أعادت الاحتجاجات، التي شهدتها مدينة الفنيدق شمالي المغرب مساء الجمعة الماضي، قضية من يعرفون بـ"أصحاب التهريب المعيشي" إلى الواجهة من جديد، بعد أن ضيقت تداعيات جائحة فيروس كورونا الخناق بشكل أكبر على أنشطتهم، بينما كانت السلطات المغربية قد اتخذت بالأساس قبل نحو عامين تدابير لمحاصرة التهريب الذي كان ملاذاً للعديد من المحسوبين على البطالة.
ويشكو المتضررون من وقف التهريب من تأخر توفير البدائل التي تعينهم على العيش، بينما وعدت الحكومة باستحداث منطقة صناعية لاستيعاب العاملين في الفنيدق، وطرح مبادرات لتشجيع المقاولات، وتحفيز دخول النساء والشباب إلى سوق العمل.
وجاء الوعد الحكومي في أعقاب قرار تحويل التخليص الجمركي للسلع من معبر مدينة مليلية، التي يعتبرها المغرب محتلة من إسبانيا، إلى ميناء بني نصار في 2018، وإغلاق معبري سبتة ومليلية أمام المهربين، وهو ما أشار إليه مدير الجمارك والضرائب غير المباشرة نبيل لخضر في وقت سابق، قائلاً إن المغرب كان أمام خيارين: إما "غض الطرف عن التهريب وهدم فرص العمل في المغرب، أو مواجهة تلك الظاهرة".
كما قال أحمد الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في تصريحات سابقة، إن إغلاق معبري سبتة ومليلية أمام التهريب يندرج ضمن منطق سيادي، ما دام ذلك النشاط يؤثر على القطاع الرسمي ويكرس الغش الضريبي، ويؤجج الهشاشة في المناطق التي ترتهن له، غير أنه دعا إلى أهمية العمل على تنمية تلك المناطق.
لكن تداعيات جائحة كورونا جاءت لتزيد الضغط على العاملين في ما يعرف بالتهريب المعيشي، الذي يعتمد عليه الآلاف في توفير مصدر رزق بمناطق الشمال، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات نهاية الأسبوع الماضي.
وقدرت قيمة السلع المهربة عبر سبتة ومليلية، حسب مديرية الجمارك والضرائب غير المباشرة، بين 1.5 مليار دولار وملياري دولار، بينما وصلت الخسارة الجبائية بالنسبة لخزينة الدولة جراء ذلك النشاط إلى ما بين 400 و500 مليون دولار.
وتكشف البيانات الصادرة عن تلك الإدارة عن دخول 800 طن من البضائع في المتوسط كل يوم عبر كل معبر، ليصبح المجموع 1600 طن يومياً لسبتة ومليلية معاً، حسب ما لاحظه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
وتذهب إيرادات السلع التي كانت تدخل من سبتة ومليلية، مثل التبغ والمنتجات الغذائية والمشروبات الكحولية وقطع غيار المركبات والأجهزة الإلكترونية والألبسة والمنسوجات، إلى الموردين الإسبان واللوبيات التي تعمل معهم في المغرب، بينما يتم استغلال الحمالين والحمالات مقابل أجر يومي.
ويرى رئيس الفيدرالية المغربية لحماية المستهلك بوعزة الخراطي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن قرار منع دخول السلع المهربة إلى المغرب مفيد للمستهلك بالنظر إلى المخاطر التي يمكن أن يشكلها ذلك على صحته، ما دامت تفلت من المراقبة من أجل التأكد من موافقتها المعايير الصحية الواجبة، غير أنه يشدد على ضرورة أن يواكب منع التهريب رؤية تفضي إلى إيجاد بدائل للعاملين في التهريب، الذين دفعتهم الحاجة إلى ذلك النشاط.
في المقابل، يقر توفيق فرتوح، المسؤول عن متجر للألبسة في الدار البيضاء، بأن تراجع التهريب عبر سبتة ومليلية ساهم في رفع الأسعار في السوق المحلية، غير أنه قال إن ذلك ساعد على منح فرصة للمنتجين المحليين كي يستفيدوا من تراجع منافسة تلك السلع، خاصة أن إغلاق ذلك تزامن مع رفع الرسوم الجمركية على الصادرات التركية من النسيج والألبسة.
ويقول فرتوح إن تراجع تدفق السلع المهربة لم يقتصر على النسيج والألبسة، بل شمل أيضا أصناف السلع الأخرى مثل الأغذية، مؤكدا أن المعروض من تلك السلع تراجع في الفترة الأخيرة، خاصة أن تدابير الحجر الصحي وتشديد المراقبة على الحدود ساهمت في تراجع التهريب.
غير أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ذكر في تقرير له أخيراً أن "التهريب شكل منذ عدة سنوات الملاذ الوحيد للهروب من البطالة لشرئح واسعة من سكان المناطق الحدودية، في ظل انعدام بدائل حقيقية للفرص الاقتصادية وعروض الشغل"، بينما أكد في المقابل أن ذلك النشاط كان يضر بالفاعلين في القطاع الرسمي بالمغرب، خاصة في صناعة السلع الغذائية والنسيج والألبسة.
ويعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن التقديرات تشير إلى عبور ما بين 4500 و8000 من ممتهني وممتهنات التهريب نقطتي عبور سبتة يوميا، بينما يجتاز معابر مليلية كل يوم ما بين 8300 و9000 شخص.
ويرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن التسامح مع التهريب لم يفضِ سوى إلى حجب التأخر في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المحاذية لسبتة ومليلية المحتلتين، اللتين تعتبران من بين "مدن المستودعات"، التي تستفيد من وضعيتها كميناء حر لتكون بمثابة فضاء لتخزين البضائع المستوردة منخفضة الثمن، ما يجعلها أكثر تنافسية مقارنة بالمنتجات المغربية، حسب المجلس.