حيتان وول ستريت خائفون... موجة المستثمرين الهواة تخلق فقاعة

05 فبراير 2021
تحرك أمام بورصة وول ستريت دعماً للمستثمرين الهواة (الأناضول)
+ الخط -

يراهن الكثير من المحللين على أن ما حصل في وول ستريت خلال الأيام الماضية فقاعة تنذر بالخطر. عشرات الشركات المنكوبة بالخسائر، ارتفعت أسهمها إلى نسب غير مسبوقة، من دون أي بيانات تدعمها، ولا ارتفاع في المبيعات ولا حتى تصريحات توحي بتغييرات صادمة في إداراتها توازي الصعود الكبير في قيمة أسهمها.

النقاش يدور اليوم حول التركّز الاستثماري في الأسواق، حول حيتان المال، وآليات ضرب الشركات الصغيرة، البيوعات على المكشوف، التي فضحها تمرد المستثمرين الهواة، وطبعاً نوع الفقاعة الناشئة، هل هي خطيرة؟ أم أنها ستنطفئ مع انتصار الأقوياء؟

معركة شركة "غايم ستوب" لبيع الألعاب بالتجزئة، والغضب ضد تطبيق "روبن هود" للتداول الذي ضيّق على المستثمرين الهواة لكبح اندفاعهم على الأسهم، أشعل الغضب.

وفي موقع ريديت، وخاصة في منصته "آر وول ستريت بيتس"، يتشكل مجتمع أعمال جديد، قوامه أكثر من خمسة ملايين شخص، يجتمعون، يحددون الشركات التي سيستهدفون أسهما شراءً، وغالباً تكون تلك المعرضة لبيوعات على المكشوف، وينطلقون في مغامراتهم.

يشرح تقرير "بلومبيرغ" الذي نشرته الوكالة الأميركية الخميس، أن سهم غايم ستوب الذي تدافع المستثمرون الهواة لدعمه، زاد بنسبة تصل إلى 1745 في المائة منذ بداية العام. ووصل سعر سهم سلسلة دور السينما AMC إلى ذروته بارتفاع بنسبة 839 في المائة.

كذا، ارتفعت أسعار بلاكبيري ونوكيا بنسبة 279 و68 في المائة على التوالي، إلا أن الأسعار نزلت شيئاً فشيئاً، بعدما زاد تطبيق "روبن هود" تضييقه وقواعده على المتداولين، فيما تلاحقه الآن مئات الدعاوى القضائية بتهمة التواطؤ مع كبار المستثمرين في وول ستريت للسيطرة على تمرد الهواة.

وقال أحد مديري الأموال لبلومبيرغ إن "غايم ستوب" كان "أكثر سهم مكروهاً في وول ستريت في كل العصور. إذ فقد الكثير من مديري صناديق التحوط مبالغ ضخمة لأنهم كانوا يراهنون على انخفاض سهم شركة مبيعات التجزئة، وكذا أسهم الشركات الأخرى التي دعمها المستثمرون الهواة.

ولكن تفسير الظاهرة اختلف بين محلل وآخر. البعض اعتبر الأمر تمرداً ضد حيتان صنعوا الأزمة المالية العالمية في العام 2008 واستفادوا من تعاسة الملايين ممن خسروا أعمالهم وبيوتهم. البعض الآخر شكك بوجود مؤامرة مع تلميحات بأن هناك متمولين يدعمون المستثمرين الهواة لزيادة الزخم في أسواق الأسهم.

فيما مدير صندوق التحوط المخضرم ليون كوبرمان قال مثلاً في مقابلة على "سي أن بي سي": "السبب وراء قيام السوق بما يفعله هو أن الناس يجلسون في المنزل يتلقون شيكاتهم من الحكومة، ويتداولون الأسهم بدون عمولات أو أسعار فائدة من تطبيقات مجانية".

هذا الرأي له شعبية واسعة في أروقة وول ستريت، يعتقد الكثير من المحللين أن طفرة تجارة التجزئة وهو التسمية الأخرى للمستثمرين الهواة، تغذيها التحفيزات التي تقدمها السلطات لمواجهة وباء كورونا، كذا المساعدات المتعلقة بالبطالة، وإن كان جزء من هذا التحليل صحيحاً، إلا أن الكثيرون في المقابل يعتبرون أن أموال التحفيز تذهب غالباً لدفع مستلزمات الحياة في ظل الإغلاق الذي حرم الملايين من وظائفهم ومصادر عيشهم.

إذ إن كوبرمان رأى المشكلة في أن "80 في المائة من الأسهم مملوكة لـ 20 في المائة من الناس"، على حد قوله. فيما أكد الاقتصادي إدوارد وولف في السابق أن 10 في المائة من الناس فقط يمتلكون 84 في المائة من الأسهم. هو ترّكز الأموال والأسهم ما يزيد من زخم الحملات التي تواجه حيتان وول ستريت، ولكن في المقابل قد يكون الأمر وفق تحليلات "بلومبيرغ" رغبة لدى من لا يمتلكون الثروات لدخول عالم البورصات كمنافس ومستثمر.

لكن هناك قلقاً بدأ يتبلور في وول ستريت، حول أن فقاعة الهواة قد تكون خطيرة. إذ ارتفع سهم "غايم ستوب" بسرعة قياسية، ومن هبط ولكن سعره الحالي لا يعكس توقعات أرباح الشركة، كذا الحال بالنسبة إلى الشركات الخاسرة الأخرى التي شملتها حملة الهواة. ويعتبر خبراء وول ستريت، وفق "أسوشييتد برس"، أن هذا الأمر يظهر مدى سهولة قيام بعض المستثمرين برفع أسعار الأسهم، على الرغم من مخاطره.

ومع وجود مستثمرين صغار يقودون معظم النشاط، فإن المخاطر تتزايد في الأسواق. وربما يكون الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الأسعار كانت ترتفع في جميع أنحاء سوق الأسهم بوتيرة أسرع بكثير من أرباح الشركات. أحد المقاييس هو مؤشر S&P 500 مقابل الأرباح التي حققتها الشركات في السنوات العشر السابقة، بعد تعديلها لمراعاة التضخم. 

كذا، وفق تحليلات الخبراء لـ "أسوشييتد برس"، يعني الدعم الهائل من الاحتياطي الفيدرالي أن الدولارات تتدفق في الأسواق بحثًا عن استثمارات، وأن الشركات الشابة والخاسرة تسارع إلى الاستفادة من خلال بيع أسهمها للجمهور لأول مرة.

جمعت الشركات أكثر من 60 مليار دولار العام الماضي من خلال الاكتتابات العامة لأسهمها، وهو أكبر عدد منذ أن بلغت فقاعة الدوت كوم ذروتها في عام 2000، وفقًا للبيانات التي جمعتها جاي ريتر في جامعة فلوريدا.

ولكن على الرغم من كل المخاوف، لا يزال الكثير من المستثمرين في وول ستريت متفائلًا، ويتوقع المزيد من المكاسب في المستقبل، خاصة مع بدء توزيع اللقاحات، التي قد ترفع أرباح الشركات التي ستعود إلى الأسواق سريعاً. الحماسة جعلت وول ستريت تتجادل علناً حول ما إذا كانت السوق في فقاعة خطيرة، بعد شهور من التخلص من هذه الاحتمالية. والفقاعة هي ما يحدث عندما ترتفع أسعار شيء أعلى بكثير مما ينبغي أن تكون عليه منطقياً. وكتب المستثمر الشهير جيريمي جرانثام "إنه لامتياز كمؤرخ للسوق أن نشهد فقاعة أسهم كبيرة مرة أخرى. اليابان في عام 1989، فقاعة التكنولوجيا عام 2000، وأزمة الإسكان والرهن العقاري عام 2008، والآن الفقاعة الحالية. هذه هي الأحداث الاستثمارية الأربعة الأكثر أهمية في حياتي".

لكن معظم المتنبئين المحترفين يقولون إن سوق الأسهم الأميركية لا يتجه نحو الانهيار، بل فقط نحو عوائد أبطأ من ذي قبل.

وقال يواكيم كليمنت، المحلل الاستراتيجي للأسواق، في تعليقات عبر البريد الإلكتروني، لوكالة "بلومبيرغ": "أعتقد أنّ ما نراه في غيم ستوب في الوقت الحالي هو قفزة قطة ميتة". قد يعود مستثمرو التجزئة إلى الأسهم ويتوقعون أن تصل إلى أعلى المستويات القديمة المحققة الأسبوع الماضي.

ولكن مع انخفاض أسعار البيع كثيرًا عن الأسبوع الماضي، أعتقد أنه سيكون من الصعب جدًا حدوث ضغط قصير آخر في هذا السهم الآن". إلا أن روبرت شيلر، الأستاذ في جامعة ييل الحائز على جائزة نوبل عن عمله في شرح تحركات أسعار الأسهم، قال: "قد تقول إن الفقاعة تحدث عندما يعتقد الناس أن السوق سوف يرتفع ولكنهم قلقون من احتمال انخفاضها. هذا هو المكان الذي نحن فيه الآن".

وشرح أن السوق تبدو ضعيفة، لكنه أضاف أن بعض السمات المميزة لفقاعة كلاسيكية ليست موجودة اليوم. تأثيرات ما يحصل في وول ستريت لم تنحصر في الأسواق إذ امتدت إلى السياسة، ما اعتبره العديد من المحللين نقطة بداية قد تكف يد القطط السمان عن التلاعب بمصير الشركات. فقد توحد أعضاء الكونغرس من كل الاتجاهات ضد بعض الممارسات التلاعبية.

وانتقدت السناتورة إليزابيث وارن المنتمية إلى الجناح اليساري للحزب الديموقراطي، ممارسات بارونات بورصة نيويورك. وقالت ممثلة ماساتشوستس على شبكة "سي إن إن"، "ما يحدث مع غايم ستوب يذكرنا فقط بما يحدث لسنوات في وول ستريت. إنها لعبة تنطوي على غش.. فيما شن المدعي العام المحافظ في تكساس كين باكستون هجوما عنيفا على صناديق التحوط.

المساهمون