صراع النفط يربك حسابات الليبيين والغرب

24 ابريل 2022
حقل نفط في ليبيا (فرانس برس)
+ الخط -

أسبوع مضى على إيقاف الإنتاج في حقول وموانئ نفطية ليبية، من دون أن تلوح في الأفق مؤشرات لعودة قريبة للإنتاج والتصدير، كما حدث في آخر إغلاق وقع في مارس/آذار الماضي، ما يثير تساؤلات عدة حول تداعيات هذا الوضع على البلد الذي يشهد بالأساس صعوبات اقتصادية ومعيشية، فضلا عن كيفية تعامل الأطراف الدولية المتأثرة بأسعار النفط مع هذا الوضع.

وتختلف الآراء حول التأثيرات الاقتصادية والسياسية المنتظرة، ففي حين يتوقع أستاذ الاقتصاد في الجامعات الليبية، عبد السلام زيدان، تأثيراً مباشراً على حكومة الوحدة الوطنية عبر جفاف منابعها المالية، يعتقد أستاذ العلاقات السياسية الدولية والسياسات المقارنة بجامعة تكساس، إبراهيم هيبة، أن الحكومة تستطيع الصمود مالياً على المدى القريب.

وتفقد ليبيا يومياً فرصة تصدير 550 ألف برميل، وتنتج مثلها فقط الآن، بعد قيام بعض أهالي وسكان الجنوب والشرق الليبي بإغلاق حقول وموانئ في مناطقهم، مقايضين فتح الإنتاج بتسليم الحكومة مهامها للحكومة الجديدة.

ويوضح زيدان وجهة نظره حول التأثيرات الاقتصادية قائلا لـ"العربي الجديد": "الاقتصاد الليبي بسيط جداً، فالميزانية تعتمد كليا على صادرات النفط والغاز التي تحال إيراداتها من مؤسسة النفط للبنك المركزي، ويتولى البنك إنفاقها على 5 بنود هي المرتبات، والنفقات التسييرية، والدعم السلعي، والتنمية، والطوارئ".

ويضيف: "في أحسن الأحوال سيتمكن المصرف المركزي من الإنفاق على المرتبات ودعم المحروقات، وهذا يعني جفاف المنابع الرئيسية للحكومة التي لم تحسن ترشيد الإنفاق، ولا أعتقد أنها ستحسنه مستقبلا".

في الجانب الآخر، يقول هيبة: "الحكومة لا تعتمد في الغالب على إيرادات النفط الواردة في نفس السنة، بل من واردات السنة السابقة، وأعتقد أن لدى المصرف المركزي ما ينفق على الحكومة في المدى القريب، وفي تقديري سيسبق التأثير السياسي للأزمة جانبها الاقتصادي".

ويضيف، في حديث لـ"العربي الجديد": "من منظور أن السياسة هي من كانت وراء الإغلاق، أتوقع أن يسلم الدبيبة السلطة في آخر المطاف، فالمال هو الأساس، والدبيبة لا يريده لتوفير المرتبات ودعم المحروقات وتسيير شؤون الدولة، بل لإنفاقه في جلب الولاءات، خاصة من الكتائب المسلحة، فالحصول على السلطة والبقاء فيها بات يتطلب ذلك، وقد فعل ذلك من كان قبله، والدبيبة يفعله الآن".

ويرى هيبة أن هناك "مداً محلياً ودولياً بات يلحّ في مسألة تحييد المال عن التأثير السياسي، وسيدفع هذا للضغط على محافظ المصرف المركزي، الصديق الكبير، لإبعاد الإنفاق عن التجاذبات السياسية والصراعات، وبدا ذلك من خلال تصريحات المبعوث والسفير الأميركي، والمستشارة الأممية للشأن الليبي".

يتابع: "علاقة الدبيبة والكبير (محافظ المصرف المركزي) جيدة إلى الآن، ولكن الكبير شخص عقلاني كما أظن، ويحسن حسابات الربح والخسارة، وأعتقد أنه سيتخلى مضطراً عن الدبيبة في لحظة ما، وهذا تماما ما يريده عقيلة صالح وخليفة حفتر وفتحي باشاغا إن سلّمنا أنهم وراء الإغلاق. وذلك من خلال خلق ضغط على المجتمع الدولي المستفيد من النفط والغاز الليبي، ودفع ذلك في اتجاه يفضي إلى تخلي الدبيبة عن السلطة".

ويطرح عضو معهد السياسات في جامعة جون هوبكنز، حافظ الغويل، زاوية أخرى قد تكون في صالح الدبيبة، وهي أن هذا الإغلاق لا يخدم أميركا والاتحاد الأوروبي أثناء الحرب الروسية في أوكرانيا وتأثر أسعار النفط".

وقال الغويل لـ"العربي الجديد": "إغلاق النفط يناسب روسيا من ناحية، ويأتي ضد المصلحة الأوكرانية والأوروبية والأميركية، لأن فقدان نسبة البترول الليبي في السوق يعني أن الاعتماد سيزيد على البترول والغاز الروسي، ومع وجود مقاطعة له لكن التهريب موجود دائماً".

في هذا الجانب، يؤكد زيدان تفاعل المشترين مع الانقطاعات المستمرة للنفط في ليبيا، ومع أن الارتفاع مدفوع أولا بمخاوف شح المعروض الناتجة عن تفكير الاتحاد الأوروبي في حظر محتمل لواردات النفط الروسية، إلا أن الأزمة الليبية لا تخدم الوضع وتزيده تأزما، وفق قوله.

ويأتي الارتفاع أيضا بعد نشر بيانات أميركية عن تراجع غير متوقع في مخزونات الخام في الولايات المتحدة. وصعدت العقود الآجلة لخام برنت بنحو 1.53 دولار، لتسجل عند التسوية نهاية الأسبوع الماضي 108.33 دولارات للبرميل، في حين زادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي بـ 1.60 دولار، لتسجل عند التسوية 103.79 دولارات للبرميل.

ومع اتفاق هيبة على المصلحة الروسية في إيقاف الإنتاج، إلا أنه يستبعد ضلوع روسيا في الأمر، ويعلل ذلك بالقول: "أي دور روسي سيتم فضحه، وسيكون الأمر بمثابة انتحار سياسي للجهة التي تقف وراء الإقفال".

وتتبادل حكومتان متصارعتان في ليبيا الاتهامات حول التسبب في إيقاف الإنتاج، ويتهم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة حكومة باشاغا المكلفة من مجلس النواب بالوقوف وراء الإغلاق، على خلفية أنه تم من قبل مناصرين لها، وفي الجانب الآخر تبادلها حكومة باشاغا التهمة، مرجعة إغلاق النفط للانزعاج العام من إفراط الدبيبة في الإنفاق، خاصة على الكتائب الأمنية".

يذكر أن حكومة باشاغا التي أدت اليمين قبل شهرين أمام مجلس النواب لم تتمكن من دخول العاصمة طرابلس بسبب رفض حكومة الدبيبة تسليم السلطة إلا لجهة منتخبة. ويزيد من تعقيد الصراع الحكومي نزاع آخر يتزامن بين مجلسي النواب والدولة، ولم يحسم الخلاف فيه حول آلية وموعد إجراء الانتخابات القادمة.

المساهمون