عن حملات استهداف السوريين في مصر وكلفة "اللاجئين"

10 يناير 2024
استثمارات سورية ضخمة في قطاع المطاعم المصرية / فرانس برس
+ الخط -

لا أحد ضد قيام السلطات والحكومات، أي حكومة، والأجهزة التنفيذية داخل الدولة بتنظيم أوضاع الوافدين، سواء كانوا مقيمين أو سياحاً.

ولا أحد ضد تحركات أي حكومة بإلزام هؤلاء الوافدين بتطبيق القوانين الصادرة بصرامة، واحترام عادات وتقاليد الدولة التي يقيمون بها.

وليس من حق أحد أن يطالب السلطات المسؤولة بمنح الوافدين تسهيلات وامتيازات مالية وغيرها غير متاحة أصلاً للمواطن وفي ظل أزمات مالية ومعيشية، إلا إذا كانت هناك اعتبارات إنسانية أخرى، وأبسط ما يطالب به الوافد، خصوصاً المقيم، احترام قوانين الدولة، وفي مقدمتها قوانين الإقامة والعمل والاستثمار والضرائب ومراعاة الصالح العام وغيرها.

وبالتالي من حق الحكومة المصرية أن تنظم أوضاع الأشقاء العرب الذين تدفقوا على مصر في السنوات الماضية طلباً للأمن والحماية من أنظمة فاشية وجرائم حرب ترتكب بحق المدنيين في بلدانهم، وهرباً من مخاطر شديدة، في مقدمتها الحروب والاضطرابات السياسية.

أن يصاحب تطبيق تلك القوانين حملات عنصرية ترتكب بحق هؤلاء، ودعوات مقززة لطردهم وتصويرهم على أنهم أسّ المشاكل والأزمات التي يمرّ بها الاقتصاد المصري، فهذا ما لا يليق بشعب مصر

وفي مقدمة هؤلاء الأشقاء السودانيون والسوريون والعراقيون واليمنيون وغيرهم، الذين يقدَّر عددهم في مصر بنحو 9 ملايين وافد، وفق الأرقام الرسمية.

وفي المقابل، ليس من حق أحد أن يطالب الحكومة المصرية بغضّ الطرف عن أي جرائم أو ممارسات مخالفة للقانون يرتكبها هؤلاء الوافدون، مثل الاتجار في العملة وتهريبها وغسل الأموال والتهرب من الضرائب وغيرها.

لكن أن يصاحب تطبيق تلك القوانين حملات عنصرية ترتكب بحق هؤلاء، ودعوات ترهيب مقززة لطردهم وتصويرهم على أنهم أسّ المشاكل والأزمات التي يمرّ بها الاقتصاد المصري، فهذا ما لا يليق بشعب مصر العظيم وكرم الضيافة التي عُرفت عنه.

ولا يجوز تحميل السوريين مثلاً أزمات الدولار والغلاء والتضخم والبطالة في مصر، ولا يجوز الزعم أن السوريين يعملون على نشر المخدرات بين الشباب المصري، وأنهم يهربون مليارات الدولارات إلى الخارج، ويسطون على الدعم المخصص للفقراء، ويسرقون الكهرباء والمياه والخدمات العامة.

فهذه شماعة تشبه عشرات الشماعات الأخرى التي أُطلِقَت في السنوات العشر الأخيرة، ولم تقنع أحداً، حتى لو كان طفلاً لا يتجاوز عمره العشر سنوات.

فهناك أسباب أخرى لتلك الأزمات يعرفها القاصي والداني، في مقدمتها التوسع الرهيب في الاقتراض الخارجي، وعدم تطوير القطاع الإنتاجي والتركيز على القطاع الريعي، والإنفاق الضخم على مشروعات كبرى لا تمثل أولوية للاقتصاد والمواطن، وسوء استخدام المال العام وغيرها من الأسباب التي لا داعي لذكرها حالياً.

لا يجوز تحميل السوريين مثلاً أزمات الدولار والغلاء والتضخم والبطالة في مصر، ولا يجوز الزعم أن السوريين يعملون على نشر المخدرات بين الشباب، ويهربون مليارات الدولارات إلى الخارج

ولا يجوز وصف هؤلاء الوافدين على مصر من سورية والسودان والصومال واليمن والعراق وليبيا وتونس وغيرها باللاجئين والنازحين، فهم أشقاء حلوا على بلدهم الثاني الذي يحمل لقب "أم الدنيا"، نظراً لدوره التاريخي والحضاري في استقبال المضطهدين والخائفين، وفي سنوات سابقة الجائعين في بلدانهم، وأيضاً طالبي العلم.

ما يحدث ضد الأشقاء السوريين هذه الأيام هو بمثابة جريمة وإساءة إلى صورة مصر والمصريين، خصوصاً أن السلطات المسؤولة تغضّ الطرف عن تلك الممارسات العنصرية وحملات التحريض التي ترتكب بحق هؤلاء الوافدين، ولا تتحرك للتصدي لها.

ولا تكشف عن الجهات التي تقف وراء دعوات مكثفة ومريبة لترحيل اللاجئين ومقاطعة محلات السوريين، والمطالبة بترحيل السوريين من مصر بالقوة وإرسالهم إلى الغرب، أو حملات "ترحيل السوريين واجب وطني"، أو دعوات "ارجع يا سوري ابني بلدك"، والزعم أنّ اللاجئين خطر على الأمن القومي المصري. رغم أن العكس هو الصحيح. أو حملة " نعم لطرد اللاجئين من مصر... للحفاظ على الهوية مصرية يجب ترحيل كل اللاجئين من مصر".

بل أحياناً تُغذى تلك الحملات بشكل غير مباشر من طريق الحديث المكثف عن التكلفة التي تتحملها الدولة بسبب استقبال ملايين النازحين أو اللاجئين كما تصفهم وسائل إعلام حكومية أو محسوبة على الجهات الرسمية. ونشر أخبار على نطاق واسع عن بدء تدقيق أعداد اللاجئين وتكلفة ما تتحمله الدولة من خدمات لرعايتهم.

بحساب المكسب والخسارة، السوريون أفادوا الاقتصاد المصري بقوة، وساهموا في حمايته من الانزلاق نحو الركود والكساد في السنوات الماضية، إما عبر ضخّ مليارات الدولارات في شرايين هذا الاقتصاد، وإما عبر تطوير قطاع الخدمات، وفي مقدمته المطاعم.

المساهمون