سر الخلاف المفاجئ بين مصر وصندوق النقد الدولي

11 يوليو 2024
شارع المعز بحي الجمالية بجوار منطقة سوق خان الخليلي بالقاهرة، 24 يونيو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **الإجراءات الاقتصادية القاسية:** نفذت الحكومة المصرية إجراءات صارمة للحصول على قرض صندوق النقد الدولي، شملت تعويم الجنيه، رفع أسعار الفائدة، وتطبيق برنامج تقشف أدى لزيادة أسعار السلع والخدمات الأساسية، مما أثر سلباً على معيشة المواطنين.

- **بيع الأصول ورفع الأسعار:** قامت الحكومة ببيع أصول الدولة ورفع أسعار السلع الأساسية مثل الخبز والأدوية، وباعت منطقة رأس الحكمة السياحية للإمارات، وأرسلت مشروع قانون للبرلمان لخصخصة المرافق العامة.

- **تأجيل صرف الشريحة الثالثة:** قرر صندوق النقد الدولي تأجيل مناقشة صرف الشريحة الثالثة من القرض، مما يزيد من معاناة المواطنين ويؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

ما هو سر الخلاف المفاجئ بين مصر وصندوق النقد الدولي، خاصة وأن الحكومة المصرية فعلت كل ما في وسعها لنيل موافقة الصندوق على نيل الشريحة الثالة من قرض بقيمة ثمانية مليارات دولار على فترة 46 شهراً، عومت الجنيه للمرة الثالثة خلال عامين، وبين عشية وضحاها سمحت بخسارة العملة ما يزيد عن 40% من قيمتها في مارس/ آذار الماضي، رفعت أسعار الفائدة بمعدلات قياسية، وهو ما فاقم أزمة الدين العام وعجز الموازنة.

طبقت برنامج تقشف شديد بحق المواطن، يعد واحدا من الأعنف في العالم، صاحبه حدوث قفزات في أسعار السلع الغذائية والحياتية والخدمات والمواصلات العامة والاتصالات وإيجارات السكن وغيرها، رفعت الضرائب والرسوم الحكومية لمعدلات غير مسبوقة، حتى تجمع مستحقات الدائنين، وهو ما شكل ضغطا شديدا على معيشة المواطن وأنشطة الاقتصاد المختلفة ومنها الصناعة والاستثمار.

اقتربت الحكومة من واحد من أكثر الملفات حساسية لدى المصريين، حيث رفعت سعر رغيف الخبز بنسبة 300% بداية من الشهر الماضي، تم السماح بزيادة أسعار الأدوية بنسبة تصل إلى 80 وربما أكثر، سرعت بيع أصول الدولة والتفريط في مقدرات وثروات المصريين، وباعت منطقة رأس الحكمة، وهي واحدة من أفخم الأماكن السياحية للإمارات، مقابل 35 مليار دولار، سددت نحو 25% من مستحقات شركات النفط والغاز الأجنبية، اتخذت خطوات سريعة في ملف بيع الشركات العامة والبنوك، أرسلت على عجل مشروع قانون للبرلمان تمت الموافقة عليه على الفور ويسمح ببيع وخصخصة المرافق العامة، ومنها المستشفيات والمدارس الحكومية.

المصريون يكرهون صندوق النقد، بل ويعتبرونه عدواً لهم، والآن، يكنّ الصندوق نفس المشاعر لهم، ولذا يتفنن في إذلالهم وتعذيبهم بمباركة الحكومة

ورغم كل تلك القرابين وغيرها التي تقربت بها الحكومة المصرية لصندوق النقد في الأسابيع الماضية، إلا أن المؤسسة المالية قررت إرجاء مناقشة صرف الشريحة الثالثة من القرض الممنوح لمصر بقيمة 820 مليون دولار إلى 29 يوليو/ تموز الجاري، وتم حذف الطلب المصري من جدول أعمال المجلس التنفيذي للصندوق الذي كان مقررا بحثه أمس.

والحجة أن الحكومة لم تستوف كل الشروط المتفق عليها بشأن قرض الثمانية مليارات دولار، وأن هناك خطوات والتزامات يجب تطبيقها قبل الإفراج عن الشريحة الثالثة التي ستمهد الطريق أمام حكومة مصر للتقدم بطلب للحصول على قرض إضافي لمشروعات المناخ بقيمة 1.2 مليار دولار من صندوق "الصلابة والاستدامة" التابع لصندوق النقد.

قرار الصندوق الصادم للبعض يعني أننا أمام حقيقتين واضحتين، الأولى هي أن الدائن الأكبر لمصر يعمل لصالح المستثمرين الأجانب والدائنين، ولذا يضغط على الحكومة للإسراع بسداد مستحقات شركات النفط والغاز العالمية والبالغ قيمتها الاجمالية نحو 6.7 مليارات دولار منها نحو 1.2 مليارات دولار مستحقة لشركة إيني الإيطالية وحدها التي هددت باللجوء للتحكيم الدولي، وضغط الصندوق في وقت سابق لرفع أسعار الفائدة على الجنيه لمعدلات قياسية لتحقيق أصحاب الأموال الساخنة مكاسب سريعة بمليارات الجنيهات على حساب المواطن المصري والخزانة العامة التي تعاني من عجز غير مسبوق.

رغم كل تلك القرابين التي تقربت بها الحكومة لصندوق النقد، إلا أنه أرجاء مناقشة صرف الشريحة الثالثة من القرض الممنوح لمصر بقيمة 820 مليون دولار

أما الحقيقة الثانية فهي كره صندوق النقد الشديد للمصريين والإصرار على إفقارهم وتجويعهم والقضاء على الطبقة الوسطى بالتعاون مع الحكومة، ولذا يصر على إسراع الدولة بتنفيذ باقي برنامج التقشف من زيادات جديدة في أسعار البنزين والسولار والغاز والكهرباء والمياه والمواصلات العامة وغيرها من السلع والخدمات الحياتية، والإسراع في برنامج التفريط في أصول الدولة وبيعها للأجانب والدول الدائنة.

ولو فعلت الحكومة ذلك في الأيام المقبلة لوافق الصندوق على الإفراج عن الشريحة الثالثة على الفور، ومنح الحكومة القرض الإضافي، ولأوعز لدول ومؤسسات أخرى بسرعة الإفراج عن قروض جديدة تتجاوز مليارات الدولارات طلبتها الحكومة المصرية لتزيد أعباء المصريين وترهق المركز المالي للدولة.

قلت من قبل إن المصريين يكرهون بشدة صندوق النقد الدولي وسياساته شأن كل مواطني الدول المدينة والخاضعة لبرامجه التقشفية، بل ويعتبرونه عدوا مباشرا لهم، والآن، يكن الصندوق نفس المشاعر للمصريين، ولذا يتفنن في إذلالهم وتعذيبهم بمباركة رسمية.