يأتي عيد العمال العالمي والعمال ما زالوا يدفعون أثمان إجراءات مواجهة انتشار فيروس كورونا، للعام الثاني، فقد خسر الآلاف وظائفهم ومصادر عيشهم، أو تقلّصت رواتبهم، نتيجة تعطيل الأعمال وإغلاق المطارات وتوقف حركة الأسواق.
ومع انحسار الأزمة جزئياً، بعد نحو 6 أشهر على ظهورها مطلع 2020، تنفس العمال الصعداء، لفترة لم تطل كثيراً، عندما عادت، في مطلع 2021، الموجة الثانية من الفيروس المتحور للانتشار، وبالتالي العودة إلى القيود التي تضيق على الكثير من قطاعات الأعمال، واضطرت بعض الدول إلى إعلان الإغلاق التام، كما قررت تركيا قبل أيام.
أما في قطر التي أصبحت على مشارف استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، فقد واجهت الحكومة أزمة كورونا، بإجراءات نجحت في تقليص الآثار السلبية، إن كان على الصعيد الصحي والتعليمي، أو في المجال الاقتصادي، ومع بداية اكتشاف إصابات محدودة بالفيروس، في شهر مارس/ آذار 2020، سارعت الحكومة إلى دعم القطاع الخاص بتقديم محفزات مالية واقتصادية بمبلغ 75 مليار ريال (20.6 مليار دولار)، مع تخصيص ضمانات للمصارف المحلية بنحو 3 مليارات ريال (824 مليون دولار) لمنح قروض ميسرة وبدون عمولات أو رسوم للشركات المتضررة لدعم الرواتب والإيجارات.
وأدت تداعيات الأزمة، جراء الإجراءات الاحترازية، إلى تعطيل معظم القطاعات، من أبرزها المقاولات والإنشاءات وقطاع الضيافة والسياحة والسفر، وجرى تسريح مئات العمال، كما فعلت الخطوط الجوية القطرية وشركة قطر للبترول، وقررت جهات ومؤسسات حكومية إلغاء البدلات الممنوحة للموظفين كتذاكر السفر و بدل التنقل وغيرهما، ولجأت شركات في القطاع الخاص إلى تخفيض الرواتب بنسب متفاوتة وصلت إلى 30%.
يقول المدير العام لغرفة تجارة وصناعة قطر، صالح بن حمد الشرقي، لـ"العربي الجديد"، إن الأشهر الأولى لفترة جائحة كورونا كانت صعبة على الاقتصاد القطري ككل، فالقطاع الخاص تأثر بكل مكوناته بهذه الجائحة وتداعياتها، واضطرت بعض الشركات الى تقليص العمالة لديها نظراً لتوقف أعمالها وعدم مقدرتها على تأمين ميزانية الرواتب.
وبحسب الشرقي، لعبت غرفة قطر دوراً مهماً في تفادي أي نقص للعمالة في السوق المحلي، إذ سارعت، بالتعاون مع وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية، إلى إطلاق "منصة تدوير العمالة في القطاع الخاص" والتي تهدف إلى مساعدة الشركات في الحصول على العمالة المناسبة والمدربة من العمالة المسرحة أو الفائضة من الشركات الأخرى، وسهّلت المنصة انتقال العمالة من الشركات التي لم تعد بحاجة لهذه العمالة، إلى شركات أخرى تحتاج إلى عمالة جديدة، وذلك لتفادي أي نقص للعمالة في السوق المحلي، وبما يضمن استمرار المشروعات والأعمال.
ويرى الشرقي أن قطر تجاوزت المرحلة الصعبة فيما يتعلق بجائحة كورونا، إذ إنّ نسب الحاصلين على اللقاح ترتفع يوما بعد يوم، وهذا الأمر سينعكس بلا شك على الاقتصاد، مؤكداً أن "القطاع الخاص في طريقه للعودة إلى سابق نشاطه".
وعن مدى التعاون القائم بين الغرفة ووزارة التنمية الإدارية والعمل فيما يخص حماية حقوق العمال، يوضح الشرقي أن هذا التعاون قائم على عدد من المحاور والمستويات، ومن أهمها تعريف مجتمع الأعمال بكل ما يخص العمالة والقوانين المرتبطة بها، مع وجود لجنة تنسيقية تجتمع بشكل متواصل وتبذل جهوداً لتعزيز التعاون بين الطرفين.
ولفت إلى أن الغرفة تؤدي دوراً رائداً في زيادة الوعي بحقوق العمال لدى شركات القطاع الخاص، إضافة الى تعزيز علاقاتها مع عدد من المنظمات المعنية بحقوق العمال في العالم وإبراز التقدم الذي أحرزته الدولة في هذا الإطار، إلى جانب حرصها على حث القطاع الخاص على الالتزام باحترام حقوق العمالة وتشغيلها في بيئة عمل لائقة، مؤكداً وجود التزام كبير من القطاع الخاص القطري تجاه ذلك.
كما تهتم الغرفة بالتوعية بأهمية اللجان العمالية المشتركة في الشركات، وقد عقدت بالتعاون مع وزارة التنمية الإدارية والعمل ندوة تعريفية للشركات حول شروط وإجراءات اللجان العمالية المشتركة في الشركات، والتعريف بآليات اختيار نسبة ممثلي العمال، وإجراءات تشكيل هذه اللجان ودورها في خلق بيئة عمل محفزة ورفع مستوى العمل، وبالتالي زيادة الإنتاج داخل الشركات.
وأشار عدد من العمال الذين يعملون في إحدى شركات الإنشاءات إلى أنهم عانوا أوضاعاً صعبة وقاسية، العام الماضي، جراء جبهات توقف العمل، ويقول عبد الرحمن، الذي اكتفى باسمه الأول، إن إغلاق جزء من المنطقة الصناعية، لمواجهة انتشار الفيروس، جعله وزملاءه يلتزمون السكن لأكثر من شهرين، وتوقفت رواتبهم عدة أشهر، وأعرب عبد الرحمن كما زملاؤه عن تفاؤلهم بتحسن الأوضاع تدريجياً، مع الانخفاض الذي تسجله وزارة الصحة في أعداد المصابين، وإعطاء نحو 1.5 مليون شخص اللقاح المضاد للفيروس.
ويحكي مقيم تركي فضّل عدم ذكر اسمه، افتتح محلاً للحلاقة قبل نحو ثلاثة أعوام، واستقدم 4 عمال من تركيا للعمل معه في المحل، معاناته، معتبراً نفسه أبرز المتضررين من الجائحة، كونه وقع في عجز مالي كبير استمر لنحو أربعة أشهر العام الماضي.
وأوضح أنه كان يأمل خلال الأيام الأخيرة من رمضان أن يعوض ما تكبده من خسارة، ليفاجأ بقرار منع صالونات الحلاقة والتجميل من العمل وإغلاقها منذ التاسع من إبريل/ نيسان، ولا يدري كيف سيسدد أجور عماله.
وعما إذا كان قد حصل على قرض الضمان الوطني الذي تقدمه الحكومة للمتضررين من الجائحة، أوضح أنه لا تنطبق عليه الشروط، لأنه لا يوجد في السجل التجاري لشركته شريك قطري، مشيراً إلى أنه يستفيد من القرار الذي أصدره مجلس الوزراء بإعفاء المتضررين من رسوم الكهرباء والماء، إلى نهاية شهر سبتمبر/ أيلول المقبل.
وأشار إلى أنه أعطي جرعتي اللقاح ضد الفيروس مجاناً، معترفاً بأنه لو كان في بلده لما حصل على اللقاح بهذه السرعة. ومتمنياً ألا تطول فترة الإغلاق وينحسر الفيروس وتعود دورة الحياة إلى طبيعتها ليس في قطر فحسب بل في العالم أجمع.
تجدر الإشارة إلى أن قطر أجرت إصلاحات مهمة تخص العمالة الوافدة، وتسعى لتوفير أفضل بيئة مناسبة للعمل، وتعتبر أول دولة خليجية تسمح للعمال الوافدين بتغيير جهة العمل قبل انتهاء العقود، وأشادت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للهجرة لدى قطر، إيمان يونس عريقات، في تصريحات سابقة، لـ"العربي الجديد"، بتطبيق قرار زيادة الحد الأدنى للأجور في قطر واعتبرته "إنجازاً إضافياً يحسب للدولة الخليجية، التي اتخذت منذ أغسطس/ آب 2020 خطوات عملية وجادة نحو تطوير أوضاع العمالة".
وأشارت إلى أن قطر هي أولى دول المنطقة التي تطبق حداً أدنى غير تمييزي للأجور، وهو جزء من سلسلة من الإصلاحات التاريخية لقوانين العمل في الدولة.
واعتباراً من 20 مارس/ آذار الماضي، بدأت قطر تنفيذ قرار زيادة الحد الأدنى للأجور، ليصبح ألف ريال (274.7 دولاراً) شهرياً لجميع العاملين، وذلك في إطار إصلاحات لقوانين العمل.