يدفع الغلاء المستمر في تونس أولياء الأمور إلى الانغماس أكثر في الاستدانة، حيث انطلقت الأسر لتأمين مصاريف عودة 2.3 مليون تلميذ إلى مقاعد الدراسة، تزامنا مع أزمة اقتصادية خانقة تحيط بمختلف الطبقات الاجتماعية التي تضررت من ندرة السلع وجموح الأسعار.
وتبدأ الدراسة في تونس رسمياً يوم 15 سبتمبر/أيلول المقبل، لكن معالم تحضيرات العودة المدرسية ظهرت في الأسواق التي غزتها المستلزمات من مختلف الأصناف، غير أن الغلاء كان القاسم المشترك بينها.
ويقول رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرياحي، إن العودة المدرسية ستكون مكلفة جداً هذا العام ومرهقة لجيوب التونسيين، بعد رصد زيادة في أسعار مختلف المستلزمات تتراوح بين 15% و18% مقارنة بالعام الماضي، في غياب تدخل رسمي لكبح الأسعار أو مراقبتها.
ويؤكد الرياحي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، تحوّل العودة المدرسية إلى عبء كبير على العائلات من مختلف الشرائح الاجتماعية التي قد تضطر إلى الاستدانة من أجل توفير احتياجات أبنائها، مشيرا إلى أن الغلاء الكبير للمستلزمات المدرسية راجع إلى الضغوط التضخمية ونقص مداخيل الأسر وتتالي مواسم الاستهلاك إلى جانب انفراد الغرف التجارية بتحديد الأسعار من أجل تحقيق أرباح كبيرة على حساب جيوب المواطنين.
ويشير إلى أن سعر الكراس الواحد يصل إلى 25 ديناراً (نحو 8.3 دولارات) وهو مبلغ غير مقبول في بلد لا يتجاوز فيها الحد الأدنى للأجر 432 ديناراً (144 دولاراً)، مشددا على أن "الأسر التونسية ستفقد بعد العودة إلى المدارس ما تبقى من توازناتها المالية، وهو ما سيزيد الطلب على القروض الاستهلاكية ويصعد بالتضخم مجدداً". وبلغت نسبة التضخم خلال يوليو/تموز الماضي 9.1%، وفق بيانات نشرها معهد الإحصاء الحكومي.
ويبرر فيصل العباسي، رئيس الغرفة الوطنية لتجار الجملة والمواد المدرسية والمكتبية، زيادة أسعار الكراس المدرسي، بارتفاع سعر الورق في السوق العالمية، مشيرا إلى أن زيادة تكلفة المواد الأولية تلقي بظلالها على الأسعار النهائية رغم محاولة التجار تحديد هوامش ربح معقولة وإقرار تخفيضات استثنائية لمساعدة الأسر.
ويتوقع العباسي ضخ نحو 22 مليون كراس مدعم في الأسواق هذا العام، غير أنه يرى أن هذه الكميات تظل غير كافية نظراً لتفوق الطلب على العرض، ما يضطر أولياء الأمور إلى شراء الكراس غير المدعم الأعلى ثمناً.
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي محسن حسن، إن من المتوقع أن تشهد البلاد خلال الأشهر القادمة طفرات جديدة للتضخم بعد السيطرة عليها نسبياً على امتداد الأشهر الثلاثة الماضية، مؤكدا في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تتالي مواسم الاستهلاك المتمثلة في الإجازات الصيفية ثم العودة المدرسية سيسببان عودة التضخم إلى مستويات عالية قد تصل إلى رقمين مجدداً.
ويرى حسن أن كل الأسباب المحفزة للتضخم العالي لا تزال قائمة في تونس في ظل غياب النمو وتعطل آليات إنتاج الثروة، معتبرا أن الطبقات الضعيفة (الفقيرة) والمتوسطة تدفع غالياً ثمن التضخم.
وكشفت أحدث البيانات الصادرة عن معهد الإحصاء الحكومي حول النمو الاقتصادي والبطالة الصادرة، الأسبوع الجاري، أن نمو النشاط الاقتصادي لم يتجاوز 0.6% خلال الربع الثاني من العام الحالي، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، بينما صعدت نسبة البطالة إلى 15.6% خلال الفترة المذكورة، مقابل نسبة 15.3% خلال الربع الأول من العام.