فلمّا استحكمت حلقاتُها

28 يناير 2021
فوز جو بايدن فاجأ دول المنقة العربية
+ الخط -

من أكثر الأقوال شيوعاً على ألسنة السياسيين والقادة القول المترجم عن الإنكليزية "لا بد للأمور أن تشتد قبل أن تتيسر". وقد ورد هذا على لسان الرئيس الأميركي الجديد السادس والأربعين، جو بايدن، وعلى لسان أنتوني فاوتشي، كبير مستشاري الأوبئة والأمراض السارية. ونحن في تراثنا العربي نعود كثيراً إلى بيتين من الشعر قالهما الإمام الشافعي، ابن غزة، وهما: 

وَلَرُبَّ نازِلَةٍ يَضيقُ بها الفَتى/ ذَرعاً وَعِندَ الله مِنها المَخرَجُ
ضاقَت فَلَمّا استَحكَمَت حَلَقاتُها/ فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ
وهي أبيات تفتح باب الأمل على مصراعيه، أمام بعض الدول العربية.
لقد جاء فوز بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية مفاجأة تامة لجميع الفرقاء في منطقة الشرق الأوسط، وحركت أوراق اللعبة، وفِي اليوم الخامس من شهر يناير/ كانون الثاني، عشية اجتماع الكونغرس الأميركي بغرفتيه، ليقرّ نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية، كانت الأمور تبدو كما يأتي:
المملكة العربية السعودية استبقت الحدث بالدعوة إلى المصالحة مع دولة قطر، وأُعلن ذلك يوم انعقاد مؤتمر القمة الخليجية في مدينة العُلا الجديدة في مشروع "نيوم" شمال غربي المملكة، الذي أُصدر بيانه يوم الخامس من شهر يناير. وقد استُقبل أمير دولة قطر، تميم بن حمد، استقبالاً حميماً من وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان. 
وقامت مصر أيضاً بتحرّكات مكثفة، وأطلقت سراح اثنين من المعتقلين السياسيين، وقد كان نَفَرٌ في الحزب الديمقراطي الأميركي يطالب بالإفراج عنهما. وزار الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بعد ذلك الأردن، وأمضى يومين في ضيافة الملك عبد الله الثاني الذي زار بعدها أبوظبي، ليلتقي محمد بن زايد في الوقت الذي توجه فيه وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي، إلى الرياض ليلتقي فيها بنظيره السعودي.
وبدأت الحركات والتعبيرات الدبلوماسية الإيرانية في مخاطبة المسؤولين الجدد في واشنطن، تارة عبر المرشد خامنئي، وأخرى عبر الرئيس حسن روحاني، وأخيراً عبر نشاط مكثف وتصريحات لوزير الخارجية، محمد جواد ظريف، ليقول إنه إذا ألغت إدارة الرئيس بايدن القرارات التنفيذية التي اتخذها الرئيس السابق ترامب، فإن إيران ستكون مفتوحة على التفاوض في الملف النووي. وللعلم، فإن بايدن، منذ كان عضواً بارزاً في مجلس الشيوخ الأميركي، وبعدها لمّا شغل منصب نائب الرئيس أوباما، وهو ينادي بضرورة التفاوض مع إيران.

ولكن من أبرز الذين بدأوا الحراك والتكيف مع الوضع الجديد، رئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو، الذي واجه فضّ الشراكة مع حزب أبيض/ أزرق، بعد فشل تكتله في التفاهم على موازنة عام 2021، ما استدعى الكنيست إلى حلّ نفسه، وإعلان شهر مارس/ آذار المقبل موعداً لانتخابات رابعة جديدة خلال عامين. وقد خاطب نتنياهو الرئيس الأميركي الجديد بأسلوبٍ، يسعى أن يظهر فيه ليس منافقاً، إذ ألقى بعض المديح المخفف للرئيس السابق، ترامب. 
ولكن الاستطلاعات في إسرائيل تؤكد هوان الوضع الذي يواجهه نتنياهو، وكذلك صعوبة وضع غانتس، رئيس "أبيض أزرق"، الذي انشقّ عنه أعضاء كثيرون، وشكّلوا حزباً جديداً "ياش عتيد". وبانفكاك جدعون ساعر عن حزب الليكود، وتشكيله حزباً جديداً اسمه الأمل الجديد، فإن الصورة السياسية الإسرائيلية، قبيل الانتخابات الجديدة، وطموحات كل من نفتالي بينيت المتطرّف، ويائير لابيد زعيم حزب "ياش عتيد"، الذي عانى أيضاً من انقساماتٍ، تبدو في الساحة الإسرائيلية فوضوية وغير قابلة للتنبؤ بمجرياتها.
وبحسب بعض الساسة الإسرائيليين المخضرمين، يعاني المتطرّفون، وكذلك السياسيون والمعتدلون من جانب آخر، جميعاً، من عدم قدرتهم على تشكيل تحالفٍ يحظى بالأغلبية في الانتخابات المقبلة بدون النواب الفلسطينيين في الكنيست. 
ومن هنا رأينا نتنياهو يمد يده للتعاون مع بعض الكتل العربية، وخصوصاً في صحراء النقب وبئر السبع، واعداً إياهم بمزيد من المخصصات، محرّضاً إياهم على اليسار، بقوله إن جماعة اليسار يعدون ويتودّدون، ولكن سجلهم خالٍ من الإنجازات للعرب الفلسطينيين في إسرائيل.
إذاً، من الواضح أن الظروف باختصار قد تغيرت تغيراً جذرياً. ولذلك، رأينا الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يدعو إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية في شهر مايو/ أيار المقبل. وبحسب الروزنامة الانتخابية الإسرائيلية، فإن المفروض أن تظهر نتائجها وتتشكل حكومتها في أوائل شهر مايو، أي قبيل نتائج الانتخابات الفلسطينية. وإذا شاركت حركتا حماس وفتح بقوة في الانتخابات، فمن المفروض أن تؤدّي النتيجة إلى حكومة تشاركية، أو إلى وجود جهةٍ منهما تحكم، وجهة أخرى تعارض بقوة.
ولهذا، يقول منطق الأمور إن محاولات نتنياهو للعودة إلى الحكم ستبوء بالفشل، وسيجد الليكود نفسه حزباً ضعيفاً حيال الأحزاب الدينية المتطرّفة، وحيال حزب الروس بقيادة أفيغدور ليبرمان. وسيشكل هؤلاء المعارضة، إلا إذا بدّل ليبرمان من موقفه، وقبل الدخول في حكومة جديدة فيها تكتل من أحزاب العمل، وميريتس وياش عتيد، وبقايا أبيض أزرق، والأحزاب العربية.

أما الاستنتاج الثاني، فهو أن الملك عبد الله الثاني سيصعد على مقياس ريختر السياسي في المنطقة، وستكون عمّان عاصمة التهدئة في الوطن العربي (العراق، سورية، اليمن)، وسيكون للأردن دور بالتعاون مع مصر في دفع المفاوضات السلمية مع إسرائيل في الربع الثالث من هذا العام. وكذلك، فإن قطر مرشّحة للعب دور هام، بالتعاون مع الكويت وسلطنة عُمان. 
أما البحرين، فستعزّز علاقاتها مع السعودية، التي لا بد أن يساعد كل العرب على تحقيق الاستقرار فيها، وليس لأحد أي مصلحةٍ في إحداث فوضى أو توترات داخل حمى المملكة. وأتوقع أن يكون الملك عبد الله الثاني أول الزائرين لواشنطن بدعوة من الرئاسة الأميركية، التي ستبدأ بعدها سلسلة التطورات في المنطقة.
هذا وقت التضامن بين العرب، والدعوة إلى مؤتمر قمة صارت ضرورة قصوى، وأُرشّح عمّان لذلك.

المساهمون