"كسر الذهب" ملاذ المصريين للحفاظ على مدخراتهم

05 مايو 2023
إقبال على شراء المعدن الأصفر رغم ارتفاع أسعاره (Getty)
+ الخط -

لم يعد الاحتفاظ بالمدخرات في صورتها الأصلية كأموال بالعملة المحلية، خيارًا مقبولًا أمام المصريين، ولجأ الكثير من المواطنين إلى البحث عن ملاذات ادخارية بديلة حيث تشهد الفترة الراهنة توجه العديد من المواطنين إلى شراء ما يعرف بـ"كسر الذهب"، خاصة ممن يعتبرون أن المعدن الأصفر مخزن للقيمة وملاذ آمن مع كل ارتفاع لمعدلات التضخم أو توقع انخفاض لسعر صرف الجنيه.

ورصدت "العربي الجديد" على غير المعتاد في محال الصاغة والمجوهرات، تهافت العديد من المواطنين المصريين على شراء "كسر الذهب"، وهو التالف والمكسور والمحروق من الذهب المستعمل غير الصالح للبس والزينة، والذي يبيعه التجار وأصحاب محال بيع المشغولات الذهبية بأسعار غرامات الذهب فقط، بدون إضافة تكاليف المصنعية والضريبة والدمغة وبعيدا عن التقلبات المتتالية في سعر أسواق الصرف.

ويقول أحد الزبائن في محل مجوهرات في شارع فرنسا بوسط الإسكندرية شمالي مصر، أشرف عبد التواب، لـ"العربي الجديد" إنه حصل على مكافأة نهاية الخدمة بعد خروجه على المعاش، ليقرر الحفاظ عليها لإنفاقها على زواج ابنته المقرر إتمامه بعد عام ونصف العام، إلا أن ارتفاع أسعار جميع السلع بشكل شبه يومي أرقه ودفعه للبحث عن ملاذ آمن لأمواله.

وأضاف: فوائد البنوك متغيرة وقد لا تتناسب مع انخفاض قيمة الجنيه وسرعة وتيرة ارتفاع الأسعار، وشراء الدولارات ممنوع قانونًا ويعرض صاحبه لاحتمالية ضبطه والتحفظ على ما معه من أموال، فليس أمامي إلا شراء الذهب.

وتابع: مشكلة الذهب هي دفع مبلغ كبير للمصنعية والضريبة والدمغة بخلاف السعر الأصلي لغرامات الذهب، وهو ما تمكنت من التحايل عليه عبر شراء الذهب الكسر، وفقًا لنصيحة تلقيتها من صائغ عجوز تتعامل معه عائلتي منذ عشرات السنين.

والتقط أحد زبائن محل المجوهرات، محروس سعد، أطراف الحديث، مؤكدًا أن البحث عن كسر الذهب ليس سهلًا، لأنه غير متوفر عند كل المحال ولا في كل الأوقات، ويضطر المشترون للهث وراءه ومسابقة الزمن للعثور عليه، إلا أنه يظل حلًا مثاليًا يستحق عناء البحث.

وأوضح: تصريحات المسؤولين بأن سعر الذهب غير عادل وأنه سيشهد انخفاضًا في المستقبل، تجعل من شرائه للادخار "مقامرة" غير مأمونة العواقب، ويدفعنا للبحث عن سبيل لتقليل مخاطر تلك المقامرة قدر الإمكان، عبر البحث عن "الذهب الكسر" والذي لا ندفع فيه إلا سعر غرامات الذهب وحدها بدون مصنعية أو ضرائب.

وهو ما أكده أيضًا صاحب أحد أكبر محال الذهب، حسام العاصي، مؤضحًا أن الذهب الكسر لا يكون متوافرًا طوال الوقت، بسبب تضاعف حجم الإقبال على شرائه، كما أن توافره يرتبط بإعادة بيع الزبائن له للمحال أو استبداله بعد تعرضه للتلف بسبب كسره أو تعرضه لمصدر نار، وهي أمور نادرة الحدوث وهو الأمر الذي يفسر أيضا عدم توافر المصوغات الذهبية التي يشتريها التجار ثم يعيدون تشكيلها من جديد لطرحها في الأسواق.

وأشار العاصي إلى أن ارتفاع أسعار الذهب في مصر غير مبرر ولا يتناسب مع الأسعار العالمية، لذلك يتخوف المقبلون على الشراء من معاودة انخفاض الأسعار مرة أخرى، بعد إتمام الشراء بالأسعار المرتفعة ومعها تكاليف "المصنعية والضريبة والدمغة"، لذلك يعتبر بيع الذهب الكسر مفيدا للطرفين البائع والمشتري.

وكانت أسعار الذهب في مصر استهلت تعاملاتها خلال 2023 وتحديدًا في الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي مسجلة 1675 جنيهًا للغرام عيار 21 "وهو الأكثر انتشارًا في مصر"، ليتواصل ارتفاعه، ويصل لـ2750 جنيهًا حاليا.

ويرى متخصصون في الاقتصاد أن الاحتفاظ بالمدخرات في صورتها الأصلية كأموال بالعملة المحلية، لم يعد خيارًا مقبولًا أمام المصريين، بسبب انخفاض قيمتها بشكل متواصل ومُرشح للاستمرار خلال الفترة المقبلة، مع زيادة المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 39.5% في مارس/ آذار الماضي وعجز شهادات الادخار الحالية عن تغطيته، وهو ما يدفعهم إلى البحث عن ملاذ آمن لقيمة مدخراتهم، وذلك عبر عدة طرق ومنها شراء العقارات؛ أو العملات الأجنبية وبخاصة الدولار؛ أو الذهب.

وأكد المختصون أن توجه جزء كبير من مدخرات المواطنين لشراء الذهب، لأنه الوعاء البديل لحفظ القيمة، بسبب ارتفاع أسعار العقارات من جانب، ومنع الدولة تعامل المواطنين بالعملات الأجنبية خارج الإطار البنكي من الجانب الآخر.

ويقول عضو شعبة الذهب بغرفة القاهرة التجارية بالاتحاد العام للغرف التجارية، نادي نجيب، في تصريحات صحافية: نواجه مشكلة في أن هناك ضغطا على خام الذهب ويوجد طلبات كبيرة عليه، وأيضًا لا يوجد استيراد ويلجأ البعض لشراء الذهب الخام غير المحمل بضريبة القيمة المضافة والدمغة والمصنعية لمن يرغب في الادخار والاستثمار، وهو ما يتحقق بشراء الذهب الكسر أو المستعمل لأنه غير محمل بالأعباء ويمكن أن يحقق أرباحًا وفيرة في المستقبل القريب.

وناشد مستشار وزير التموين لشؤون صناعة الذهب، ناجي فرج، المواطنين خلال تصريحات صحافية، بالتريث وعدم الشراء خلال الفترة الحالية؛ حتى تستقر الأسواق، وتوجيه استثماراتهم إلى الشهادات البنكية ذات العائد المرتفع لمواجهة حالة التضخم.

المساهمون