من التطورات المهمة التي شهدتها أفغانستان، تحت حكم طالبان، على الصعيد المعيشي والاقتصادي، إعلان وزارة المالية بدء عملية صرف رواتب الموظفين الحكوميين لثلاثة أشهر سابقة، لكن ثمة فئات محرومة لا تزال خارج هذه الحسابات. ماذا في التفاصيل؟
أعلنت طالبان أن لديها أموالا كافية لدفع الرواتب، وذلك على لسان المتحدث باسم وزارة المالية أحمد ولي حقمل، الذي قال في مؤتمر صحافي في كابول الشهر الفائت، إن "حكومة طالبان تقوم اليوم ببدء عملية تحويل رواتب الموظفين لثلاثة أشهر سابقة"، مؤكدا أن الأمور التقنية قد انتهت بهذا الخصوص.
كما أكد حقمل أن حكومة طالبان بعد مساع حثيثة تمكنت من إجراء تعديلات في نظام الرواتب، وحددت رواتب متساوية للموظفين في جميع الدوائر الحكومية، مع استثناء بعض القطاعات مثل قطاع الصحة والتعليم، لأن الرواتب فيها تُحدّد على أساس التخصّص.
وأشار إلى أنه في الحكومة الماضية لم يكن هناك معيار خاص لدفع الرواتب، منوها إلى أن الآلية الجديدة للرواتب قد اعتمدها مجلس الوزراء.
ويوضح أنه بحكم الآلية الجديدة، تُصرف الرواتب لمن حضر من الموظفين إلى المؤسسات وهم الذين سمحت لهم طالبان بذلك، بينما حرمت شرائح كبيرة من الذين كانوا يعملون في الحكومة سابقا ولم تسمح لهم طالبان بالعودة حتى الآن، علاوة على حرمان العاملين في المشاريع الوطنية التي كانت تمول من المؤسسات الدولية.
ومن بين تلك الشرائح عناصر الجيش والشرطة السابقون، وجل من كانوا يعملون قبل طالبان في وزارة الداخلية والدفاع، إذ إن طالبان لم تدع إلى الوزارتين من أعضاء الجيش والشرطة السابقين سوى التقنيين ومن تحتاج إليهم الحركة، وهو ما أوضحه بكل صراحة الناطق باسم الحركة ذبيح الله مجاهد قائلا: "إننا دعونا فقط التقنيين والمهنيين من عناصر الجيش السابقين، وليس العناصر".
وأكد أن معظم هؤلاء العناصر كانوا مدمني مخدرات، ولم يكن لديهم روح الدفاع عن الدين والوطن، لذا فإن عناصر طالبان هم أولى بأن يكونوا "عناصر الجيش الإسلامي القادم".
معلوم أن عناصر الجيش والشرطة والأمن بأكمله كان عددهم يصل إلى 350 ألف شخص، جل هؤلاء (سوى التقنيين) باتوا محرومين من الرواتب، لأن آلية طالبان الجديدة تنص على دفع الرواتب لمن حضر الوظيفة وهم من سمحت لهم هي حصرا. وهذا يعني أن تلك الشريحة في مجملها محرومة من الرواتب، ما يخيب أمل جل هؤلاء.
في السياق، يقول الضابط في الجيش السابق، سمير الله خان، لـ"العربي الجديد": "كنا نتوقع أن تدعونا طالبان، وقد وعدنا من استقرضنا منهم المال أننا سوف ندعى إلى العمل وتدفع رواتبنا، بالتالي نسدد لهم الديون، أولادنا وأهالينا كلهم يتابعون الأخبار ليسمعوا خبرا جيدا، لكن يبدو مع الأسف أن طالبان لا تريد ذلك، وليست لديها النية مستقبلا، لا أقول ذلك لعيالي ولأولادي كي يبقوا على الأمل على الأقل، ولكني أدري ذلك، وهو أمر مؤسف للغاية".
على هذا المنوال، اشترى محمد أيوب، العنصر السابق في الشرطة، سيارة أجرة بعدما أمدّه أبوه ببعض المال، وهو الآن يخرج في الصباح الباكر ليشتغل في السوق ويرجع مساء إلى أولاده بلقمة عيش. ورغم ذلك، يبقى في حالة معيشية ونفسية صعبة للغاية، بعدما كان يأمل في يوم إعلان طالبان تصريف رواتب لثلاثة أشهر أن يعلن أيضا أنها للجميع.
ويقول أيوب لـ"العربي الجديد" إن سيارة الأجرة عمل جيد، لذا لجأ الكثيرون من أقرانه إلى العمل فيها، بينما بعضهم إتخذوا مهنا أخرى من أجل كسب لقمة العيش لأولاده، موضحا أن طالبان إذا فعلا قرر الإستغناء عن عناصر الشرطة والجيش السابقين فهذا مؤسف للغاية وهذا يعني أننا محرومون من مرتباتنا السابقة وكذا من العمل في المستقبل.
إلى جانب الشرطة وعناصر الأمن والجيش، باتت الشريحة النسائية التي كانت تعمل في الحكومة السابقة، من الشرائح المحرومة أيضا من العمل والرواتب، إذ إن طالبان لم تدع إلى العمل سوى عدد بسيط تحتاج إليه، مثل النساء اللواتي كن يعمل في مجال الصحة أو العاملات في إدارة الجوازات وهكذا، بينما معظم النساء بتن محرومات من الرواتب.
في هذا السياق، تقول خديجه كريمي التي كانت تعمل في السابق مستشارة في إدارة المواردة البشرية في وزارة الحج والأوقاف لـ"العربي الجديد": "إن مشاكلنا تزداد يوميا، لقد كنت أعمل في الحكومة وأتقاضى 8000 أفغانية (85 دولارا تقريبا)، وكنت أساهم في أمور المنزل بسداد فاتورة الكهرباء والماء ورسوم أولادي المدرسية، بالإضافة إلى ما كنت أحتاج إليه شخصيا".
وتابعت: "الآن بتّ محرومة من العمل، وطالبان لم تسمح لنا بالعودة إلى مكان العمل؛ بالتالي أنا محرومة من الراتب، أنا أواجه مشاكل كثيرة، إني امرأة محجبة، أحب حجابي ولا يوجد هناك أي ذريعة كي تستغني طالبان عن نساء أمثالي، ولكن مع الأسف الآن في وزارة الحج والأوقاف لا توجد أي امرأة ولا ندري هل طالبان ستدعونا إلى العمل في المستقبل أم لا؟".
كذا تقول فرشته عزيزي التي تحمل شهادة الماجستير وأكملت التعليم رغم المشاكل المعيشية والاقتصادية لـ"العربي الجديد": "كنت أعمل في وزارة الحج والأوقاف وكنت مسؤولة إدارة تربية النساء، وكان عملنا تربية النساء وتعليمهن، وكانت جميع أمورنا وفق الشريعة الإسلامية، وهي ما كانت طالبان تدعو إليه، لكننا منعنا من الذهاب إلى مكاتبنا".
كانت فرشته تسد بالراتب الذي تأخذه من الحكومة وقدره 10 آلاف أفغانية (106 دولارات تقريبا) احتياجات المنزل، لأن زوجها مريض وعاطل من العمل، الآن ووفق آلية طالبان الجديدة أضحت هي أيضا مثل زوجها محرومة من العمل والراتب، وبات أولادها بلا عمل، كما أن أمور عائلتها تسير على أموال تقترضها من الأقارب.
تضيف فرشته عزيزي أن "الحياة أصبحت مستحيلة في أفغانستان، الشتاء على الأبواب ولا وسائل تدفئة لدينا، كما أن المواد الغذائية والاحتياجات الأولية ترتفع أسعارها يوميا، حيث وصل قيمة كيلو غاز الطهي الذي نستخدمه للتدفئة في ظل انقطاع الكهرباء إلى 100 أفغانية تقريبا (أكثر من دولار واحد)، وهو خارج عن وسع أسر مثل أسرتنا".
ومن الشرائح المحرومة من الرواتب العاملون في المشاريع الحكومية التي كانت مرتباتهم على عاتق المؤسسات الدولية التي أغلقت أبوابها فتوقفت مشاريعها.
من ضحايا هذه الفئة راحلة واحدي، الموظفة في مشروع المائدة الوطنية، والتي كان عملها يتركز على إيصال المساعدات إلى الأسر الفقيرة.
تقول واحدي لـ"العربي الجديد": "عملت 6 أشهر في المشروع قبل سقوط طالبان، واستلمت راتب شهر واحد فقط، كنا ننتظر أن تدفع لنا مرتباتنا، لكن للأسف سقطت الحكومة وتوقف المشروع ولا ندري ما الذي سيحل بنا، حيث يبدو من سلوك طالبان أن كل تلك المشاريع غير مهمة لديها، بالتالي نبقى عاطلين من العمل".