المصارف تواصل إغلاق أبوابها لليوم الخامس بكابول وتأجيل صرف الرواتب

20 اغسطس 2021
معظم المتاجر مغلقة والأسعار تواصل الارتفاع (Getty)
+ الخط -

تتواصل الفوضى في أسواق كابول وسط غياب إدارة مالية أو مصارف أو سيولة نقدية أو مرجعيات لتحديد أسعار السلع وأسعار الصرف للعملة الأفغانية "أفغاني" مقابل الدولار. وزاد من تعقيد المشهد اندلاع أزمة وقود حادة واختفاء السيولة بالنقد الأجنبي واستمرار إغلاق وحدات القطاع المصرفي أبوابها أمام المتعاملين.

وكانت نقابة البنوك الأفغانية قد وعدت بمعاودة البنوك نشاطها يوم الأربعاء، لكن ذلك لم يحدث بسبب عدم تشكيل الحكومة وترتيب انتقال السلطة في أفغانستان. ووفق توقعات مصرفيين فإن البنوك ربما لن تفتح أبوابها ولن تعود الأوضاع المالية إلى سابق عهدها بالعاصمة كابول في القريب العاجل، وهو ما يزيد من الخوف والقلق لدى جميع المواطنين بمختلف شرائحهم من التجار والصرافين والعمال وموظفي الحكومة.

في هذا الصدد، يقول محمد ضمير، أحد التجار في العاصمة الأفغانية كابول، لـ"العربي الجديد": "كنا نتوقع أن تفتح البنوك أبوابها، وتبدأ ممارسة الأعمال المالية ولو بشكل غير طبيعي، لكن ما حصل أن البنوك ما تزال مغلقة، والغموض يحيط بالوضع المالي بشكل عام، لقد بقيت كل أموالي في البنك، لم أخرج منها سوى ما كنت أحتاج إليه من أجل أمور المنزل، لأننا لم نكن نتوقع أن تسقط الحكومة أمام طالبان بهذه السرعة، لكن مع الأسف حصل ما حصل، وبقينا في حالة من الطيش والحيرة، لا نعرف ماذا سيحصل، وكيف سيكون الوضع بعد أن نفتح مكاتبنا التجارية.

ويضيف ضمير أنه مع مرور الأيام واستمرار الوضع على ما هو عليه يزيد القلق والخوف لدى الجميع والوضع المالي يتفاقم، لذا نحن نطلب من حركة طالبان أولاً ومن الولايات المتحدة الأميركية ثانيا، احتواء هذه الأزمة في أقرب فرصة، لأن ما حصل أثر على جميع المناحي المالية في أفغانستان سواء كان ذلك في المتاجر أو سوق الصيرفة أو عملية الاستيراد من الخارج، مشيراً إلى أن بعض الناس يستغلون في الوقت نفسه هذه الفرصة لإخراج أموالهم من البلاد وللحصول على أموال المواطنين، تحديداً من خلال الأسواق العامة وتوفير الاحتياجات بأسعار باهظة.

وبالإشارة إلى حركة متاجر السلع والتسوق، بدأت حركة طالبان منذ يومين تنشر منشورات يتم من خلالها تحديد الأسعار للسلع الضرورية في بعض المناطق وتطلب من المواطنين والتجار الالتزام بها.

وعلى الرغم من أن تجارا مراقبين يرون أنها خطوة جيدة، لكنهم يؤكدون أنها ليست في التوقيت المناسب وليست في محلها، حيث إن طالبان لا تستطيع أن ترغم التجار على الالتزام بأسعار معينة وقيمة الدولار غير ثابتة، وعملية استيراد الاحتياجات الأولية متوقفة، علاوة على توقف المعاملات المالية برمتها.

في هذا الصدد، يقول أحد التجار ويدعى صبور خان لـ"العربي الجديد"، إن طالبان يمكنها أن تفعل كل ذلك وتمارس الضغط على التجار من أجل ضبط الأسعار، لكن بعد أن تهيئ لهم الظروف المناسبة للتجارة، لكن إرغام التجار على الالتزام بأسعار معينة في هذه الظروف أمر غير معقول.

ويمتد القلق أيضاً إلى العاملين والموظفين في البنوك مع أمل عودة الأمور إلى مجراها، وتقول زرمينه ولي، الموظفة في مصرف "عزيزي بنك" بحي "شهر نو" وسط كابول: "كان من المفترض أن تفتح البنوك أبوابها يوم الأربعاء وكنا نتوقع ذلك، وننتظر بفارغ الصبر أن نعود إلى العمل من أجل أن نعرف إن كانت طالبان تسمح للنساء بمزاولة العمل في البنوك، كذا لتبدأ الأمور المالية ولو بصورة غير طبيعية، لكن لا ندري ماذا يحدث لوظائفنا ولمستقبلنا، خاصة ومستقبل توظيف النساء بعد سيطرة طالبان على العاصمة".

ومع تفاقم القلق في الأوساط المالية يرى الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي محمد كامران، أن الأمور المالية كلها مرتبطة بالمستقل السياسي لأفغانستان ومدى إمكانية تعامل طالبان مع المجتمع الدولي، (أميركا تحديداً) وتعاملها مع حركة طالبان.

وتسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى الوصول إلى حل مع طالبان وتفرض عليها شروطها، وتحديداً الشروط المتعلقة بحقوق المرأة وحرية الإعلام وغيرها.

وأشار كامران إلى أن الطرفين، طالبان وأميركا، إذا توصلا إلى حل بهذا الخصوص فسيستقر الوضع المالي بشكل سريع، وإذا، لا سمح الله استمرت الخلافات بين الطرفين ولم تعترف أميركا والمجتمع الدولي بحكومة طالبان، فإن المخاطر ستهدد كل شيء بالبلاد، لا سيما الأوضاع المالية.

يشير محمد كامران إلى أن احتياطي البنك المركزي الأفغاني والذي يصل إلى 9 مليارات دولار هو بيد أميركا والبنك الفيدرالي الأميركي ولن تسمح لطالبان بالوصول إليه دون التوافق معها. ومادام ذلك المبلغ بيد أميركا علينا أن لا نتوقع عودة الأوضاع إلى طبيعتها، موكداً أن البنوك حتى لو فتحت أبوابها دون الوصول إلى توافق بين طالبان وأميركا، فلا جدوى من فتحها لأن البنك المركزي يعتمد على الاحتياطي الموضوعع في الولايات المتحدة.

عدم صرف الرواتب

من دواعي القلق الأخرى في البلاد أن الحكومة الأفغانية لم تصرف رواتب الموظفين للشهر الماضي، ولا يتوقع أن تصرف رواتبهم في نهاية أغسطس/ آب الجاري. وبالتالي ثمة قلق كبير لدى الموظفين، تحديداً الذين يعملون في المؤسسات الأمنية. وحتى الآن أعلنت حركة طالبان العفو عنهم، ولكن السؤال يدور حول مستقبل وظائفهم ومرتباتهم.

في هذا الشأن، يقول أحمد زبير أحد الأساتذة في أكاديمية الجنرال فهيم العسكرية، لـ"العربي الجديد"، إننا بقينا في تيه، لم تدفع لنا الحكومة رواتب الشهر الماضي، وربما لن تدفع رواتبنا كذلك في هذا الشهر، كما لا نعرف كيف ستتعامل طالبان معنا في المستقبل. وبالتالي فهنالك ارتباك في كابول وأسواقها ومستقبل الوظائف والمرتبات، وأنعكس ذلك على حياة المواطنين سريعاً، في وقت تدهورت فيه قيمة العملة الأفغانية مقابل الدولار.

وحتى الآن من الصعب تحديد سعر عملي للعملة الأفغانية "الأفغاني"، كما لا توجد بالبلاد جهة رسمية مثل البنك المركزي، أو سوق الصرافين يعتمد عليها في تحديد سعر الصرف في كابول. وخرج أمس الخميس عدد قليل من الصرافين إلى شوارع كابول ولكن هنالك فوضى في تحديد سعر "الأفغاني" مقابل الدولار.

وبالتالي يقرر من شاء كيف شاء. مع العلم بأن عددا قليلا من الصرافين المتجولين خرجوا اليوم إلى شوارع العاصمة لتغيير العملات.

قلق في سوق الصرافة

معروف أن تحويل الأموال في أفغانستان منذ القدم يتم عبر محلات الصرافة؛ إذ إن البنوك التجارية في أفغانستان تأسست بعد عام 2001، وبالتالي كانت عملية تبادل الأسعار وتحويل المال من مكان إلى آخر تتم عبر الصرافين وكانت الشركات بمثابة البنوك في حركة الأموال.

  ووضعت حكومة أشرف غني آلية عمل لعملية الصيرفة في أفغانستان لتنظيم عمل الصرافين ووضعهم تحت رقابة البنك المركزي، ولكن أصحاب شركات الصرافة رفضوا ذلك ونظموا احتجاجات وإضرابات عن العمل خلال الفترة الماضية، وهو ما اضطر الحكومة إلى تلبية مطالبهم والتخلي عن عمليات تنظيم الصرافة. ولهم الآن سوق كبير في العاصمة يسمى سوق سراي شهزاده.

وعندما دخلت طالبان إلى كابول كانت مستعدة لأن تتولى أمن ذلك السوق، وكانت "قوات النخبة" في الحركة المخولة بأمن القصر الرئاسي والسفارات الأجنبية مخولة بحماية هذا السوق. وأعلنت الحركة حينها أنها قامت بجميع الاستعدادات لأن يباشر الصرافون عملهم، ولكن ذلك لم يحدث.

وقررت نقابة الصرافين عدم فتح السوق لدواع أمنية، ولأن الوضع المالي غير مستقر قبل الوصول لتوافق على حكومة انتقالية وقبل أن تتضح الأمور بشأن المشهد السياسي في البلاد وترتيبات علاقة طالبان بالمجتمع الدولي.

وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من الصرافين وهم أصحاب الأموال الضخمة في البلاد غادروا أفغانستان إلى دول خارجية مثل الإمارات، وتركيا، وباكستان، وأوزبكستان، وطاجكستان، وبعضهم قد أخرج معه أمواله بصورة أو أخرى، وهم يراقبون الآن ما سيحصل للبلاد بعد استيلاء طالبان على كابول، وبعدها سيقررون العودة إلى البلاد أو البقاء هناك.

المساهمون