شهدت أسعار المواد الغذائية والإنشائية في العراق انفلاتا، خلال الفترة الأخيرة، بسبب رضوخ الشاحنات لدفع إتاوات لجهات متنفذة في المعابر أو على الطرق الخارجية، حيث يضطر التاجر لإضافة مبلغ مالي على سعر السلعة لتعويض ما دفعه لقاء تمرير بضاعته.
ويعترف مسؤولون في بغداد بتصاعد ظاهرة الإتاوات التي تمارسها جهات عدة في محافظة ديالى شرقي العراق والحدودية مع إيران، على البضائع المستوردة عبر طريق إقليم كردستان العراق (شمال)، أو من خلال إيران بشكل مباشر، مؤكدين تورط جهات تتبع فصائل مسلحة في فرض مبالغ مالية باتت أشبه ما تكون برسوم على الشاحنة بحسب نوع حمولتها والجهة المستوردة لها.
ووفقا لمسؤول عراقي في وزارة الداخلية ببغداد، لـ"العربي الجديد"، فإن ظاهرة الإتاوات أو الابتزاز في حواجز التفتيش ومعابر حدودية مختلفة تراجعت كثيرا في كركوك ونينوى، لكنها ما زالت تمارس بشكل كبير في ديالى، وهو ما أدى إلى تفاوت حقيقي في الأسعار وتأخر أيضا في عملية النقل، كما أنها باتت أحد موارد تمويل المليشيات والجماعات الخارجة عن القانون".
وأقر المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، بتورط جهات أمنية في استفحال ظاهرة الإتاوات بسبب التستر أو عدم الجدية في وقفها، إذ تمارس نفوذها على شكل حواجز تفتيش، والشاحنات التي لا تدفع تتأخر وتضطر للبقاء ساعات أو فترات لأكثر من يوم دون السماح لها بالمرور.
مجتمع التجار يعترف بتنامي هذه الظاهرة الخطيرة، إذ قال عضو اتحاد المستوردين العراقيين، أحمد الموسوي، إن ظاهرة الإتاوات أو إجبار السائقين والتجار على دفع مبالغ مالية لتمرير بضائعهم باتت موردا ماليا ضخما لجهات وشخصيات متنفذة، والحكومة فشلت منذ عام 2014 في وضع حلول لها. وأضاف لـ"العربي الجديد" أن ديالى باتت منطقة عصابات رئيسة تعثرت الحكومة في مواجهتها، والتاجر مضطر للمرور بها وبعض التجار ساهموا في استفحال الظاهرة فهم يرغبون بدفع ألف أو ألفي دولار لتمرير بضائعهم على أن تسلك طرقا أخرى، وبعضهم مضطر للدفع لكن في النهاية وبسبب عدم وجود قانون لحماية المستهلك يقوم التاجر بإضافة ما دفعه من رشوة على سعر البضاعة الذي يتحمله المواطن. وتحدث الموسوي أيضا عن تورط لمليشيات وبعض أفراد العشائر التي تمر بها قوافل الشاحنات في الظاهرة.
عضو البرلمان العراقي، فرات التميمي، أكد بدوره استمرار عمليات فرض الإتاوات في مناطق بمحافظة ديالى على الرغم من التحذيرات المتكررة من خطورتها، موضحا أن فرض الإتاوات أصبح يمثل مصدر دعم مالي لجهات سياسية متنفذة لم يسمها. وأشار التميمي في إيجاز قدمه للصحافيين من البرلمان إلى وجود نقاط تفتيش تقوم بفرض الإتاوات وتبتزّ سائقي الشاحنات والتجار، في عدد من الطرق الخارجية في ديالى، وخصوصا القريبة من الحدود مع إقليم كردستان، وهذه العمليات ما تزال مستمرة".
ولفت إلى أن "ديالى تمثل المنفذ الأكبر الذي تمرّ من خلاله البضائع التي تأتي من إقليم كردستان، باتجاه العاصمة بغداد، وبقية المحافظات العراقية، وكنا نعوّل على مقترح تقدمنا به للسيطرة على الظاهرة من خلال قوات أمنية تتولّى محاربتها، لكن لم تحصل أي استجابة". ولفت إلى أن فرض الإتاوات تحول إلى نوافذ دعم مالي كبيرة لجهات سياسية متنفذة حصلت على مليارات الدولارات من تلك الإتاوات. وتابع التميمي، وهو نائب عن محافظة ديالى، أن "استمرار فرض الإتاوات خطأ جسيم يسيء إلى هيبة الدولة، ويمثل انتهاكا للقانون وغض النظر عن مثل هذه القضايا يمكن أن يتسبب بخلق مشاكل كبيرة لها مساس بالأمن والاستقرار".
من جهته قال عضو مجلس محافظة ديالى السابق، أحمد العزاوي، إن الدولة مطالبة بالتحقيق مع قوات الأمن أيضا ومعرفة مدى صلتها بالظاهرة"، مبينا في حديث لـ"العربي الجديد" أن هناك ضابطا وعناصر أمن يتوسطون من أجل نقلهم للعمل على الطرق الخارجية ويبدو أن الموضوع له صلة مباشرة بالإتاوات التي يتم تحصيلها من التجار وسائقي الشاحنات، مؤكدا أن مليشيات مرتبطة ببعض الأحزاب هي المتهمة بالإشراف على عمليات فرض الإتاوات.
وديالى محافظة حدودية مع إيران، وتحد بغداد من الشمال الشرقي، والمسافة بين مدينة بعقوبة (مركز المحافظة) وبغداد لا تتجاوز 60 كيلومترا، ورغم إعلان تحرير جميع مدن المحافظة من سيطرة تنظيم "داعش" قبل سنوات، إلا أن المحافظة لا تزال تشهد خروقات أمنية متكررة، مع وجود نشاط واضح لمليشيات مسلحة.
وحول ذلك رأى الخبير بالشأن الاقتصادي العراقي، محمد الطالبي، إمكانية للدولة في السيطرة على ما وصفها بـ"جماعات الإتاوات"، لو كانت جادة في ذلك. وأضاف أن عملية أخذ تلك المبالغ لا يمكن قياسها من ناحية تجارية أو مالية بقدر ما هي عمليات فساد مالي خطيرة تهدد قطاع الاستثمار أيضا وليس الاستيراد والتصدير فحسب، وتؤسس لمافيات خطيرة تهدد الدولة". وأشار الطالبي في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "ديالى ليست وحدها من يخضع التجار فيها وسائقو الشاحنات للابتزاز، بل هناك محافظات كثيرة مثل الأنبار والبصرة وكركوك لكنها تجرى بشكل مستتر وتتورط بها حتى جهات حكومية".