لا تسدوا أبواب الخير في رمضان

22 مارس 2023
حملة شرسة على جمعية رسالة لا أحد يعرف مصدرها/ فيسبوك
+ الخط -

لا أعرف إن كانت القصة المتداولة على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي حقيقية أم مختلقة ومن نسج خيال البعض، وبغض النظر عن مدى دقتها ومنطقيتها فهي بشكل عام تعد رسالة سلبية وخطيرة، بخاصة في هذه الأيام التي يقع فيها ملايين المصريين تحت سيف الجوع والفقر والعوز وتهاوي القدرة الشرائية والجيوب الفارغة والغلاء الجامح والقفزات غير المسبوقة في الأسعار.

كما تأتي في وقت حساس وخطير حيث السقوط المدوي للطبقة الوسطى التي كانت تمد يدها للفقراء والمحتاجين في شهر رمضان أو غيره من الشهور، حيث تآكلت تلك الطبقة وباتت بحاجة إلى من يساعدها.

القصة تقول إنّ شاباً تقدم لوظيفة محاسب في جمعية رسالة الشهيرة في مصر وبراتب شهري 5 آلاف جنيه، وخلال المقابلة أبلغَته الإدارة بأنّ راتبه هو 500 جنيه فقط، أي ما يزيد قليلاً عن دولار ونصف، وأنّ الجزء الأكبر من الراتب يأتي عن طريق حصيلة التبرعات التي تصل للجمعية، حيث سيحصل على نسبة 10% منها وعلى الفور، وأنّ راتبه الشهري قد يصل إلى 10 آلاف جنيه في حال زيادة التبرعات.

لبعض يهيل التراب على العمل الخيرى كاملاً، ويعيد التذكير بتصريحات قديمة منسوبة لرئيس جمعية الأورمان الخيرية حول عدم وجود فقراء في مصر

وتكمل القصة متسائلة: "تخيل أنّ المحاسب أو المحصل يأخذ 10% من تبرعك للجمعية الخيرية، وأنّ المبلغ لم يصل بعد للفقير، وأنّ هناك نسبة من التبرع توجه للمديرين، وأنّ مدير الفرع يمتلك سيارة مرسيدس آخر موديل، ماذا يتبقى إذاً للفقراء؟".

لم تقف الرواية عند هذا السيناريو بل تفرعت منها قصص أخرى فرعية، منها مثلاً ما جرى تداوله عن أنّ كلّ أموال التبرعات يجري توريدها للبنك المركزي، وأنّ ما يصل إلى الفقراء هو 20% فقط من إجمالي مبلغ التبرع، ولا أعرف ما علاقة البنك المركزي هنا بالتبرعات التي تصل لمؤسسات العمل الخيري.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وهناك رواية تزعم امتلاكها مستندات وأوراقاً مختومة تخفض النسبة التي تصل إلى الفقراء إلى 19% من المبلغ المدفوع، أما النسب الأكبر فمن نصيب الموظفين والمديرين ومجلس إدارة الجمعيات الخيرية والإعلانات ووزارة المالية ومصلحة الضرائب والبنوك المتلقية للتبرعات، وأنّ هذه البيانات حصل عليها أحدهم من قريب له يعمل في البنك المركزي!

وهناك عشرات الروايات الأخرى غير الموثقة المنتشرة على مواقع التواصل، منها مثلاً أنّ أموال جميع مؤسسات العمل الخيري تصب في صندوق تحيا مصر، وأنّ الجمعيات تهدر الأموال التي تتلقاها على أمور لا علاقة لها بالفقراء، فهي تدفع النسبة الأكبر من قيمة التبرعات ككلفة للإعلانات باهظة السعر في التلفزيون والصحف، ولا يبقى سوى الفتات للفقراء والمحتاجين، وأنّ كلفة 10 ثوانٍ من إعلانات التلفزيون تبلغ 3 ملايين جنيه، وبالتالي يجب توفير المبلغ للمحتاجين.

لا تسدوا أبواب الخير أمام هؤلاء في رمضان، ولا تهيلوا التراب على كل ما هو عمل خيري حتى لا تتساووا مع هؤلاء الذين يربطون تلك المؤسسات بالإرهاب

بل إنّ البعض يهيل التراب على العمل الخيرى كاملاً، ويعيد التذكير بتصريحات قديمة منسوبة لرئيس جمعية الأورمان الخيرية، اللواء ممدوح شعبان، والتي قال فيها في العام 2018 إنّ "الخير في مصر للركب، وإنّه يستطيع أن يؤكد أنّه لا يوجد في مصر فقير أو محتاج".

أو يعيد هؤلاء التذكير بالحملة التي قادها الكاتب وحيد حامد في العام 2016 ضد مستشفى سرطان الأطفال 57357 وكشفه حجم الفساد الضخم بالمؤسسة، بل اتهامه لمؤسسات العمل الخيري وقادتها بالفساد والتربح والإثراء غير المشروع.

بل إنّ البعض يبالغ حينما يربط بين أنشطة تلك الجمعيات وعمليات غسل أموال قذرة، وإنّها باتت بوابة سريعة للثراء الطبقي والترويج لشخصيات بعينها من دون أن يمتلك هؤلاء دليلا واحدا على تلك المزاعم الخطيرة.

أنا هنا لا أدافع عن مؤسسات العمل الخيري، وإن كان العديد منها يستحق الثناء على ما يفعل من مجهودات كبيرة للتخفيف من حدة الفقر والجوع والعشوائيات.

لكن أدافع عن العمل الخيري كقيمة إنسانية، وعن حقوق المستحقين لهذه التبرعات وهو بالملايين، فهم أحوج لمثل هذه الأموال، بخاصة في هذه الأيام الصعبة، فلا تسدوا أبواب الخير أمام هؤلاء في رمضان، ولا تهيلوا التراب على كل ما هو عمل خيري حتى لا تتساووا مع هؤلاء الذين يربطون تلك المؤسسات بالإرهاب .

لو كانت لديك شكوك ترقى إلى حد اليقين في تلك المؤسسات ابحث بنفسك عن المستحقين للصدقة والزكاة والمساعدات النقدية والعينية

لو كانت لديك شكوك ترقى إلى حد اليقين في تلك المؤسسات ابحث بنفسك عن المستحقين للصدقة والزكاة والمساعدات النقدية والعينية، ومدوا أيديكم لمن حولكم، فهم في أشد الحاجة إليكم، خاصة المتعففين أعزاء النفوس.

إذا كنت غير راغب في التطوع والتبرع ومساعدة من حولك وعمل الخير، حسناً لا تتبرع، هذا قرارك أنت حر فيه، لكن في المقابل لا تدفع من حولك نحو ممارسة سلوكك السلبي والعدواني نحو ملايين الفقراء، أو الهجوم على مؤسسات العمل الخيري وتشويهها بلا دليل.

المساهمون