كشف حساب الاقتصاد في الانتخابات الأميركية

26 يونيو 2024
حملة نائبة الرئيس الأميركي، كمالا هاريس لكسب أصوات النساء/24 يونيو 2024(كيفن دايتش/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مناظرة تاريخية بين بايدن وترامب تسلط الضوء على القضايا الاقتصادية كالتضخم وخلق الوظائف، مع توقعات بأن هذه القضايا ستحدد مسار الانتخابات القادمة.
- الطرفان يتبادلان الادعاءات حول الأداء الاقتصادي، مع تركيز ترامب على التضخم وبايدن على خلق فرص العمل، كلٌ يبرز إنجازاته ويقلل من إخفاقاته.
- الديون الأميركية والسياسات الاقتصادية تبرز كنقاط رئيسية في الحملات، مع تخفيضات ضرائب ترامب وجهود بايدن لتخفيف الديون الطلابية كجزء من استراتيجياتهما.

يلتقي الرئيس الأميركي جو بايدن منافسه المحتمل الجمهوري والرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يوم الخميس في مناظرة ستكون الأولى، وجهاً لوجه، بين المتنافسين، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2020، عندما التقيا في المناظرة الأخيرة في الانتخابات الرئاسية السابقة في ناشفيل بولاية تينيسي، قبل أن يحسم بايدن السباق لصالحه.

ورغم الانقسامات الكبيرة التي تسيطر على الناخبين، قبل أقل من خمسة أشهر على موعد الانتخابات، تشير التوقعات إلى أن القضايا الاقتصادية، وفي مقدمتها التضخم وخلق الوظائف وإنتاج النفط والديون، سيكون لها الكلمة العليا في حسم النسبة الكبرى من أصوات الناخبين، وهو ما يتوقع أن يظهر في اللقاء المنتظر هذا الأسبوع. 

ويمثل معدل التضخم القضية الاقتصادية المركزية لحملة الحزبين وممثليهما، وقد أدت أهمية الموضوع إلى إطلاق ادعاءات كاذبة من كلا الجانبين. وفي حين يتمتع ترامب بميزة واضحة في هذه القضية، إلا أنه أطلق في أكثر من مناسبة تصريحات لا تبدو قريبة من الواقع، إذ نقلت وسائل إعلام عنه في مرة قوله إن التضخم "يستنزف ما بين 30% إلى 50% من كلّ دولار يملكه المواطن". وعلى الجانب الآخر، يميل بايدن إلى التمسك بالحقائق، لكنه يقدم في بعض الأحيان مبالغاته الخاصة. وفي مقابلة أجريت معه مؤخراً، كرر ادعاءً كاذباً بأن التضخم "كان عند مستوى 9% عندما وصل إلى البيت الأبيض". 

ولا شك أن كلا الادعاءين خاطئان، إذ بلغ ارتفاع الأسعار حتى الآن ما يقرب من 20% إجمالاً منذ أن أدى بايدن اليمين الدستورية. ومن أجل المقارنة، ارتفعت الأسعار بما يقل قليلا عن 7.8% خلال السنوات الأربع التي قضاها ترامب في الرئاسة. وكان معدل التضخم على أساس سنوي عندما تولى بايدن منصبه 1.4%، وليس 9%، قبل أن يرتفع إلى 9.1% في يونيو/حزيران 2022. وسجل معدل التضخم الحالي على أساس سنوي معدل 3.3% في مايو/أيار، بانخفاض طفيف عن معدل 3.4% الذي تم تسجيله في الشهر السابق.

ويأتي خلق فرص العمل قضيةً أخرى في قلب المناظرات الاقتصادية خلال الفترة المتبقية قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية، فقد شهدت سوق العمل رحلة شديدة التقلب خلال السنوات الأخيرة. وتشير إحصاءات مكتب العمل الأميركي إلى أن الاقتصاد الأميركي أضاف وظائف بشكل مطرد خلال السنوات الثلاث الأولى من إدارة ترامب، فيما اعتبر استمرارًا للاتجاه الذي شهدناه في عهد باراك أوباما، سلف ترامب المباشر. 

لكن في العام الأخير لترامب في البيت الأبيض (2020)، واجهت سوق العمل الأميركية اضطرابات شديدة خلال فترة ظهور وانتشار جائحة كوفيد-19، حين أغلق الاقتصاد، وفُقدت أكثر من 20 مليون وظيفة في شهر واحد. بعد ذلك بدأت السوق في التعافي، واستمر ذلك لفترة طويلة، بالتزامن مع وصول بايدن للبيت الأبيض، وإشرافه من ثم على آليات تلك العملية. ويشهد الاقتصاد الأميركي حالياً انتعاش الوظائف على نحو تجاوز مستويات ما قبل كوفيد-19، إذ سجلت الوظائف المضافة أعلى مستوياتها على الإطلاق. 

وكما حدث في الفترة التي سبقت كل انتخابات للرئاسة خلال العقود الثلاثة الأخيرة على أقل تقدير، كانت الطاقة قضية أخرى تسيطر على أدمغة الناخبين هذا العام، فقد اعتاد ترامب القول إن بايدن "سحق" صناعة النفط، ويعد الجمهوري بجعلها أولوية اليوم الأول إذا فاز. ويرى موقع ياهو فاينانس أن قصة إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة على مدى السنوات الثماني الماضية ليست بهذه البساطة، إذ تنتج الولايات المتحدة حاليًا كميات من النفط أكبر من أي دولة أخرى في التاريخ، وهو ما قد يلقي بظلاله غير المريحة لكل من ترامب وبايدن.

فبالنسبة لترامب، يتعارض هذا مع ادعائه المتكرر بأن الولايات المتحدة في عهد بايدن "أنهت التنقيب عن النفط وإنتاجه"، خاصة وأن الأرقام تظهر أن الأخير قد منح تصاريح للتنقيب عن النفط بأعداد تفوق ما فعله سلفه. أما بالنسبة لبايدن، فإن زيادة إنتاج النفط خلال فترة رئاسته لن تجد صدىً محموداً من داعميه، الذين يشكل المهتمون بالبيئة نسبة لا يمكن إغفالها منهم. وتأتي الديون الأميركية المتضخمة في مرتبة متقدمة أيضاً ضمن القضايا الاقتصادية التي يتوقع لها أن تشعل سباق الانتخابات، فقد دفع كلٌّ من المتنافسين "الحدود المستخدمة من بطاقة الائتمان الأميركية إلى آفاق جديدة. وارتفع الدين بنحو 8 تريليونات دولار خلال فترة وجود ترامب في البيت الأبيض، بينما أضاف بايدن 6.4 تريليون دولار أخرى حتى الآن.

وفي الإجمال، تضخم الدين الوطني الأميركي بما يتجاوز 70% على مدى الأعوام السبعة ونصف الماضية، وهو الرقم القياسي الذي كان محبطاً بعض الشيء بالنسبة لصقور وضع الميزانية داخل الكونغرس الأميركي، رغم التسليم بأن العديد من الرؤساء السابقين كان لهم دور أيضاً في ارتفاع عجز الموازنة الأميركية.

وكانت تخفيضات ترامب الضريبية لعام 2017، والتي تعهد بتجديدها إذا فاز، قرارا باهظ التكلفة للإدارة الأميركية، إذ تظهر الحسابات أن تكلفته لم يتم الانتهاء من سدادها حتى الآن، بينما يستمر العجز السنوي في تسجيل أعلى مستوياته على الإطلاق. وعلى الجانب الآخر، كانت بعض التحركات في عهد بايدن، كالجهود المبذولة لإعفاء الطلاب من ديونهم الفيدرالية، وأيضاً خطة إنقاذ أميركا لعام 2021، مساهما واضحا في ارتفاع العجز، ومن ثم المديونية، في عهده. وأشرف بايدن على انخفاض العجز السنوي في السنوات الأخيرة، مع انتهاء صلاحية جزء كبير من الإنفاق المرتبط بالجائحة، لكن الدين الأساسي استمر في الارتفاع، حتى أن الفوائد المدفوعة على الديون الأميركية تجاوزت ميزانية الدفاع الأميركية العملاقة مؤخرًا. 

كل هذه القضايا تؤكد أن كلا المتسابقين له إيجابيات وسلبيات في أغلب القضايا الاقتصادية، إلا أن الصورة العامة لدى الناخب الأميركي تميل لتفضيل عودة ترامب إلى البيت الأبيض. فهل ينجح بايدن في إنقاذ ما يمكن إنقاذه خلال الفترة المتبقية؟ أشك في ذلك!

المساهمون