خط الغاز "تاب" العابر للبحر الأدرياتيكي... تحديات تعترض جدواه الاقتصادية

02 ابريل 2021
يحظى هذا الخط بدعم سياسي كبير وعلى وجه التحديد انطلاقاً من أوروبا (فرانس برس)
+ الخط -

منذ افتتاحه رسمياً في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2020، أصبح خط أنابيب الغاز العابر للأدرياتيكي (تاب) أحد أهم شرايين إمداد القارة الأوروبية بالغاز الطبيعي من حقول أذربيجان، مروراً بشبه جزيرة الأناضول واليونان وألبانيا، وصولاً إلى مدينة سالينتو الإيطالية الساحلية المطلة على البحر الأدرياتيكي، على امتداد 878 كيلومترا.

ويحظى هذا الخط بدعم سياسي كبير، وعلى وجه التحديد انطلاقاً من أوروبا، حيث ساندت بروكسل بقوة المشروع، الذي يسمح بفتح مصدر جديد للإمداد بالغاز من شأنه إيجاد توازن في ثقل الإمدادات الذي يميل بشدة نحو موسكو، التي تورد، عبر عملاق الطاقة غازبروم، لأوروبا أكثر من ثلث احتياجاتها من الغاز الطبيعي.

وعلى الرغم من ذلك، فقد ثارت شكوك حول ما إذا كان هذا المشروع قد جاء بعد فوات الأوان، وذلك بالنظر إلى تراجع الطلب على الغاز الطبيعي من قبل تفشي جائحة كورونا.

علاوة على تلك الشكوك، فقد لاقى (تاب) معارضة حامية في إيطاليا من قبل السلطات المحلية في مدينة سالينتو وجماعات حماية البيئة وحزب الخضر، وذلك بسبب الأضرار الجسيمة التي ألحقها المشروع بالبيئة والمناطق السكنية والمناظر الطبيعية الجميلة التي تتميز بها المدينة (تم اقتلاع 1757 شجرة زيتون من أصل 2109 شجرات كانت تعترض طريق المشروع، والباقي تم نقله بصفة مؤقتة إلى صوبات لحمايته).

وبناء على الدعاوى القضائية التي رفعتها تلك الجهات، قام القضاء الإيطالي بفتح تحقيق، كما وجهت نيابة مدينة ليتشي الاتهام لـ18 من قيادات (تاب إيطاليا) الذين دفعوا بأن جميع أعمال المشروع نفذت عبر احترام القانون وبالاتفاق مع الوزارات المعنية؛ إلا أن هذا الحديث لم يقنع قيادات سالينتو التي رفضت استقبال ممثلي (تاب) والـ25 مليون يورو التي خصصتها تعويضاً والتي ظلت في الحساب الجاري للشركة.

وتبلغ حصة إيطاليا في كونسورتيوم (تاب)، الذي يمد روما وأوروبا بـ20 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، 20% من خلال مجموعة "سنام" الرائدة في قطاع البنى التحتية للغاز الطبيعي على مستوى أوروبا، بوصفها شريكا صناعيا.

وعن الجدوى الاقتصادية للمشروع بالنسبة لإيطاليا، أوضح لوكا سكييباتي، رئيس خط أنابيب الغاز العابر للأدرياتيكي (تاب) في تصريحات خاصة لصحيفة "كورييرى ديللا سيرا" الإيطالية، أن "الهدف المفترض من المشروع كان الحصول على مزيد من السيولة من الغاز الطبيعي، وبعد مرور 3 أشهر على افتتاح خط الميثان الذي ينتهي به المطاف في محطة الوصول في إيطاليا عند مدينة ميليندونيو بإقليم بوليا، تجاوزنا مليار متر مكعب، ما ترتب عليه تراجع في (السبريد) الذي كان يأتي في غير صالح إيطاليا تاريخياً".

أضاف: "نحن نقوم حالياً بتخفيض الفارق السعري المحدد بيوروين اثنين للميغاوات لتكلفة الغاز بالجملة، ما يعد ثمرة للمواجهة بين العرض والطلب في بورصة الغاز. وفي ما يتعلق بالعقود، فهي ما زالت ثابتة على سعر السوق، مع سرعة تكاد تكون فورية في التواؤم، وفي غضون أسبوعين في يناير/كانون الثاني الماضي، تمكنت إيطاليا من تصدير من 60-70 مليون متر مكعب، ومع كون تلك الأرقام هامشية، إلا أنها تسجل تغيراً له دلالته".

وتابع أنه "من أجل التمكن من تصدير الهيدروجين، فإننا بحاجة للعمل على توافق المواد عبر دراسة قوة رد الصلب والاستثمار في المكونات واللحام ومحطات الضغط. ونحن نقيم حالياً إجراءات المواءمة اللازمة لنقل الهيدروجين حتى نسبة 10% من القدرات الإجمالية، أي 1 مليار متر مكعب سنوياً".

وختم سكييباتي بقوله "لقد أعدنا غرس 1800 شجرة زيتون أيضاً في إيطاليا في مواقعها الأصلية، وزرعنا 12 ألف نبتة في منطقة غابات بالقرب من مجمع ميليندونيو، كما قدمنا الدعم أيضاً لمشروعات تحديث لأسطول مراكب الصيادين المحليين، قرابة مليون يورو على مدار 3 سنوات".

وفي سياق متصل، أجرت صحيفة "فورميكي" الإلكترونية الإيطالية حواراً مع دافيدي سيمبيو، مدير الشؤون الخارجية بـ"تاب إيطاليا"، الذي استهل حديثه بتأكيد أن خط غاز (تاب) يسهم في إحداث ثورة في قطاع الطاقة في البحر المتوسط، اليوم عبر الغاز الطبيعي، وغداً من خلال الهيدروجين، ما يتيح لإيطاليا وأوروبا إمكانية تنويع مصادر إمداداتهما من الطاقة، بالتزامن مع التطور الذي تشهده البنى التحتية للطاقة الموجودة بالمنطقة من إنتاج الوقود الأحفوري إلى المزيد من الطاقة المتجددة.

هذا التطور يواجه سلسلة من التحديات المرتبطة بتنويع الإنتاج وبإجراءات أمنية أكثر صرامة، علاوة على التحدي الأكبر للهيدروجين الذي باتت إيطاليا مستعدة لاستقباله.

ورداً على سؤال حول دور (تاب) في دعم عملية نزع الكربون القائمة حالياً، أوضح سيمبيو أن "الغاز سوف يصبح عنصراً أساسياً على الأقل على المدى المتوسط، من أجل دعم عملية التحول نحو اقتصاد خال من الانبعاثات، وهذا ما يتفق عليه الجميع لسبب بالغ الأهمية؛ هو أن الغاز ما زال يمثل أكثر مصادر الطاقة الأحفورية من حيث الاستدامة، ليس فقط عبر خواصه البيئية والمناخية الاستثنائية، وإنما لكونه متوفرا دائماً على عكس مصادر الطاقة المتجددة الأخرى التي ليس لها الدرجة ذاتها من التوفر.

والسؤال الذي يطرح نفسه علينا حالياً هو: كيف نطيل العمر الافتراضي للبنى التحتية الحالية من الزاوية الأكثر اتساعاً لعملية التحول في الطاقة؟ في هذا السياق، يتعين على الشركات أن تدرك تمام الإدراك أن الدافع الذاتي عينه لن يقتصر فقط على جلب الغاز، وإنما ستكون ثمة إمكانية لمواءمة الشبكات والبنى التحتية أيضاً من أجل نقل الهيدروجين، على سبيل المثال، على الأقل في توليفة. من أجل إنجاز ذلك، يلزمنا اتخاذ تدابير فنية في إطار لائحي ملائم، من أجل التمكن من المضي قدماً في هذا الاتجاه".

واعتبر المسؤول والخبير الإيطالي أن "الأمن التعاوني للتصدي للتهديدات القديمة والجديدة للبنى التحتية للطاقة، سواء التقليدية أو المتقدمة بما فيها الهجمات المعلوماتية، عنصر محوري علينا العمل عليه بنوع من الحساسية وتقنينه بشكل مناسب".

وأشار في هذا المقام إلى أن "إيطاليا وأوروبا قابعتان في مركز التابع بالنسبة لاستهلاك الطاقة، حيث إن 90% من الغاز الطبيعي الذي تستهلكه بلادنا قادم من الخارج. وعلى الرغم من ذلك، فإن ثمة آفاقا مستقبلية ممتازة بالنسبة لإيطاليا حيال إمكانية التنويع، نظراً لكونها واحدة من أكثر الدول الأوروبية من حيث الربط".

وختم حديثه بقوله إن "ممر الغاز الجنوبي يبرز كعنصر استراتيجي بالنظر إلى أنه، مقارنة بالموردين الحاليين مثل روسيا والجزائر وليبيا، يؤمن مزيداً من الإمدادات بشكل متواصل على المدى الطويل. من أجل ذلك، فإن الأمن السيبراني والتنويع عنصران متلازمان، ومن العوامل الأساسية لمنظومة تزداد ترابطاً".

المساهمون