، التي تحرم الشركات والمطورين العقاريين فرصة الحصول على فوائد مدعمة، ظلت هي المحرك الأساسي لتنشيط مشروعات البنية الأساسية والعقارات بالدولة، التي تمثل نحو 40% من الناتج المحلي.

وحذر هشام يسري، الأمين العام للاتحاد من انهيار شركات العقار، التي تعتبرها الحكومة قاطرة التنمية.   

أوقف البنك المركزي المخصصات المالية، بعد اعتراض صندوق النقد الدولي على وجود ازدواجية في معدلات الفائدة، على الإقراض بين القطاعات الإنتاجية المختلفة، تخل بالتنافسية بين الصناعات والمستثمرين، وإلزامه الحكومة بإبعاد "المركزي" عن أية خطط لدعم الفائدة، في ظل تزايد أزمة الدين الذي تلتهم نحو 60% من إيرادات الموازنة العامة. 

مبادرة لم تنفذ

صدرت المبادرة في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بقرار من مجلس الوزراء، تضمن العمل بها اعتباراً من فبراير/ شباط الماضي، على أن تتولي وزارة المالية إدارتها والمبادرات المستقبلية.

ووافق المجلس في مارس الماضي على إصدارها مع تطبيقها على الأنشطة الصناعية والزراعية لدعم القطاعات الإنتاجية بسعر عائد مخفض تبلغ 11%، متناقصة، تتضمن 140 مليار جنيه لتمويل رأس المال العامل بالشركات الخاصة، و10 مليارات لشراء المعدات والآلات.

وقرر المجلس تخفيض قيمة المبادرة بواقع 20% سنوياً، لتنتهي خلال 5 سنوات، وفي حال امتداد التمويل لفترات أطول، بعد انتهاء لمدة يتحمل المستثمر تكلفة التمويل كاملة. 

وحدد مجلس الوزراء الأنشطة الصناعية والزراعية ومشروعات الطاقة الجديدة المستهدفة من المبادرة، تشمل مشروعات متوسطة وكبرى ومصانع بالمناطق الحرة، والجمعيات التعاونية الزراعية، التي لها أنشطة يسمح النظام الأساسي لها بالاقتراض، حيث يحق للعميل الواحد الحصول على 75 مليون جنيه والجهات متعددة الأطراف في حدود 112.5 مليون جنيه. 

وقرر المجلس أن تتحمل وزارة المالية فرق الفائدة، مع صرف التعويض للبنوك المشاركة في المبادرة بصفة ربع سنوية، بالإضافة إلى 1٪ عمولة الائتمان والخصم، ولا تتحمل وزارة المالية عوائد التأخير المحتسبة على تسهيلات العملاء في إطار المبادرة.

خصصت الحكومة المبادرة لدعم الفائدة البنكية للقطاع الخاص، لتكون في حدود 11% متناقضة. يحل المشروع الخاضع للمبادرة تمويل 75 مليون جنيه كحد أقصى، لمدة 5 سنوات. 

وافقت الحكومة على إعادة توظيف المبالغ المخصصة للمبادرة في حدود 150 مليار جنيه، لتوظيف المسترجعات منها في تمويل مشروعات جديدة، بما يخدم أكبر عدد من المشروعات، الصناعية والإنتاجية. 

يخصص التمويل لشراء المعدات والآلات، واقراض الجمعيات التعاونية، وحظر استخدامه في سداد أية مديونيات آخرة مستحقة للقطاع المصرفي. 

شهدت أسعار الفائدة ارتفاعاً بمعدل 1000 نقطة خلال 12 شهراً، وصلت إلى 19.25% بالبنك المركزي، ترتفع بالبنوك لتصل إلى 23٪ إلى المستثمرين، و30٪ لباقي المعاملات التجارية والمشتريات، وترتفع إلى 32% مقابل تدبير العملة للموردين والمسافرين للخارج. 

يلزم البنك المركزي البنوك غير الخاضعة لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، إصدار شهادة بصفة ربع سنوية بقيمة التعويض، عن فارق سعر العائد على التسهيلات الائتمانية الممنوحة لعملائه المستفيدين من المبادرة. 

يأمل محللون أن تبدأ الحكومة تفعيل المبادرة على أرض الواقع، مع بداية السنة المالية 2023-2024 يوليو/ تموز المقبل.

اضطراب الأسواق

وأعرب مستثمرون شاركوا في منتدى "إنتربرايز" للصادرات والاستثمار، الخميس الماضي، عن حاجة الشركات إلى إنهاء حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق في ظل سعر صرف متعدد، وضغوط تضخمية، وتحديات اقتصادية وبيروقراطية، غير مواتية لدعم الاستثمار. 

انضم البنك الأوربي للأعمار والتنمية إلى قافلة المؤسسات المالية التي تبدي تشاؤماً حول معدلات التنمية المتوقعة، خلال العام المالي الجديد، بعد صندوق النقد والبنك الدولي، ومؤسسات مالية وبنكية عالمية.

خفض البنك توقعاته للنمو من 4.7% إلى 4%، هذا العام، مبيناً تأثر نبوءته بتزايد نقص العملة الأجنبية، وارتفاع التضخم، والارتفاعات المتكررة في زيادة سعر الفائدة.

كذلك، يتوقع البنك أن ينمو الاقتصاد عام 2024، بمعدل 4.8%، بدلاً من 5%، متأثراً بالضغوط التضخمية وتشديد السياسات النقدية، وعدم قدرة الحكومة على تدبير تمويل خارجي، والتباطؤ في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، والتأخير في بيع الأصول العامة. 

أشار البنك في تقريره الصادر الأسبوع الماضي، إلى أن الحكومة ستوجه 60% من إيرادات الموازنة العامة، لخدمة الديون، العام الحالي، ترتفع إلى 70%، 2024، مع ارتفاع تكاليف خدمة الدين إلى 1.12 تريليون جنيه في العام المالي 2023-2024، لتصل إلى 52% من الإيرادات المتوقعة للميزانية العامة. 

المساهمون