عمدت دول المغرب العربي إلى إصدار قوانين صارمة واتخاذ إجراءات عديدة من أجل حماية القطاع المصرفي وأموال المودعين، إلا أن نظام الحماية في الجزائر على سبيل المثال كان هشاً في عملية تطبيق التشريعات، حسب مراقبين.
الجزائر
لم تتخلف الجزائر عن باقي الدول العربية في سن نظام لضمان الودائع المصرفية، قبل قرابة 20 سنة، إلا أن الإشكال لا يكمن في القوانين حسب المختصين في التشريع، بل في المحتوى والتطبيق، فالبنك المركزي الجزائري حدد نظام ضمان وتعويض هش ومعقد في الوقت نفسه لا يحمي المودعين، وهو ما أكدته تجربة "بنك الخليفة" الخاص، الذي لم يعوض نصف زبائنه إلى يومنا هذا بعد أكثر من 12 سنة من إعلان الحكومة عن إفلاسه.
ومنذ استقلال الجزائر سنة 1962، ظلت الثقة بين المصارف والمدخرين هشة، ولعل ما زاد من اهتزاز هذه الثقة هي الأزمات المالية وما صاحبها وأعقبها من نقص في السيولة، جعلت المواطنين يعزفون عن الإقدام على وضع ودائع مالية في البنوك، رغم وجود تشريعات قانونية ونظام ضمان للودائع.
ويوضح المسؤول في بنك "القرض الشعبي" بوعلام زوبيري أن "الجزائر وعلى غرار باقي التشريعات المقارنة التي اعتمدت أنظمة لضمان ودائع الجمهور، يعتبر هذا الأخير حديث النشأة، فأول إقرار له كان سنة 1990 في قانون القرض والنقد على شكل مواد فقط، إلا أن أول نظام لحماية أموال المودعين بقانون خاص ومستقل جاء سنة 2004.
وتوسعت صلاحيات "صندوق ضمان الودائع" الحالي، لتشمل حد التحقيق في سيولة البنوك، حسب ما يؤكده مسؤول التنظيم ببنك الجزائر الدولي خير الدين واعلي، الذي كشف لـ"العربي الجديد"، أن "صندوق ضمان الودائع البنكية يمتدّ دوره إلى ممارسة نوع من الرقابة على البنوك، كإجراء تحريات على حسابات البنك، دراسة الوضع المالي للبنك، والمشاكل والتهديدات التي قد تواجهه، وهو ما تتبعه بالضرورة إمكانية تقديم بعض التوجيهات والإرشادات، وقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى حد تمويل البنك المعني".
ورغم الترسانة التشريعية والنظام القائم، وهما الموضوعان لحماية الودائع في البنوك والمصارف، إلا أن تجربة "بنك الخليفة" تعتبر أعنف هزة تعرض لها النظام البنكي، سواء من حيث حجم الخسائر الاقتصادية أو الاجتماعية.
ويرى الخبير البنكي نبيل بوجمعة أن "نظام ضمان الودائع في الجزائر يتميز بانعدام التمويل الحكومي واقتصاره على مساهمة المصارف الأعضاء فيه". وأضاف متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن "تجربة بنك الخليفة أكدت أن التشريع في الجزائر هو مجرد حبر على ورق".
المغرب
طوّق المغرب ودائع الأسر والشركات لدى المصارف بالعديد من التدابير التي يراد منها تعويض المتضررين في حال تعذر إرجاعها، في الوقت نفسه الذي يفرض فيه البنك المركزي تدابير احترازية تحد من حرية المصارف في التصرف في تلك الودائع. وبلغت الودائع لدى المصارف إلى غاية نهاية يوليو/ تموز الماضي 1034 مليار درهم، حسب بيانات البنك المركزي.
ويرى رئيس الجامعة المغربية لجمعيات المستهلك وديع مديح أن مسألة تعثر الودائع لم يسبق لها أن طرحت في المغرب، خاصة بعد الامتثال لمبادئ لجنة بازل والجمعية الدولية لضمان الودائع، مشيرا إلى أن الدولة عبر بنك المغرب، هي التي تتولى حماية مدخرات وودائع المودعين، مشددا على أن التدابير الاحترازية وضعت من أجل تقييد سلوك المصارف.
ويشير إلى أن محافظ البنك المركزي عبد اللطيف الجواهري يلح على أنه يتوجب احترام القواعد الواجبة في مجال تدبير القروض والودائع.
ويذهب المهني السابق في قطاع التأمينات محمد العربي إلى القول إن بنك المغرب يحرص في فترة الأزمات، كما في الظرفية الحالية أو إبان أزمة 2008، على تتبع أداء المصارف من أجل حماية المودعين، كما يقيد سلوك المصارف في الإقراض حتى لا تقع في وضعية يصعب عليها استرداد ما في ذمه المقترضين تجاهها.
غير أنه في حال حدوث تعثر يتولى صندوق جماعي لضمان الودائع، تحت تدبير البنك المركزي، تعويض المودعين عندما يتجلى أن بنكا منخرطا فيه لم يعد قادرا على إرجاع الودائع والأموال الأخرى القابلة للإرجاع.
ويتصور الباحث عبد العزيز اليزيدي، المتخصص في قانون الأعمال، في دراسة له، أن الشروط الموضوعة للاستفادة من التعويض تخفف من فعالية الحماية التي أرادها القانون عند تصفية مؤسسة مصرفية.
تونس
اتخذت تونس منذ عام 2018 خطوات جديدة لحماية أموال المودعين وتعزيز الضمانات داخل الجهاز المصرفي، رغم غياب مؤشرات عن هجرة الأموال أو عن سحوبات مكثفة للأموال على امتداد العشرية الأخيرة التي عرفت فيها البلاد هزات سياسية واقتصادية وأمنية غير مسبوقة.
وتعتبر حماية أموال المودعين وزيادة الضمانات صلب القطاع البنكي من الآليات التي اشتغلت عليها السلطات النقدية في السنوات الأخيرة والتي انتهت عام 2020 من تفعيل عمل أول صندوق حكومي لضمان الودائع البنكية الذي تم إنشاؤه بمقتضى قانون المالية لسنة 2016.
ويقول مصدر مسؤول بالبنك المركزي التونسي، فضل عدم الكشف عن اسمه، إن تونس لم تسجّل خلال السنوات الماضية حاجة إلى تعويض المودعين عبر الآليات المتاحة بما في ذلك صندوق ضمان الودائع البنكية.
وذكر المصدر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن السلطات النقدية تسعى إلى تحسين عوامل الثقة بين الجهاز المصرفي والعملاء. وأضاف في سياق متصل، أن الأزمات الاقتصادية والأحداث السياسية الكبرى التي عاشتها تونس لم تؤثر على ثقة المودعين في البنوك والمؤسسات المالية ولم تسجل البلاد سحوبات مكثفة للأموال أو هروبا لأصحابها.
ويقول الخبير المالي أيمن الوسلاتي إن تحسين وتطوير أنظمة الوقاية مهمان جدا في القطاع المصرفي، معتبرا أن توفير آليات الضمان لتعويض أموال المودعين يخفض عناصر الريبة والمخاوف التي تتسبب في السحوبات المكثفة وتشكل مخاطر للبنوك وتحويلها لحسابات في الخارج.
وأكد الوسلاتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الجهاز المصرفي يحكم السيطرة على تسرب الأموال، ما يحول دون تعرض البنوك لمخاطر الإفلاس.
وعقب إعلان الرئيس قيس سعيد التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/ تموز الماضي، طالب المعهد العربي لرؤساء المؤسسات (منظمة غير حكومية)، في بيان له، بضرورة اليقظة واتخاذ الإجراءات اللازمة عنـد الحـاجة إلى تجنـب بروز ظواهر الريبة والشك في الاقتصاد.
ليبيا
تآكل ودائع ثلاثة مصارف حكومية، والتعثر المالي لمصارف خاصة، وصفا من قبل مصرفيين بأنهما ربما يكونان بادرة لوضع مصارف ليبية على حافة الإفلاس، إلا أن رئيس جمعية المصارف الليبية عبد الفتاح الغفار أكد لـ"العربي الجديد"، بأنها تعاني من سوء إدارة وغير مهددة بالإفلاس.
وذكر نائب مدير صندوق أموال المودعين محمد أبوسنينة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن صندوق ضمان أموال المودعين نظام جديد على القطاع المصرفي في ليبيا رغم أنه معمول به في دول العالم منذ فترات طويلة من أجل تأمين وحماية أموال المودعين، وخصوصا صغار المودعين، وتعزيز ثقتهم في المؤسسات المصرفية، والذي يتطلب قطاعا مصرفيا متماسكا جديراً بالثقة في الداخل والخارج.
وأضاف أن الصندوق يضمن ثلاثة أنواع من الودائع، هي (ودائع تحت الطلب، أي الحسابات الجارية، وودائع لأجل، وودائع حسابات للتوفير).
من جانبه، أكد رئيس جمعية المصارف الليبية عبد الفتاح الغفار أن ليبيا لم تسجل حالة إفلاس واحدة أو تعثر لبنك خلال السنوات العشر الماضية، لأن قانون المصارف وضع جوانب قانونية تمنع الإفلاس، على حد تعبيره.
وأوضح أن صندوق أموال المودعين دوره يقتصر على القيام بتعويض العملاء في حال إفلاس مصرف بمبلغ لا يتجاوز 15 ألف دينار فقط كحد أعلى.
وحول سؤال "العربي الجديد" بشأن إغلاق المقاصة بين مصارف طرابلس والشرق منذ عام 2015 تسبب في خسائر مالية، أوضح الغفار أن الإغلاق قرار سياسي وليس اقتصادياً، ويمكن تدارك الأمر بشأن مصارف المنطقة الشرقية ومنح قروض من مصرف ليبيا المركزي.
وبشأن مصرف الإجماع العربي الخاص الذي يعاني من تعثر مالي، أكد رئيس جمعية المصارف الليبية أن المصرف لديه استثمارات كثيرة، وقانون المصارف وضع جوانب فنية عديدة، ومن الصعب الإعلان عن إفلاس أي مصرف محليا، ولكن بمعايير عالمية يعتبر المصرف في حالة غير جيدة.