- الطلب المحلي المتزايد والتحديات الديموغرافية قد يعيقان تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز بحلول 2030، مع توقعات بحاجة المملكة لـ 23-25 مليار قدم مكعبة يومياً.
- استثمارات ضخمة في حقل الجافورة والبنية التحتية لتعزيز قدرات التصدير وتلبية الطلب المحلي، بما يتماشى مع أهداف "رؤية السعودية 2030" لتنويع مصادر الطاقة.
تموضع جديد ترسمه السعودية في سوق الغاز العالمية مع إعلانها عن طفرة بإنتاجها من حقل الجافورة تزامناً مع زيادة الإقبال الأوروبي على الغاز الخليجي كبديل لنظيره الروسي، ما يصب في مصلحة تنفيذ "رؤية السعودية 2030" التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط والتوسع في إنتاج مصادر الطاقة البديلة.
وكان وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان قد أعلن في 25 فبراير/شباط الماضي، أن شركة أرامكو تمكنت من إضافة كميات كبيرة للاحتياطيات المؤكدة من الغاز والمكثفات في حقل الجافورة الصخري بلغت 15 تريليون قدم مكعبة قياسية. وبذلك يصل مقدار الاحتياطيات في حقل الجافورة إلى حوالي 229 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز و75 مليار برميل من المكثفات، بحسب الوزير السعودي.
كما من شأن ذلك أن يمكن السعودية من أن تصبح مصدراً رئيسياً للغاز بحلول 2030، ما يسهم في تحقيقها لمستهدفات رؤيتها الاستراتيجية من جانب، ويساعد على تخفيف الانتقادات الموجهة إليها بشأن دورها في زيادة نسبة حرق النفط عالمياً من جانب آخر، بحسب ما أورده مقال نشره الخبير الاقتصادي، سايمون واتكنز في موقع "أويل برايس".
ويوضح واتكنز أن مليار قدم مكعبة من الغاز تساوي 0.167 مليون برميل من النفط المكافئ، وبالتالي فإن ملياري قدم مكعبة في اليوم (إنتاج الجافورة المقدر لسنة 2030) تساوي 0.3340 مليون برميل من النفط المكافئ، أو 334 ألف برميل. لكن واتكنز خلص، مع ذلك، إلى أن السعودية ستعاني من عجز في توليد الطاقة حتى لو كان اكتشاف الجافورة غير مسبوق في تاريخ اكتشافات الغاز، إذ تنبئ تقديرات الصناعة المستقلة حول التغيرات في التركيبة السكانية السعودية وأنماط الطلب على الطاقة بأن المملكة ستحتاج إلى إنتاج غازي يقدر بحوالي 23 – 25 مليار قدم مكعبة في اليوم خلال السنوات الـ15 المقبلة، وسيقتصر هذا على تغطية الطلب على الطاقة والطلب الصناعي.
ويوضح واتكنز أن إنتاج الجافورة المقدر لسنة 2030 لا يكفي، رغم ضخامته، حتى لتغطية الكمية الحالية من النفط التي يتواصل حرقها لتوليد الطاقة في السعودية، والتي تبلغ 500 ألف برميل نفط يومياً.
طفرة تدريجية في إنتاج الغاز السعودي
في هذا الصدد، يشير الخبير الاقتصادي نهاد إسماعيل في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى أن إعلان السعودية عن طفرتها الخاصة باحتياطيات الغاز المؤكدة يجعل المملكة مؤهلة لطموح المنافسة ضمن كبار المنتجين والمصدرين للغاز الطبيعي المسال بحلول عام 2030. ويشير إسماعيل، في هذا الصدد، إلى أن أرامكو تجري محادثات مع شركة هيونداي الكورية لتوقيع عقد بقيمة 24 مليار دولار لبناء محطة لمعالجة الغاز في الجافورة، مشيرا إلى أن أرقام وكالة بلومبيرغ تشير إلى استثمار "أرامكو" 110 مليارات دولار لتطوير الحقل.
وأضاف أن طفرة الاكتشافات الحالية تؤهل السعودية لطموح احتلال المركز الثالث عالميا في احتياطات الغاز، لافتا إلى أن السعودية ستتمكن أيضا من إنتاج 425 مليون قدم مكعبة من غاز الإيثان يوميا بحلول 2030. ويرى إسماعيل أن الفائدة الكبرى الملموسة لهكذا طفرة ستكون تدريجية ابتداء من العام المقبل وستصل الى مستويات تنافسية عالمية في العقد القادم، ما يسهم في تلبية الطلب المحلي الذي يرتفع بنسب عالية مطردة، إضافة إلى التصدير عالميا وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للطاقة عبر استخدام الغاز لتوليد الكهرباء ليصبح جزءا رئيسيا من مزيج الطاقة.
ويخلص إسماعيل إلى أن المشهد الطاقوي العالمي سيتغير مع اكتشاف الجافورة، وتوقع أن تحتل السعودية مركزا في أعلى الهرم بحلول 2036 وأن تبقى أهم لاعب في مجالات الطاقة التقليدية، فضلاً عن إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة، مثل الهيدروجين الأزرق والأخضر.
إنتاج الغاز السعودي وتصديره
ويشير الخبير الاقتصادي عامر الشوبكي في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الإنتاج السعودي للغاز نما بشكل واضح في الآونة الأخيرة، إذ لم تكن المملكة مهتمة بإنتاج الغاز في فترة الثمانينات ثم ضاعفت إنتاجها حتى وصل أخيرا إلى قرابة الـ 105 مليارات متر مكعب سنوياً. وفي تقديره، فإن حقل الجافورة سيضيف الكثير للسعودية كتاسع أكبر منتج للغاز في العالم وصاحبة سادس أكبر احتياطي، مشيرا إلى أن المملكة رصدت 7.7 مليارات دولار للاستثمار في هذا الحقل ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج فيه عام 2025.
وينوّه الشوبكي إلى توقعات بزيادة إنتاج الحقل بنسبة 60% حتى عام 2030، لتصبح السعودية حينها دولة مصدرة للغاز، وأن تستعيض عن زيت الوقود والديزل بالغاز في توليد الكهرباء، ما يمكنها من توفير كميات كبيرة من النفط للتصدير. ويلفت إلى أن الجافورة يعتقد أنه أكبر حقل غاز غير تقليدي في العالم، لكنه اعتبر أن الوقت ما زال مبكرا لوضع السعودية على خريطة مصدري الغاز في العالم الآن، وإن دلت المؤشرات على إمكانية رسم المملكة لموقعها الجديد في هذا السوق.
فالتوقعات تشير إلى صعود السعودية من المرتبة التاسعة عالميا في إنتاج الغاز إلى المرتبة السادسة، لكن ذلك غير كاف لاستنتاج موقع المملكة الجديد في سوق التصدير، خاصة أن معظم الغاز يتم استخدامه في استبدال كميات النفط المستخدمة في توليد الكهرباء داخل المملكة. وإزاء ذلك، الأمر يعتمد على نمو بعض المشاريع المصاحبة لعملية توليد الكهرباء في السعودية من مصادر أخرى غير نفطية، مثل مشروع المفاعل النووي السعودي، الذي قد يساعد إنشاؤه، مع مشروعات الطاقة المتجددة، على توفير حصص معتبرة من الغاز السعودي للتصدير، بحسب الشوبكي.
وينتهي الشوبكي إلى القول إن السعودية ستكون مصدرة للغاز مستقبلا، لكن الوقت مبكر للحديث عن أنها ستكون من الأوائل في التصدير لأن هذا الموقع يحتاج إلى الكثير من الوقت لضمان جودة أسطول النقل ومحطات التسييل وغيرها من لوازم البنية التحتية الخاصة بصناعة الغاز، وهو ما يتوقع أن تحققه المملكة بعد العام 2030.