تزداد المخاوف في العراق من تداعيات قرار البنك المركزي الأميركي رفع سعر الفائدة الرئيسي بنسبة 0.75%، خصوصاً مع استمرار هشاشة الاقتصاد العراقي، واعتماد البلاد بشكلٍ شبه كلي على البضائع المستوردة التي سترتفع أسعارها إذا ما اتخذ البنك المركزي العراقي إجراءات للحاق بالقرار الأميركي.
وقرر المركزي الأميركي، أول من أمس الأربعاء، رفع الفائدة، بهدف وقف قفزة التضخم التي تسببت بها جائحة كورونا، وقيام الولايات المتحدة بطبع الدولار لتغطية الأزمة الاقتصادية والحظر الاحترازي من الفيروس، فيما يتوقع اقتصاديون عراقيون أن ينسحب هذا القرار على معظم الدول العربية، وحدوث ارتفاع حتمي في أسعار البضائع المستوردة، مع تباطؤ في نمو الاقتصاد المحلي وزيادة في معدلات البطالة.
كان المركزي الأميركي رفع أسعار الفائدة بنسبة 0.5% في مايو/أيار الماضي، لأول مرة بهذه النسبة منذ عام 2000، وللمرة الثانية منذ عام 2018، وذلك بعد أن رفع الفائدة بنسبة 0.25% في مارس/آذار الماضي.
وحذر الرئيس الأميركي جو بايدن، الأسبوع الماضي، من أنّ التضخم في الولايات المتحدة قد يستمر "فترة". وقال بايدن، خلال فعالية لجمع تبرعات للديمقراطيين في بيفرلي هيلز: "سوف نتعايش مع هذا التضخم لفترة من الوقت.. سينخفض تدريجياً، ولكننا سنعيش معه لفترة من الوقت".
في السياق، قال مسؤول في البنك المركزي العراقي، اليوم الجمعة، إنّ "نائب محافظ البنك، إضافة إلى مسؤولين وخبراء ومستشارين في السياسة النقدية، يستعدون حالياً إلى عقد 3 اجتماعات عاجلة بشأن اتخاذ قرار لمواجهة أي تحديات اقتصادية بعد القرار الأميركي".
وبيّن المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، في حديث مختصر لـ"العربي الجديد"، أنّ "العراق لا يملك أي خيار سواء التماشي مع القرار الأميركي، كما فعلت معظم دول الخليج العربي، التي رفعت هي الأخرى سعر الفائدة، وفي ذلك حفاظ على التوازن الاقتصادي، وإمكانية في معالجة الأضرار التي قد تنجم، وأبرزها التراجع في فرص العمل".
وكان المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح قد تحدَّث، الأسبوع الماضي، في بيان، عن تأثير رفع الفائدة الأميركية على الاقتصاد العراقي. وقال إنّ "دلالات وتأثير رفع الفائدة من قبل البنك الأميركي على الاقتصاد العراقي ذات شقين؛ الأول بكون البلاد هي الطرف المدين، إذ سيؤدي ارتفاع الفائدة على الدولار الأميركي إلى ارتفاع كلفة القروض المسحوبة بالدولار، لا سيما التي تُحدد فوائدها السنوية على أساس الفائدة السوقية أو (المتحركة) بالدولار، التي تؤشرها الأسواق المالية بالارتفاع مثل فائدة (الليبور) وهي فائدة الإقراض والاقتراض بين المصارف بالدولار في سوق لندن".
وأضاف أنه "حتى وإن كانت بعض القروض تحمل فائدة ثابتة على القرض نفسه، ولكنها تحمل (هامش مخاطر حول الفائدة الثابتة نفسها) ويسمى بـ(الانتشار)، ذلك لتفادي تقلبات السوق، وأن (الانتشار) سيرتفع تلقائياً آخذاً بالاعتبار مخاطر الفائدة المرتفعة".
أما الشق الثاني، فقد أشار صالح إلى "كون البلاد هي الطرف الدائن فإنّ الاستثمار بالودائع الدولارية أو السندات الأميركية للعراق سيتوقع أن ترتفع عوائدها مستقبلاً بارتفاع معدلات الفائدة الأميركية بالغالب، وتتوقف على طبيعة الفائدة التعاقدية هل هي ثابتة أم متغيرة".
وأكمل: "فإذا كانت الفوائد على السندات الدولارية هي ذات صفة تعاقدية ثابتة إلى حين تاريخ الاستحقاق، وتطلب الأمر تسييلها في السوق الثانوية وتحويلها إلى النقد السائل لمختلف الأغراض، فإنها ستخصم بالفائدة الجديدة المرتفعة للدولار، ما يعني فقدان جزء من العائد جراء الخصم، ونتحمل عندها مخاطر ارتفاع الفائدة".
ولفت إلى أنه "في الأحوال كافة تبقى إدارة الاستثمارات الرسمية للبلاد هي الجهة الأكثر اقتداراً في التحوط الجيد، ذلك بإدارة مخاطر العملة الأجنبية أو الاحتياطيات الأجنبية بالدولار، ولا سيما مخاطر سعر الصرف وسعر الفائدة، وذلك من خلال التنويع الجيد وتقليل المخاطر السوقية لمحفظة العراق المالية".
وأعلنت البنوك المركزية في عدة دول خليجية، أخيراً، رفعاً فوريّاً لأسعار الفائدة في أعقاب القرار الأميركي، كما يُتوقع على نطاق واسع أن تتخذ سلطنة عمان خطوة مماثلة برفع سعر الفائدة. وتربط دول مجلس التعاون الخليجي عملاتها بالدولار الأميركي.
من جهته، قال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي جمال كوجر إنّ "قرار البنك المركزي برفع الفائدة يأتي ضمن حملة قد تستمر عشرات السنين، ما يعني أنّ معظم الدول التي تعتمد على الاستيراد في استهلاكها الداخلي ستتأثر بكل تأكيد".
وأوضح، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "تداعيات كورونا جعلت الولايات المتحدة تطلق مبلغ 6.4 تريليونات دولار عبر الإقراض والإنفاق الحكومي، فأصبحت هناك أموال كثيرة لدى المواطنين تسببت بزيادة الطلب على السلع، ما جعلها ترتفع. لذلك، هي اليوم تسعى إلى تقليل معدل التضخم الذي وصل إلى 8.5% في مارس/آذار الماضي، وهو أعلى معدل منذ 1981".
ولفت إلى أنّ "معظم الدول العربية قد تتأثر بهذا القرار، بما في ذلك العراق، لأنّ القرار سيكون البداية لخروج المستثمرين من الدول العربية إلى الولايات المتحدة بسبب العوائد الإيجابية، وهو ما سيجعل الدول العربية ترفع هي الأخرى قدر ما تستطيع الفائدة، أو بمقدار ما رفعه البنك المركزي الأميركي، للمحافظة على بقاء المستثمرين الأجانب"، مؤكداً أن "العراق إذا ما لجأ إلى اللحاق بقرارات الولايات المتحدة، فإنّ العملة المحلية (الدينار) ستنخفض أكثر، وسيؤدي ذلك إلى زيادة الأسعار ونسب الفقر".
بدورها، أشار الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم إلى أنّ "ارتفاع الفائدة سيؤدي إلى زيادة في الطلب على الدولار في الأسواق العالمية، ما يعزز من قيمته وسعره، الأمر الذي سيتسبب بشحّ الدولار وارتفاع قيمته مقابل العملات المحلية، بما في ذلك العراق، الذي سيتأثر بشكل خاص، لا سيما أنّ الحكومة العراقية سبق أن أقدمت على خفض قيمة الدينار"، مرجحة أنّ القرار الأميركي الأخير "سيؤدي إلى خفض قيمة الدينار أكثر".
وأوضحت لـ"العربي الجديد" أنّ "العراق يعتمد على الاستيراد في كل شيء، لذلك قد نواجه، خلال الفترة المقبلة، أزمة غذاء وضربة تضخمية في الاقتصاد المحلي، وسيصعب على العراق الإيفاء بالديون التي يعاني منها بسبب زيادة قيمة هذه الديون".