لم يتخيل الفلسطيني، موسى أبو ريالة، أن يشتري في يوم من الأيام الخُضروات "بالعدد" نتيجة الغلاء الشديد، وغير المسبوق في أسعار مُختلف أصناف الخضروات، في الوقت الذي يُعاني فيه الفلسطينيون في قطاع غزة ويلات الحرب الإسرائيلية المُتواصلة للشهر الخامس على التوالي.
وتضاعفت أسعار العديد من أصناف الخضروات الرئيسية في أسواق قطاع غزة، ومُفترقاتها الرئيسية إلى خمسة أضعاف، فيما وصلت بعض الأصناف الضرورية إلى أكثر من عشرة أضعاف، ما بات يدفع الفلسطينيين إلى شراء الأصناف المطلوبة بأعداد محدودة، وكميات بسيطة.
وتتزامن حالة الغلاء مع الأوضاع المأساوية التي يُعاني منها الفلسطينيون في قطاع غزة، نتيجة العدوان الإسرائيلي المُتواصل مُنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والذي استهدف الاحتلال خلاله بيوتهم، ومُمتلكاتهم وأمنهم الشخصي، ما أدى إلى استشهاد وفُقدان وإصابة عشرات الآلاف.
وجالت "العربي الجديد" في بعض أسواق غزة التي ما زالت تعمل رغم الدمار الهائل الذي أحدثه العدوان الإسرائيلي، حيث تشهد أسعار الخضراوات ارتفاعاً خيالياً دفع المواطنين.
وإلى جانب الخطر العام، يُعاني الفلسطينيون في قطاع غزة من حالة النزوح القسري لحوالي مليوني مواطن فلسطيني، تم تهجيرهم من مُحافظتي غزة، والشمال، نحو المُحافظات الوسطى والجنوبية، ما تسبب بتردي الواقع المعيشي، نتيجة الضغط والازدحام الشديدين بفعل اختلال توازن المناطِق، علاوة على نفاذ مُختلف السلع والمُتطلبات الضرورية، بسبب الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر، ومنع دخول المواد الغذائية، والمُساعدات الإنسانية، والماء، والكهرباء، ومُشتقات البترول.
ويقول موسى أبو ريالة لـ"العربي الجديد"، إنه لا يتوقف عن الاستغراب الممزوج بالصدمة من الأسعار الخيالية للخُضروات، مُقارنة بالأسعار الطبيعية، لافتاً إلى أن حالة الغلاء تمُر عليه وعلى أُسرته بثِقَل شديد، خاصة بعد أن فقد مصدر دخله، إثر تدمير الاحتلال الإسرائيلي لبقالته التي كان يقتات منها، بعد قصف المبنى أعلاها.
ويُتابع أبو ريالة حديثه، وقد ظهر الضيق واضحا في صوته "لم أتصور أن أشتري حبة بصل واحدة، واثنتين من البطاطس، وحبة واحدة من الفلفل الحلو، وبضع حبات من الثوم، في كيس صغير يكاد يُحمل بإصبع واحد، بعد أن كُنت أشتري كميات كبيرة من كُل أصناف الخضروات والفواكه، هناك فجوة ضخمة في الأسعار".
ويوضح أبو ريالة أن أسعار الخُضروات تتضاعف في الوقت الطبيعي خلال فترات مُعينة من العام، وقد تصل إلى ضِعف ثمنها، أو يزيد في بعض الأصناف، إلا أن العدوان الإسرائيلي وتبِعاته على القطاع الزراعي، ساهم في وصول الأسعار إلى أكثر من عشرة أضعاف في بعض الأصناف الرئيسية.
وتعرض القطاع الزراعي في قطاع غزة إلى العديد من التحديات التي واجهت القُدرة على الانتاج، وتوفير مُتطلبات السوق، بعد تجريف مساحات واسعة في المناطق الشمالية، والمناطق الشرقية الجنوبية، والتي تُعتبر السلة الغذائية للمواطنين، إلى جانب تدمير المحاصيل الزراعية، نتيجة استهداف الأراضي الزراعية والشتول، علاوة على عدم قُدرة المُزارعين على الوصول إلى أراضيهم وتفقُد محاصيلهم والعناية بها، بفعل الاستهداف الإسرائيلي لكُل متحرك.
وساهمت السياسات الإسرائيلية ضد مُختلف القطاعات الاقتصادية الفلسطينية، وفي مُقدمتها القطاع الزراعي في خالة من الارتفاع الجنوني في الأسعار، حيث وصل على سبيل المثال سعر كيلو البطاطس من 1.5 شيكل، إلى 10 شيكلات، وكذلك سعر كيلو الفليفلة "الفلفل الحلو" الذي وصل إلى 14 شيكلا، بينما وصل كيلو البصل من شيكلين اثنين إلى 40 شيكلا، أما سعر الطماطم فقد ارتفع من 1 إلى 5 شيكلات، فيما وصل سعر الباذنجان من شيكلين إلى 10 للكيلو الواحد، بينما وصل سعر كيلو الفلفل الحار إلى 36 شيكلا، بعد أن كان يُباع بـ 6 أو 8 شيكلات في أعلى الحالات. (الدولار يساوي 3.8 شيكلات تقريبا).
ويوضح الفلسطيني صابر إنشاصي، وهو نازح من مدينة غزة، نحو مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، أن الأسعار في الوقت الطبيعي تكون في متناول الجميع، حتى وإن زادت نتيجة تبديل المواسِم الزراعية، إلا أنها خلال الفترة الحالية ليست بمتناول أحد، بفعل الغلاء الكبير، وغير المسبوق في أي من الحروب السابقة.
ويقول إنشاصي لـ "العربي الجديد" إن الأسعار غير المُتناسبة مع الأوضاع المادية المُتدنية، باتت تدفعه إلى شراء كميات قليلة من الخضروات، تكفي لطبخة واحدة، مُضيفا "اشتريت اليوم بصلتين، وقرنين فلفل، وعدة حبات طماطم وثوم، لصنع قلاية بندورة على نار الحطب، وقد كلفتتي ثمن كميات أكبر يُمكن أن أشتريها من الأصناف ذاتها في الأيام العادية".
وعن جنون الأسعار، تقول الفلسطينية إنعام غنيم، وهي ربة أسرة مكونة من ستة أفراد، إنها لم تعُد قادرة على شراء المُتطلبات الأساسية لطعام عائلتها، بفعل الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، والذي يتزامن مع الحالة الاقتصادية الصعبة، بسبب تداعيات العدوان الإسرائيلي، والنزوح القسري نحو المناطق الجنوبية.
ولم تغفل غنيم خلال حديثها مع "العربي الجديد"، الأضرار التي تعرض لها القطاع الزراعي نتيجة العدوان الإسرائيلي، وتقول: "إلا أن هذا لا يعني أن يتحمل المواطن الفاتورة لوحده، بمُضاعفة الأسعار بهذا الشكل، خاصة وأن الجميع يُعانون من الظروف الاقتصادية الصعبة، وانعدام مصادر الدخل".
وتدعو غنيم جميع الجهات المسؤولة، والمؤسسات المحلية والدولية إلى التحرُك الفوري، والضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإدخال الكميات الكافية من مُختلف أصناف الخضروات، للمُساهمة في ضبط الأسعار، والسيطرة على حالة الغلاء الجنوني، وتضمين الخضروات في المُساعدات الغذائية والإنسانية، وذلك لأهميتها الكبيرة في تحضير الوجبات اليومية.
وتشهد أسواق قطاع غزة حالة من غلاء أسعار الخضروات خلال فترة تبديل الفصول سنوياً، وتحديداً بين فصلي الصيف والشتاء، إلا أن التبديل الموسمي الحالي تزامن مع ظروف قاسية بفعل العدوان الإسرائيلي، والقصف المُباشر للأراضي الزراعية، إلى جانب تجريف، وتخريب، وإتلاف المحاصيل الزراعية، الأمر الذي زاد من حدة الأزمة.