رهان مصري على الكشوف الأثرية لانتشال السياحة من براثن الوباء

30 مايو 2021
تستغل مصر تاريخ البلاد الأثري كنقطة ترويج للسياحة (Getty)
+ الخط -

تراهن الحكومة المصرية على الاكتشافات الأثرية الأخيرة لإعادة تدفق السياح الأجانب مرة أخرى، رغم استمرار أزمة كورونا، في ظل تشكيك دولي في الأرقام الصادرة عنها حول أعداد الإصابات والوفيات، خاصة مع اعتقال السلطات للأطباء الذين شككوا علانية في هذه الأرقام، وفي ظل بطء عملية التلقيح في ضوء الأرقام الضئيلة من جرعات اللقاح التي حصلت عليها البلاد حتى الآن.

وفي محاولة لانتشال السياحة من كبوتها، يواصل العمال الحفر وجر  عربات يدوية محملة بالرمال، لفتح بئر عمودي جديد في موقع أثري خارج القاهرة، بينما يشرف عدد من الأثريين المصريين على العمل وهم جالسون على المقاعد.
يتم الحفر الاستكشافي عند سفح هرم زوسر المدرج، الذي يعد بلا شك أقدم هرم في العالم، والحفر واحد من العديد من أعمال التنقيب الحديثة التي أسفرت عن اكتشاف مجموعة من القطع الأثرية القديمة من أكبر موقع أثري في البلاد.

ومع إعادة انفتاح بعض الدول الأوروبية أمام السياح الدوليين، تحاول مصر  منذ شهور جذبهم إلى مواقعها ومتاحفها الأثرية. ويراهن المسؤولون على أن الاكتشافات الأثرية التي جرت مؤخرا ستميزها في سوق السياحة في منتصف وما بعد الوباء. وهم بحاجة إلى عودة الزائرين بقوة لضخ الأموال في صناعة السياحة، التي تعد إحدى ركائز الاقتصاد.

تداعيات كورونا
لكن على غرار البلدان الأخرى، تواصل مصر محاربة فيروس كورونا، وتكافح من أجل تطعيم شعبها، وحصلت البلاد، حتى الآن، على خمسة ملايين لقاح فقط لسكانها البالغ عددهم مائة مليون نسمة، بحسب وزارة الصحة. كما أعلنت الحكومة، في أوائل مايو/أيار، أنه تم تطعيم مليون شخص، على الرغم من أنه يعتقد أن هذا العدد أعلى الآن. في غضون ذلك، أبقت السلطات على دوران آلة الدعاية، وركزت على الاكتشافات الجديدة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

 

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن أثريون اكتشاف ما لا يقل عن مائة تابوت أثري يعود تاريخها إلى العصر الفرعوني المتأخر والعصر اليوناني البطلمي، إلى جانب 40 تمثالا مذهّبا تم العثور عليها بعد 2500 عام من دفنها لأول مرة.
جاء ذلك بعد شهر من اكتشاف 57 تابوتا آخر في نفس الموقع، وهو مقبرة سقارة التي يوجد بها الهرم المدرج.

كنوز أثرية

"سقارة كنز"، هكذا جاء تعبير وزير السياحة والآثار، خالد العناني، أثناء إعلانه عن اكتشافات نوفمبر/تشرين الثاني، مقدرا أنه تم حتى الآن اكتشاف واحد بالمائة فقط مما يحتويه الموقع.
قال العناني "مشكلتنا الآن هي أننا لا نعرف كيف يمكننا إبهار العالم بعد ذلك". 

إذا لم تقم الاكتشافات بذلك، فلن تقوم بها بالتأكيد قلة المحاولة.
من جانبه، أعلن زاهي حواس، أشهر عالم آثار مصري، في إبريل/نيسان الماضي، عن اكتشاف مدينة مفقودة عمرها ثلاثة آلاف عام في جنوب الأقصر، مكتملة بمنازل من الطوب اللبن وقطع أثرية وأدوات من العصر الفرعوني.
يعود تاريخ المدينة إلى زمن أمنحتب الثالث من الأسرة الثامنة عشرة، التي تعتبر فترة حكمها (1390-1353 قبل الميلاد) عصرا ذهبيا لمصر القديمة.
أعقب هذا الاكتشاف عرض احتفالي بثه التلفزيون لنقل 22 مومياء ملكية من المتحف المصري بوسط القاهرة إلى مقرها الجديد في منشأة ضخمة تقع في أقصى الجنوب في العاصمة، وهي المتحف القومي للحضارة المصرية.
أصبح منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر الآن مكانا لمتحف أثري، كما هو الحال في مطار القاهرة الدولي، وكلاهما افتتح في الأشهر الأخيرة. وقال المسؤولون أيضا إنهم ما زالوا يخططون لافتتاح المتحف المصري الكبير الجديد بجوار أهرامات الجيزة، بحلول يناير/كانون الثاني، بعد سنوات من التأجيل.

كما تم تخفيض رسوم الدخول للمواقع الأثرية، وكذلك تكلفة التأشيرات السياحية.
 

ولطالما استغلت الحكومة تاريخ البلاد الأثري كنقطة ترويج، في إطار جهود استمرت لسنوات، لإحياء صناعة السياحة المتضررة في البلاد.
كانت السياحة تعرضت لضربة شديدة أثناء وبعد ثورة يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك والاضطرابات التي أعقبت ذلك.

ووجّه فيروس كورونا ضربة مماثلة لهذه الصناعة، في وقت كانت بالكاد تقف على قدميها مرة أخرى.
في عام 2019، بلغت عائدات السياحة الأجنبية 13 مليار دولار. كانت مصر استقبلت حوالي 13.1 مليون سائح أجنبي، لتصل إلى مستويات ما قبل عام 2011 لأول مرة. لكن في عام 2020، استقبلت 3.5 ملايين سائح أجنبي فقط، بحسب الوزير العناني.
في المتحف القومي للحضارة المصرية الذي افتتح حديثا، كان المرشد السياحي محمود الريس يقود مجموعة صغيرة من السياح الأوروبيين في القاعة التي تضم المومياوات الملكية. قال الريس "كان عام 2019 عاما رائعا. لكن فيروس كورونا قلب كل شيء. لقد كانت ضربة قوية".

أرقام مضروبة
قال الوزير خالد العناني، إن حركة السياحة نشطت في الأشهر الأولى من عام 2021، رغم أنه لم يقدم أرقاما محددة. وكان متفائلا بقدوم المزيد من السائحين على مدار العام.
أضاف "مصر وجهة مثالية لمرحلة ما بعد كوفيد، من حيث أن سياحتنا هي بالفعل سياحة في الهواء الطلق".
لكن يبقى أن نرى ما إذا كانت البلاد تسيطر حقا على الفيروس أم لا. كانت مصر سجلت ما مجموعه 14950 حالة وفاة جراء الفيروس، ولا تزال تشهد أكثر من ألف حالة إصابة جديدة يوميا. ومثل البلدان الأخرى، يعتقد أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير.
لكن في مصر، اعتقلت السلطات الأطباء وأسكتت المنتقدين الذين شككوا في استجابة الحكومة، لذلك هناك مخاوف من أن المعلومات المتعلقة بالتكلفة الحقيقية للفيروس ربما تم إخفاؤها منذ البداية.
كما مرت مصر بتجربة صعبة في وقت مبكر من الوباء، عندما شهدت تفشي فيروس كورونا على أحد زوارقها السياحية في نهر النيل. وأغلقت البلاد حدودها في البداية بشكل كامل حتى صيف عام 2020، لكنها استقبلت لاحقا السياح مرة أخرى، أولا في مدن منتجعات البحر الأحمر، والآن إلى قلب البلاد في القاهرة ومدن الوادي التي يوجد بها معظم المواقع الأثرية الشهيرة.

لا يزال يطلب من الزائرين إثبات سلبية نتيجة اختبار كوفيد-19 من أجل دخول البلاد.
في سبب آخر يدعو إلى التفاؤل، قالت روسيا، في إبريل/نيسان، إنها تعتزم استئناف الرحلات الجوية المباشرة إلى المنتجعات المصرية المطلة على البحر الأحمر.
وكانت موسكو أوقفت الرحلات الجوية بعد أن فجّر الفرع المحلي التابع لتنظيم داعش الإرهابي، طائرة ركاب روسية فوق شبه جزيرة سيناء في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، ما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها.
أماندا، وهي مهندسة من النمسا تبلغ من العمر 36 عاما، عادت إلى مصر في مايو/أيار. كانت هذه ثاني زيارة لها خلال أربع سنوات. وقد زارت المتحف المصري والمتحف القومي للحضارة المصرية والقاهرة الإسلامية في قلب العاصمة التاريخية.
كانت قد خططت للمجيء العام الماضي، لكن الوباء منعها.
قالت أماندا "بمجرد أن فتحوا، أتيت. كان حلمي أن أرى الأهرامات مرة أخرى".
يقول المرشد السياحي محمود الريس إنه بينما يرى السياح بدأوا في القدوم بأعداد كبيرة، فإنه يدرك أن التعافي التام للصناعة لن يحدث بين ليلة وضحاها.
أضاف "سيستغرق الأمر بعض الوقت للعودة إلى ما قبل كورونا".


(أسوشييتد برس، العربي الجديد)

المساهمون