تتلقى الأسواق الأميركية المختلفة رسالة واضحة مفادها بأن "عصر الأموال منخفضة التكلفة" قد ولى لفترة لا يعرف أحد مداها، في ظل خطوات مجلس الاحتياط الفيدرالي " البنك المركزي الأميركي" لرفع أسعار الفائدة وتصريحات مسؤوليه التي تشير إلى المزيد من رفع الأسعار بوتيرة أكبر أسرع لمواجهة معدلات التضخم الآخذة في الصعود.
والأسبوع الماضي تسببت كلمات جيمس بولارد، رئيس البنك الفيدرالي في سانت لويس، بشأن تأخر البنك في اتخاذ الخطوات الأساسية لمحاربة التضخم، في ارتفاع معدلات العائد على سندات الخزانة الأميركية، لتسجل سندات العشر سنوات المعيارية 2.72% لأول مرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وتوقع بولارد تعجيل رفع معدلات الفائدة، مشيراً إلى أن بعض المقاييس توضح ضرورة رفعها بما يقرب من 300 نقطة أساس (3%) خلال الفترة القادمة.
وتعد سندات العشر سنوات واحدة من أهم محددات معدل الفائدة المطبق على العديد من أنواع القروض في السوق الأميركية. ومنها بالتأكيد قروض الرهن العقاري.
وبنهاية تعاملات الأسبوع الماضي، سجل متوسط معدل الفائدة المطبق على قروض الرهن العقاري لمدة 30 عاماً على مستوى كافة الولايات الأميركية 5.09% للمرة الأولى منذ أكثر من أربع سنوات، مرتفعاً من 3.2% التي كان عليها عند بداية العام، أي قبل ما يقرب من مائة يوم فقط.
وتحتاج العائلة الأميركية في المتوسط حالياً ما يقرب من 34.2% من دخلها الإجمالي لتغطية مدفوعات قرض الرهن العقاري لديها، بعد أن كانت قبل عام لا تحتاج أكثر من 29% من دخلها لنفس الغرض.
وكانت أسعار العقارات قد ارتفعت خلال العامين الأخيرين إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق بسبب تزايد طلب المشترين الراغبين في الاستفادة من معدلات الفائدة شديدة الانخفاض تاريخياً.
العريان يتوقع قيام البنك الفيدرالي برفع معدلات الفائدة على أمواله بمقدار نصف في المائة في اجتماعيه القادمين في مايو/ أيار ويونيو/ حزيران
وعلى مدار السنوات الخمس عشرة السابقة، تحمل الأفراد والشركات معدلات فائدة منخفضة جداً على قروضهم، حيث أتيح لهم شراء المنازل والسيارات والكثير من السلع الاستهلاكية والاستثمارية باستخدام قروض تقل الفائدة المطبقة عليها عن 10%، وفي كثير من الأحيان عن 7%، وكانت للشركات الرابحة اليد العليا في تحديد معدلات الفائدة المطبقة عليها في أسواق الائتمان.
ورغم تلك التغييرات التي تعد ضخمة بمقاييس أسواق الائتمان، يرى أغلب المحللين أن الأمور مازالت في بدايتها، حيث تشير التوقعات إلى المزيد من الارتفاع في العوائد ومعدلات الفائدة خلال الفترة القادمة.
وفي لقاء له يوم الخميس الماضي، مع قناة "سي إن سي بي سي" الإخبارية، المعنية بأسواق الأسهم والسندات وأخبار الاقتصاد، توقع الاقتصادي المصري الأميركي الشهير محمد العريان، قيام البنك الفيدرالي برفع معدلات الفائدة على أمواله بمقدار نصف في المائة في اجتماعيه القادمين في مايو/ أيار ويونيو/ حزيران، معتبراً أن قيادات الفيدرالي "تأخروا كثيراً في التعامل مع التضخم".
وفي حين كان ارتفاع الفائدة المطبقة على قروض الرهن العقاري، من وجهة نظر بعض المحللين، مبالغاً فيه مع التغيرات التي حدثت بالفعل في معدل الفائدة على أموال البنك الفيدرالي، كان هناك بعض القروض التي ارتفعت الفائدة المطبقة عليها بصورة أقل حدة، مثل قروض السيارات لخمس سنوات، التي لم يشهد متوسطها إلا ارتفاعاً بسيطاً من 3.86% في بداية العام إلى 4.21% مطلع الشهر الحالي.
الشركات الأقل في التصنيف، ارتفعت تكلفة اقتراضها خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من 4.2% إلى 6.3%، الأمر الذي تسبب في تراجع حجم قروضها بصورة ملحوظة
ومن ناحية أخرى، ارتفع متوسط العائد على سندات الشركات من الدرجة الاستثمارية العليا، الذي يعد المحدد الأهم لمعدل الفائدة المطبق على قروض الشركات ذات الميزانيات القوية، من 2.3% في بداية العام إلى 3.8%، رغم أن تحرك الفائدة على أموال البنك الفيدرالي لم يتجاوز ربع بالمائة، وهو ما يعكس توقعات المستثمرين لتعجيل تحركات الفائدة لأعلى خلال الفترة القادمة.
أما الشركات الأقل في التصنيف، فقد ارتفعت تكلفة اقتراضها خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من 4.2% إلى 6.3%، الأمر الذي تسبب في تراجع حجم قروضها بصورة ملحوظة.
واقترضت الشركات منخفضة التصنيف هذا العام ما يقرب من 157 مليار دولار، بانخفاض 53% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، ومثلت القروض التي أصدرتها الشركات الأميركية منخفضة التصنيف الربع الأول من العام الحالي أقل مستوى لها في أي ربع منذ نهاية عام 2019.
وحتى الآن، لم تصل فورة معدلات الفائدة الأميركية إلى بطاقات الائتمان، حيث لم ترتفع معدلات الفائدة المطبقة عليها إلا 0.1%، من 16.3% إلى 16.4%.
ويرجع ذلك بالأساس إلى قوة المنافسة بين مقدمي تلك البطاقات، الذين لا يقتصرون على البنوك أو مؤسسات التمويل المختلفة، وإنما يشمل ذلك عشرات الشركات والعلامات التجارية التي تصدر تلك البطاقات لعملائها، وتمنحهم تسهيلات كبيرة من أجل إصدارها لأكبر عدد ممكن من العملاء. وتعد بطاقات الائتمان من أهم وأكبر مصادر الربحية للبنوك، وللكثير من الشركات العاملة في الولايات المتحدة.