مأزق "أوبك" وحيرة المواطن

04 مارس 2020
العمال العرب يتضررون من تراجع أسعار النفط (فرانس برس)
+ الخط -



يتعامل كثيرون مع النفط على أنه ملف اقتصادي بحت يهم الحكومات والأنظمة فقط، خاصة في الدول العربية التي تعتمد على الخام الأسود كمورد أساسي للموازنة وتمويل النفقات العامة، مثل دول الخليج والجزائر والعراق وليبيا، وأنه لا علاقة للشعوب بتحركات أسعار النفط، صعودا وهبوطا، وبالتالي لا يعنيها مثل هذا الأمر من قريب أو بعيد.

وينظر هؤلاء إلى النفط على أنه سلعة "نخبوية" لا علاقة للمواطن بها، وأن زيادة سعر النفط تنعكس فقط على المؤشرات الاقتصادية العامة مثل الموازنة وإيرادات الدولة والميزان التجاري الذي يرصد الفارق بين الصادرات والواردات، وفي حال تراجع السعر في الدول المنتجة للنفط فإنه ينعكس سلباً على تلك المؤشرات في شكل عجز في الموازنة العامة وضغوط على الاحتياطي الأجنبي وسوق الصرف.

لكن وجهة النظر تلك تظل قاصرة، فالنفط له أبعاد عدة، سياسية واقتصادية واجتماعية، فالنفط هو الذي قاد دولاً مثل الولايات المتحدة إلى شن حروب شرسة ومتواصلة على إيران بدأت بدعم انقلاب الشاه رضا بهلوي على حكومة محمد مصدق المنتخبة في العام 1953، ولا تزال الحرب متواصلة وأحدث فصولها فرض عقوبات اقتصادية على النفط الإيراني في محاولة لوقف تصديره تماماً.

وقد أدت هذه العقوبات الأميركية إلى انعكاسات خطيرة على الاقتصاد الإيراني امتدت إلى المواطن الذي بات يعاني من قفزات في الأسعار، وتهاويا في عملته الوطنية، وتآكلا في قدرته الشرائية، وتضخما مرتفعاً.

وقاد النفط أميركا إلى احتلال العراق في العام 2003 ونهب ثرواته ونشر الفوضى به، ولا يمكن إنكار دور النفط في حرب الخليج الأولى عام 1991.

وفي وقت السلم يلعب النفط دورا مهما في حياة الناس، مثلا في حال زيادة أسعار النفط ترتفع فورا أسعار المشتقات البترولية، من بنزين وسولار وغاز ومازوت، كما ترتفع أسعار تذاكر المواصلات العامة والطيران والفنادق وغيرها، ويرتفع معدل التضخم داخل الدول المستوردة للنفط بسبب زيادة سعر الوقود، وهو ما يدفع معظم الأسر إلى ترشيد الإنفاق على السلع الكمالية والترفيه والسياحة والتسوق.

وفي حال تراجع أسعار النفط، فإن الحكومات تسارع لتضع يدها في جيب المواطن عبر اجراء زيادات في أسعار الوقود والكهرباء وخفض دعمهما لتعويض التراجع، كذلك ترشد الدول النفطية نفقاتها العامة وتقلص عدد العمالة الأجنبية فيها بحجة تخفيف الضغط على موارد النقد الأجنبي التي تتراجع في حال تهاوي سعر النفط، وهذا ما تفعله دول الخليج مع العمالة العربية والأجنبية كما حدث في العام 2016 التي تراجع سعر البرميل إلى 30 دولاراً.

ومن هنا تأتي أهمية متابعة الاجتماعات التي تعقدها منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، بالعاصمة النمساوية فيينا خلال اليومين القادمين، الخميس والجمعة، والتي تحدد اتجاهات أسعار النفط في الفترة المقبلة، علما بأن هذه الأسعار تؤثر مباشرة على حياة المواطن.

أوبك، والمتحالفين معها مثل روسيا، تجتمع هذه المرة في ظل أزمة عنيفة يعيشها الاقتصاد العالمي بسبب انتشار فيروس كورونا وما أعقبه من تراجع أسعار النفط.

كما يأتي الاجتماع مع وجود خلافات على خطة خفض الإنتاج النفطي بنحو مليون برميل يوميا التي تقترحها السعودية، أكبر منتج للنفط داخل منظمة أوبك، وذلك في محاولة للحيلولة دون انهيار الأسعار بسبب تراجع الطلب العالمي على النفط على خلفية الأزمة العنيفة التي يمر بها الاقتصاد العالمي خاصة قطاعي التصنيع والطاقة.

وخلال الأيام الماضية ظهرت بوادر الخلاف بين أكبر منتجين للنفط، السعودية وروسيا، حول خطط خفض الإنتاج للحيلولة دون انهيار الأسعار، فالرياض ترغب في خفض الإنتاج بنحو مليون برميل يوميا للحفاظ على تماسك الأسعار وعدم تهاويها، وهو ما تعارضه دول وشركات نفطية كبرى مثل روسيا.

وفي حال عدم حدوث اتفاق خلال اجتماع الغد، فإن الأسعار مرشحة للتهاوي وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات صعبة للدول المنتجة للنفط ومنها دول الخليج.

المساهمون