فرحة التلاميذ بعودة المدارس والجامعات، تحولت إلى كابوس يلاحق الأسر المصرية، في ظل موجات غلاء متصاعدة، على مدار الأشهر الماضية، وزيادة كلفة رسوم التعليم، وطلب جامعات من الطلبة سداد جزء من الرسوم بالدولار أو الجنيه الإسترليني.
تضاعفت أسعار السلع والأدوات المدرسية، واكبتها زيادة هائلة في قيمة الكتب الأجنبية التي تحولت إلى ثقافة شعبية، لا يمكن استغناء التلاميذ عن وجودها، بينما تتراجع قدرة الحكومة على التدخل بحسم موجات الغلاء في ظل تدهور مستمر في قيمة الجنيه وشح الدولار، واستيراد 90% من مستلزمات الأدوات المكتبية من الخارج، وارتفاع تكاليف البدائل المحلية، وانهيار قيمة الدخل.
بدأت أزمة الأسر مع مصروفات مستلزمات المدارس، مطلع أغسطس/آب الجاري عندما قرر رضا حجازي وزير التربية والتعليم بدء العام الدراسي الجديد في 30 سبتمبر/أيلول المقبل، لمدة 35 أسبوعاً، حيث من المقرر أن ينتظم في الدراسة 23 مليون تلميذ في 60 ألف مدرسة، سبقهم نحو 100 ألف طالب من الملحقين بالمدارس الدولية، التي بدأت أعمالها في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري.
وبينما لم تنته معاناة الأسر من تكاليف موسم دارسي انتهى منذ أسابيع، حتى وجدت نفسها في مواجهة عام دارسي جديد، لم تظهر فيه أي مبادرات حكومية، اعتادت الوزارات والغرف التجارية، المشاركة بها، لبيع الأدوات المدرسية، بأسعار مخفضة.
في جولة لـ"العربي الجديد" في أسواق وسط القاهرة، جرى رصد ارتفاع هائل في أسعار الأقلام والكتب والحقائب، مع غلاء كبير في أسعار الكتب الأجنبية.
وتباع الحقائب المدرسية المحلية في أسواق الموسكي والعتبة وسط العاصمة، ما بين 250 إلى 300 جنيه، للفئات الشعبية ومن 400 إلى 650 جنيها للمتوسطة، ترتفع من 1200 إلى 3000 جنيه (بين 39 و97 دولارا)، للحقائب المدرسية المستوردة، المعروضة بالمراكز التجارية عدا ما بداخلها من مكونات تشمل حقائب السندوتشات ومبردات المياه الصغيرة.
وزادت أسعار الكتب الأجنبية، بمعدلات تتراوح بين 40% و50% عن العام الماضي، حيث تصاعدت أسعار كتب طلاب المدارس الإعدادية والثانوية على سبيل المثال، حسب نوع المادة ولغة الدراسة، ليصل متوسط سعر الكتاب إلى 400 جنيه (13 دولارا)، بينما المذكرات الملخصة المباعة في مراكز الدروس الخصوصية تبلغ 250 جنيها.
وتختلف أسعار الكتب وفقا لنوعية الورق والأغلفة وعدد الألوان المستخدمة في الطباعة، وجهة النشر، ومدى التزامها باسترجاع الكتب غير المباعة، في نهاية الفصل الدراسي.
رصدت "العربي الجديد" انتشار مبادرات لتبادل الكتب الدراسية والأجنبية القديمة على وسائل التواصل الاجتماعي، شارك بها أولياء الأمور المتلهفين على خفض التكاليف بأي وسيلة.
يقود المبادرات شباب من خريجي الجامعات، بالمحافظات تستهدف أغلبها توفير الكتب مجاناً، للطلاب غير القادرين على تحمل أعباء الشراء، وبأسعار رمزية لغيرهم أو تبادل الكتب بين طلاب المراحل المختلفة، بما يتيح لمن يعطي كتاباً الحصول على كتاب مقابله في المراحل التالية لدراسته.
كما تنشر المبادرات أسعار الكتب القديمة المعروضة للبيع بسور الأزبكية للكتب المستعملة في ميدان العتبة وسط القاهرة، والذي يشهد زيادة ملحوظة في معدلات الشراء، هذا الموسم، مدفوعاً بإعلان وزارة التعليم عدم تعديل المناهج الدراسية عما كان سائداً العام الماضي.
ولجأت بعض المكتبات الخاصة في الأقاليم إلى تقسيط قيمة الكتب الدراسية، لتسهيل عمليات البيع، مع قبول ضمانات شخصية من ولي الأمر لسداد مستحقات المكتبة على فترة تتراوح ما بين 4 إلى 6 أشهر.
تعزو شعبة الأدوات المكتبية في الغرفة التجارية بالقاهرة، زيادة أسعار الكتب إلى ارتفاع سعر طن الورق، من 15 ألف جنيه عام 2022، إلى 39 ألف جنيه خلال الموسم الحالي.
يقول عضو في الشعبة طلب عدم ذكر اسمه أن تدهور قيمة الجنيه أمام الدولار، من مستوى 22 جنيها في نفس الفترة العام الماضي إلى نحو 42 جنيهاً في عقود المشتريات بين التجار حالياً، وراء قفزات الأسعار، مؤكدين أن أسعار منتجات الورق تراجعت عالمياً منذ بداية العام الجاري.
يضيف أن ارتفاع تكاليف المطابع والأحبار وقطع الغيار، مع نقص الواردات لمستلزمات التشغيل التي تأتي من الخارج، لا يترك للناشر سوى أرباح زهيدة من سعر الكتاب والأدوات المكتبية.
ويشير تاجر أدوات مكتبية وكتب خارجية، في منطقة الفجالة القريبة من ميدان رمسيس وسط القاهرة، والتي تعد المصدر الأول لتلك المبيعات لأنحاء الجمهورية، في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى معاناة الموردين للورق والأدوات المدرسية، في تدبير الدولار، اللازم لتمويل صفقات الشراء من الخارج.
ويقول التاجر إن 90% من خامات الكتب وأدوات المدارس مستوردة من الخارج، مؤكدا أن الشركات الأجنبية الموردة من الأسواق الرئيسية كالصين وماليزيا وإندونيسيا وفيتنام، تفرض على الموردين تسليم 50% من قيمة الصفقات مقدماً، بما يضع التجار في مأزق تدبير العملة بكامل أو بأكثرية قيمة الصفقة.
يوضح التاجر الذي رفض ذكر اسمه أن هذه الضغوط تدفع الموردين إلى شراء الدولار من السوق السوداء أو التعامل على سعره وفقا للعقود الآجلة، الذي ارتفع إلى 46 جنيهاً في الآونة الأخيرة، وتلزم التجار المحليين وأصحاب المكتبات بسداد كامل قيمة المشتريات، بدون ائتمان أيضا، بما يضيف أعباء تتجه تكلفتها إلى ميزانية الأسر، تظهر في موجات زيادة بسعر الكتب والأدوات، خاصة في موسم دخول المدارس.
في المقابل ترفض البنوك المحلية تدبير الدولار للموردين الراغبين في شراء منتجات من الخارج، بدون تعليمات من الحكومة، التي تضع أولويات التمويل للأغذية والأدوية، ومستلزمات الإنتاج الصناعية، ولا تسمح بتمويل التوريدات المدرسية إلى عند وصولها للموانئ والمنافذ الجمركية، مع تدبير المستوردين للعملة الأجنبية، لمنحها شهادة الإفراج الجمركي.
في الأثناء يتهم نواب بالبرلمان الحكومة، بالتقاعس عن مواجهة الغلاء في أسعار المواد الدراسية، وخاصة الكتب الأجنبية، مع لجوء وزارة التعليم إلى خفض الكتب الموزعة على طلاب المدارس الإعدادية والثانوية والاعتماد على الكتاب الرقمي، بينما يعتمد المدرسون على توظيف مهارات الطلاب ورقياً.
وتقدم عدد من النواب لمساءلة وزير التعليم، داخل البرلمان، حول فشل الحكومة في تحديث المناهج التعليمية بما يدفع الطلاب إلى الاعتماد على الكتب الأجنبية باهظة التكاليف، والدروس الخصوصية.
وأشارت سناء السعيد عضو مجلس النواب إلى أن الارتفاع الجنوني بالأسعار يسبب معاناة كبيرة للمواطنين، ويحرم محدودي الدخل من القدرة على مواصلة تعليمهم، بالإضافة إلى أنه يمثل عبئا كبير على الطبقة المتوسط التي أصبحت غير قادرة على الوفاء بمستلزماتها اليومية من مأكل ومشرب وعلاج وسكن.
ويشير تربويون (عاملون في قطاع التعليم) إلى أن تأخر المدارس في تسليم الكتب المدرسية للطلاب، لفترات تمتد إلى ما قبل امتحانات نصف العام الدراسي يجبر الأسر على شراء الكتب الأجنبية، مؤكدين مبالغة المدرسين في طلباتهم بوجود ألوان أو أقلام وأشكال للكراسات، يدفعهم إلى مطالبة أولياء الأمور بمستلزمات دراسية، مبالغ في قيمتها، الأمر الذي يجبر الأسر الفقيرة على إبعاد أبنائها عن المدرسة.
ويؤكد خبراء مناهج أن اقبال الطلاب على شراء الكتب الأجنبية أصبحت ثقافة شعبية في ظل التغيير الدائم للمناهج وعدم جاذبية الكتب الدراسية، بما أفقد ثقة الطالب والأسر والمدرسين في المناهج والكتب الحكومية. بينما وعدت وزارة التعليم بتوفير دروس للطلاب عبر قنوات تلفزيونية حكومية ومنصات تعليمية مختلفة، وتوفير دروس خاصة مجمعة داخل المدارس.
يتوقع محللون مزيدا من موجات الغلاء في أسعار الكتب الأجنبية والأدوات المكتبية، مع تصاعد معدلات التضخم التي تشهدها البلاد، منذ 18 شهراً، والتي وصلت إلى 38.2% في يوليو/تموز الماضي، متوقعين وصول التضخم إلى 40% بنهاية العام الجاري، في ظل عدم قدرة الحكومة على السيطرة على انفلات الأسعار الناتج عن تدهور قيمة الجنيه، وارتفاع التكاليف وأسعار السلع المستوردة من الخارج.