جاءوا من كل صوب وحدب لدعم تجربة ديمقراطية وليدة في تونس الخضراء، جاءوا من منطقة الخليج وتركيا وبعض دول أوروبا وجنوب شرق آسيا وأفريقيا، والهدف واحد، مساعدة البلاد على مواجهة أوضاع اقتصادية ومالية استثنائية وإعادة الأمل للشباب.
جاء عدد من هؤلاء ليعلن استعداده القوي لدعم الاقتصاد التونسي في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها، وبالتالي مساندة التجربة الديمقراطية الوليدة، فنجاح ديمقراطية تونس يخدم مصالح المنطقة بالكامل، واستقرارها يعني الكثير لاستقرار المنطقة، كما يعني الحد من مخاطر الهجرة غير المشروعة وتدفق اللاجئين نحو أوروبا نفسها.
استقبلت تونس اليوم الثلاثاء عرساً استثمارياً عالمياً شارك فيه رؤساء دول وحكومات ووزراء وممثلون عن مؤسسات مالية وصناديق عربية ودولية ووفود من 70 دولة ونحو ألفي شركة.
بعض المشاركين في المؤتمر، المنتمين للدول الداعمة للثورات العربية، جاء بهدف دعم تجربة تونس الديمقراطية، وآخرون جاءوا للبحث عن فرصة استثمار واعدة ومربحة داخل هذه الدولة التي شهدت انطلاق ثورات الربيع العربي قبل نحو 6 سنوات، خاصة وأن الحكومة عرضت على المشاركين 145 مشروعا بتكلفة استثمارية تتجاوز 50 مليار دولار بحلول عام 2020.
تجربة استهدفت، كما قال الرئيس التونسي الباجي السبسي في افتتاح مؤتمر تونس 2020 الذي أنطلق اليوم "تأمين الحياة اللائقة والكريمة لشعبنا، وتنمية الجهات المحرومة، وإعادة الأمل لشباب تونس، وهي أهداف تمثل مجتمعة صمام الأمان الذي سيرسخ السلم الاجتماعي ويثبت دعائم البناء الديمقراطي".
ورغم سعي الثورات المضادة الحثيث، ومعها قوى الإرهاب والظلام المتكرر، إجهاض التجربة التونسية الوليدة وإبعاد الحرية ومعها الاستثمارات والأموال عن البلد الواعد وإحلال الخراب والدمار بدلا منها، إلا أن نظرة لنتائج اليوم الأول لمؤتمر تونس الدولي تؤكد الفشل الذريع لهذه المحاولات المستمرة، فقد حصلت البلاد على دعم دولي لاقتصادها يبلغ نحو 10 مليارات دولار ما بين منح مالية ومساعدات لا ترد (1.25 مليار دولار من قطر وحدها) وقروض من الكويت والسعودية وتركيا وفرنسا والبنك الدولي وصناديق عربية وأوروبية، بالإضافة لتوقيع اتفاقيات بـ 4 مليارات دولار.
المؤتمر الدولي للاستثمار بداية لاستقطاب تونس استثمارات تحتاجها الدولة لدفع معدلات النمو الاقتصادي وامتصاص نسب البطالة المرتفعة خاصة بين الشباب، وبداية لإنجاح تجربة أصرت جميع القوى السياسية على نجاحها من خلال التعاون المشترك لا التناحر، المشاركة لا المغالبة، دولة تجمع الكل ليشارك في العملية السياسية ولا إقصاء لأحد.
الكرة الآن باتت في ملعب الحكومة التونسية التي عليها أن تهيئ المناخ لاستقطاب هذه الاستثمارات الباحثة عن مناخ آمن ومربح في ظل حالة القلق التي تسود أسواق المال العالمية بعد نجاح ترامب وصعود اليمين المتطرف في بعض الدول، وهذا يتطلب استقراراً سياسياً حقيقياً غير مفتعل والحد من الفساد داخل المؤسسات الحكومية.
كما يجب على تونس ألا تكرر تجارب دول عربية أخرى استضافت مؤتمرات دولية كبري أعلنت خلالها عن تلقيها استثمارات بعشرات المليارات من الدولارات، إلا أن الوقت مرّ، والمليارات لم تأت، والسبب عدم وجود استقرار سياسي حقيقي واستمرار حالة الاحتقان السياسي داخل المجتمع، ومعها تصاعدت اضطرابات سوق الصرف، والأزمات المعيشية، والارتفاعات القياسية في الأسعار.