- "هلا للاستشارات والسياحة" تنظم خروج الفلسطينيين يوميًا عبر معبر رفح، مع رسوم باهظة وخدمات VIP لتسهيل السفر وتجنب الإجراءات المعقدة.
- إبراهيم جمعة العرجاني، الملقب بـ"ملك المعبر"، يمتلك نفوذًا وعلاقات متشابكة مع الجيش المصري، ويساهم في مشاريع كبرى مثل إعادة بناء غزة ودعم النادي الأهلي.
في اقتصاد الحرب تصبح مصائب البشر ودمار الحجر مغنماً بالنسبة للناشطين في مجال تهريب البضائع والناس. فكيف ينطبق ذلك على إخراج الفلسطينيين من غزة، ومن يقف وراء هذه العمليات، وكم جنوا من الأموال منذ بداية الحرب حتى الآن؟ الموضوع تناولته في تحقيق استقصائي مفصّل صحيفة "ذا تايمز" البريطانية ونشرته قبل يومين، وعمدت فيه إلى تغيير أسماء من تحدثت إليهم، نظراً لحساسية الموضوع.
يشير التحقيق إلى احتمال أن تكون شركة "هلا" التي يملكها رجل الأعمال المصري إبراهيم جمعة العرجاني قد حققت 88 مليون دولار في غضون أسابيع، من خلال فرض رسوم على الفلسطينيين اليائسين أكثر من 5000 دولار للخروج من غزة إلى مصر، ضمن قائمة يحضر أفرادها إلى معبر رفح الحدودي، حيث يكون بمقدورهم بعد ذلك مغادرة غزة إلى مصر سيراً على الأقدام، لكنهم لا يسافرون كلاجئين، بل عملاء يدفعون الثمن.
وحققت الشركة المصرية الخاصة "هلا للاستشارات والسياحة" التي يُزعم أنها لطالما تمتعت بروابط قوية مع الدولة، عملاً مربحاً من خلال إخراج الفلسطينيين من غزة عبر الحدود يومياً، علماً أن الشركة التي تحتكر فعلياً النقل التجاري عبر معبر رفح، تفرض رسوماً على إخراج الفلسطينيين البالغين تصل إلى 5000 دولار للفرار من حرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة، مقابل 2500 دولار لمن تقل أعمارهم عن 16 عاماً.
ويشير التحليل الذي أجرته الصحيفة اليومية، ويتضمن تفاصيل أسماء وأعمار سكان غزة المسجلين لدى شركة هلا للدخول إلى مصر، إلى أن الشركة ربما تكون قد حققت ما لا يقل عن 88 مليون دولار منذ بداية مارس من إجلاء أكثر من 20 ألف شخص. ففي بداية إبريل/نيسان، ارتفع عدد الأسماء في هذه القوائم كل يوم من نحو 295 إلى 475 شخصاً، مما قد يؤدي إلى زيادة متوسط الإيرادات اليومية من 1.25 مليون دولار حداً أدنى إلى مليونَي دولار يومياً، علماً أن بعض المغادرين دفع أحياناً ما يصل إلى 10 آلاف دولار.
وقد أُسّست شركة "هلا" عام 2019 لتقديم خدمة نقل VIP من غزة إلى مصر، بتكلفة بين 350 دولاراً و1200 دولار، بحسب الموسم. وتمكن من استفادوا من الخدمة من تجنب الانتظار الطويل للحصول على الموافقة ورحلة شاقة تمتد ثلاثة أيام عبر شبه جزيرة سيناء للوصول إلى القاهرة. ويستخدم سكان غزة الأثرياء هذه الخدمة لتسهيل سفرهم، وقد اعتمد عليها من يحتاجون إلى ضمان وصولهم في تاريخ محدد، كالطلاب على سبيل المثال.
غير أن عمليات إخراج الفلسطينيين العادية جُمّدت بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، في حين أن خدمات التنسيق استؤنفت في أواخر يناير/كانون الثاني مقابل رسوم أعلى، وفقاً لمشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد. وقُدّمت مزيد من الشهادات من سكان غزة إلى "سكاي نيوز" و"بي بي سي" في فبراير/شباط، ويبدو أنها تدعم المزاعم المتعلقة بتحصيل 5000 دولار مقابل مغادرة الشخص الواحد.
كيف تجري عملية إخراج الفلسطينيين من غزة عبر خدمة العرجاني؟
تبدأ الحكاية من تواصل أحد أفراد الأسرة المباشرين مع الشركة لتسجيل أسماء من يرغب في إخراجهم لدى مكتبها الرئيسي في مدينة نصر، شرقي القاهرة، أو من ينوب عن هذه الأسرة بموجب توكيل. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فأحياناً يتطلب الأمر محاولات عدة قبل الوصول إلى مكتب الاستقبال وتسليم مبلغ 5000 دولار نقداً عن كل مسافر بالغ، لتجري عملية التسجيل. ومع ذلك، وبموجب قاعدة جديدة جرى إدخالها في 12 مارس/آذار، لم تقبل "هلا" التسجيل إلا من الأقارب المباشرين، لكنها أغرت زبائنها المضطرين باستثناء من هذه القاعدة، لقاء دفع مبلغ إضافي نقدي قدره 1500 دولار، ليصل المبلغ في هذه الحالة إلى 6500 دولار لكل شخص، على أن ينتظر المعنيوين أحياناً ما يصل إلى ثلاثة أسابيع قبل ظهور أسمائهم في القائمة المعتمدة.
ورغم كل ذلك، نفت حركة حماس وجود نظام يدفع بموجبه سكان غزة آلاف الدولارات للإخلاء. كما تنفي مصر أيضاً هذه الاتهامات، ويقول رئيس هيئة الاستعلامات إنه لا يوجد تحصيل أموال من أجل دخول البلاد. لكن على الرغم من نفي وجود خدمة المعابر الحدودية، تدخلت الهيئة العامة للمعابر والحدود التي يديرها الفلسطينيون هذا الشهر لتنظيم فترة زمنية محددة لعبور عملاء "هلا" من الساعة 8 صباحاً حتى 10 صباحاً.
وادّعى تحقيق أجرته "هيومن رايتس ووتش" بشأن شركة "هلا" قبل بدء العدوان الإسرائيلي أن الشركة "لها علاقات قوية مع المؤسسة الأمنية المصرية، ويعمل بها إلى حد كبير ضباط عسكريون مصريون سابقون". لكن بالنسبة للفلسطينيين الذين ما زالوا محاصرين في رفح، قد تكون "هلا" أملهم الوحيد في مغادرة القطاع، على حد تعبير الصحيفة البريطانية.
من هو رجل الأعمال المصري إبراهيم جمعة العرجاني وما علاقته بالجيش؟
يشير التحقيق إلى أن "هلا" هي واحدة من شركات عدة تعمل تحت لواء "مجموعة العرجاني" التي يملكها رجل الأعمال المصري في سيناء إبراهيم العرجاني الذي تحول إلى قائد مليشيا، ويُلقّب بـ"ملك المعبر"، بسبب نفوذه الفريد على شبه الجزيرة ونقطة الدخول والخروج الوحيدة إلى غزة التي لا تخضع للرقابة، وتسيطر عليها إسرائيل بشكل كامل.
وسبق للعرجاني في عام 2008، أن أُدخل السجن بعد اختطاف ضباط شرطة انتقاماً لمقتل شقيقه رمياً بالرصاص. وبعد إطلاق سراحه في عام 2010، أنشأ "شركة أبناء سيناء للإنشاءات"، من أجل تأمين طرق الشاحنات عبر شبه الجزيرة، على أساس التحالفات القبلية. واليوم، تنشط الشركة في توصيل المساعدات إلى قطاع غزة، وسبق أن حصلت على عقد بقيمة 500 مليون دولار من الحكومة المصرية لإعادة بناء غزة عام 2021.
وبحلول عام 2015، أسّس العرجاني شركة تملك الدولة معظم أسهمها تحت اسم "مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار". كما أنشأ في الوقت نفسه تقريباً مليشيا تدعمها القوات المسلحة المصرية، لمكافحة التهديد المتزايد الذي تمثله الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيم داعش في المنطقة، إلى أن أصبح العرجاني رئيساً لـ"اتحاد قبائل سيناء".
كما أن العرجاني هو الراعي الرئيسي للنادي الأهلي لكرة القدم، وهو الأكبر في أفريقيا، ويدير صالة عرض شركة السيارات الألمانية العملاقة "بي أم دبليو" BMW في القاهرة، ويشارك في برنامج "رؤية 2030" الذي تبناه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.