مع تصاعد العدوان الوحشي الإسرائيلي على قطاع غزة، أحيا العديد من رواد المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في دول الخليج العربية، دعوات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والشركات الأميركية والأوروبية الداعمة للاحتلال، باعتبارها سلاحاً اقتصادياً فعالاً في مواجهة العدوان الغاشم، غير أن الدعوات هذه المرة لم تكن كسابقاتها إذ شملت المنتجات الواردة من دول تعرف بـ"الطرف الثالث"، التي عمقت التطبيع الاقتصادي مع الاحتلال، ولا سيما الإمارات.
وركزت دعوات المقاطعة على البضائع الإسرائيلية ومنتجات الشركات العالمية التي أعلنت عن دعمها للاحتلال، وعلى رأسها "ماكدونالدز" للوجبات السريعة، التي أعلن فرعها في إسرائيل، في 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تقديم "وجبات مجانية" للجيش الإسرائيلي.
ودفعت الدعوة لمقاطعة "ماكدونالدز" فرع الشركة في السعودية إلى إصدار بيان، في 13 أكتوبر/تشرين الأول، "يتبرأ" فيه من إعلان الفرع الإسرائيلي، مؤكدا أنه شركة سعودية 100%، وأنه لا علاقة لها بما يقوم به وكلاء آخرون خارج المملكة.
كذلك أصدرت ماكدونالدز لبنان بياناً مشابهاً، قالت في نهايته: "لذا نرغب بالتأكيد على أن مواقف الوكلاء الآخرين لا تمثلنا ولا علاقة لنا بما يقومون به، ونحن نحرص على احترام شعبنا ووطننا والوقوف إلى جانبه".
ونشر نشطاء في مختلف الدول العربية صوراً للشركات الإسرائيلية، مرفقة بأرقام الباركود التي تكون ملصقة على المنتجات الواردة من دولة الاحتلال والتي تبدأ بأرقام 729، وذلك لنشر الوعي بين المستهلكين.
واتسعت دائرة دعوات المقاطعة، لتشمل العديد من المنتجات الأميركية، وأحياناً الفرنسية والألمانية والأوكرانية، الموجودة في البلدان العربية، كمصر والسعودية، والإمارات، والكويت، والأردن، وأخرى، وكان في مقدمتها شركات كوكا كولا وبيبسي كولا، ودانون، ونستله، وستاربكس، رغم أن أغلب هذه الشركات لم يعلن بصورة واضحة عن دعم الاحتلال.
وشملت قوائم أخرى العلامات التجارية الخاصة بكل من فانيش، وأريال، وتايد، وهولز، وهارديز، وكنتاكي، وبرغر كينغ، وكورن فليكس، وتشيليز، وبيتزا هت.
وحاول العديد من وكلاء تلك الشركات التأكيد أن مالكي الفروع في الدول العربية في أغلبهم من أهل البلد، وأن الشركات الأم تكون عادة مملوكة ملكية عامة، ويتم تداول أسهمها في البورصة، إلا أن ذلك لم ينل من دعوات المقاطعة إلا قليلاً.
مقاطعة بضائع "الطرف الثالث"
وفي تطور لافت للمقاطعة هذه المرة، طاولت الحملات المنتجات الواردة من دول تعرف بـ"الطرف الثالث" أو التي تحولت مناطقها التجارية واللوجستية إلى "واحات ترانزيت" للسلع الإسرائيلية المصدرة لدول المنطقة لا سيما الخليجية.
ورصدت "العربي الجديد" تفاعلاً على وسمي "مقاطعة_المنتجات_الاماراتيه" و"مقاطعة_بضائع_جبل_علي" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ضمن حملة أوسع لمقاطعة البضائع الإسرائيلية والشركات متعددة الجنسيات الداعمة للاحتلال، باعتبار أن ميناء جبل علي، هو مصدر رئيسي للبضائع إلى كافة دول مجلس التعاون الخليجي.
كما دعا المشاركون في الحملة إلى إلغاء اتفاقية التطبيع التي أبرمتها الإمارات والبحرين مع إسرائيل، خاصة مع أنباء زيادة حجم التجارة والتعاون الاقتصادي بين الطرفين.
وكانت الإمارات أول دولة خليجية تبرم اتفاق تطبيع مع إسرائيل في أغسطس/آب عام 2020، برعاية الولايات المتحدة، وأدت إلى فتح آفاق جديدة للتجارة شملت مستحضرات التجميل والأغذية والأدوية والأجهزة الإلكترونية الإسرائيلية، كما شهدت الإمارات حضوراً إسرائيلياً بارزا في معرض إكسبو 2020 بدبي.
أما البحرين، فكانت ثاني دولة خليجية توقع اتفاق التطبيع مع إسرائيل في سبتمبر/أيلول 2020، ما أسفر عن تأسيس علاقات دبلوماسية وتجارية بين البلدين، وتوقيع عدة اتفاقات في مجالات الأمن والصحة والسياحة والثقافة.
وتشمل السلع الإسرائيلية المصدرة لأسواق البحرين منتجات غذائية وزراعية، مثل التفاح والبرتقال والبطاطس، بالإضافة إلى منتجات صناعية، مثل المضخات والصمامات والأدوات المنزلية. فيما لم تبرم باقي دول مجلس التعاون الخليجي: السعودية وقطر وسلطنة عمان والكويت، اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل.
مركز لتجارة الترانزيت
ويقول الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن كل الصادرات الإسرائيلية إلى الخليج تذهب إلى الإمارات أولاً ومنها إلى بعض دول مجلس التعاون الخليجي، ويشمل: الألماس، الذي اعتمدت عليه الإمارات لتصبح المركز الرئيسي لتجارته على مستوى العالم.
ويضيف الشوبكي، أن حصة الألماس في الحجم الإجمالي للصادرات الإسرائيلية إلى الإمارات تبلغ حوالي 70%، فيما تتوزع النسبة الباقية البالغة 30% على الأحجار الكريمة والأدوية والآلات والمعدات، وأجهزة الكمبيوتر والبرمجيات وتطبيقات الأمن السيبراني، والمنتجات الزراعية، المنتجات الغذائية، والمواد الكيميائية، والمنسوجات والملابس.
ويشير إلى أن من المتوقع أن يصل حجم التجارة الإماراتية الإسرائيلية إلى 3 مليارات دولار بنهاية العام الجاري و3.5 مليارات دولار في 2024، مقابل 2.5 مليار دولار في 2022 ومليار دولار فقط في 2021.
ويعزو الشوبكي هذا الحجم الكبير لتجارة الإمارات مع إسرائيل إلى اتفاقية التجارة الحرة بينهما، وهي الوحيدة بين إسرائيل ودولة عربية، وجرى إتمامها في مارس/آذار الماضي، مشيرا إلى أن الإمارات هي من يقوم بدور "الطرف الثالث" غالبا لبضائع إسرائيل، التي يتم استخدامها في دول الخليج عبر إعادة تغليفها أو تسميتها أو تصنيعها في المناطق الحرة الإماراتية.
ويرى الشوبكي أن هذه الخطوة هي ما دفع السعودية، في العام 2021، إلى وقف تطبيق الاتفاقية الجمركية لدول الخليج العربي بالنسبة للبضائع التي تصنع في المناطق الحرة، لافتا إلى أن المناطق الحرة الإماراتية وبضائعها الإسرائيلية هي المقصودة بالذات من القرار السعودي.
وعن دعوات المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية في دول الخليج، استبعد الشوبكي أي استجابة إماراتية في هذا الصدد، مستندا إلى تصريح لوزير التجارة الخارجية الإماراتي، ثاني بن أحمد الزيودي، مفاده أن بلاده "تفصل السياسة عن التجارة، وماضية في علاقاتها التجارية مع إسرائيل".
ويرى الخبير الاقتصادي أن استمرار هذا الوضع يؤخر من عملية التنويع الاقتصاد غير النفطي بدول الخليج العربية، لأن البضائع الإسرائيلية تصل الأسواق بأسعار منخفضة عبر الإمارات، خاصة أن اتفاقية التجارة الحرة ما بين بين الدولتين ألغت الجمارك على 96% من البضائع المتبادلة بينهما.
ومع ذلك، يؤكد الشوبكي أن الإمارات وصلت إلى نقطة من الصعب الرجوع عنها في التجارة مع إسرائيل، مشيرا إلى أن شركة "مبادلة" الإماراتية، على سبيل المثال، تملك 22% من حقل "تمار" للغاز، الذي تسيطر عليه إسرائيل، والذي ينتج قرابة 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، وهو أكبر حقل في شرق البحر المتوسط.
كما تخطط شركة "أدنوك" الإماراتية لشراء 50% من شركة "نيوميد"، والتي تعتبر المزود الرئيسي للغاز في إسرائيل، كما تملك النصيب الأكبر من حقل "ليفياثان"، وهو حقل الغاز الأكبر في شرق المتوسط وإسرائيل.
وينوه الشوبكي، في هذا الصدد، إلى أن الإمارات سبق لها إبرام اتفاقية مبادلة الطاقة مقابل المياه مع إسرائيل والأردن، فضلا عن تاريخها في إجراء "تجارة غير معلنة مع دولة الاحتلال قبل اتفاق التطبيع، أما البحرين فلا يزال وضعها مختلفا، مع استمرار محدودية حجم تجارتها مع إسرائيل، وهو حجم لا يذكر بالنسبة لحجم التجارة الإماراتي.
خطر أمني
ويشدد الشوبكي على خطورة بوابة "الطرف الثالث" الإماراتية، ليس فقط على اقتصادات دول الخليج، بل على أمنها أيضا، فبرامج التقنية والأمن السيبراني الإسرائيلية تنطوي على خرق لأنظمة دول الخليج، وتظهر كثير من هذه البرامج لبعض دول الخليج على أنها إماراتية أو أجنبية، لكنها في الواقع تكون إسرائيلية.
وعن حملات الدعوة إلى مقاطعة هذه المنتجات، يتوقع أن تكون محل نشاط كبير في الفترة القادمة، مشيرا إلى بدء الدعوة بالفعل إلى مقاطعة السلع الإسرائيلية والإماراتية معا، خاصة أن السكان في دول الخليج ومواطنين دول الخليج يعلمون بأن البضائع الإسرائيلية تتسرب لهم عن طريق الإمارات. كما يتوقع الشوبكي أن تشمل هذه الحملات السعودية وقطر والكويت وسلطنة عمان.
عقبات لوجستية
في المقابل، لا يتوقع الخبير في الاقتصاد السياسي، نهاد إسماعيل، أي مقاطعة تجارية رسمية بين الدول العربية، بما فيها دول الخليج، ذات العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، في ضوء التزامها بفصل أي تطورات سياسية عن هذا المسار، وإن تصاعدت الدعوات الشعبية، حسبما صرح لـ "العربي الجديد".
ومن غير المتوقع أن تقطع الدول العربية المطبعة للعلاقات التجارية مع إسرائيل، خاصة مصر والأردن والمغرب، لذلك لا تحتاج اللجوء للاستيراد والتصدير عن طريق عن طريق طرف ثالث، كما تحتاجه الدول التي لم تبرم اتفاقيات التطبيع بعد، بحسب إسماعيل.
الأمر الوحيد الذي يمكن أن يقلل التبادل التجاري بين الدول الخليجية وإسرائيل، بحسب الخبير في الاقتصاد السياسي، هو "اتساع رقعة الحرب وظهور عقبات لوجستية"، حسب قوله، مشيرا إلى أن هناك بعدا سياسيا للدول العربية التي لا تريد اتخاذ أي خطوات تزعج واشنطن، وهو ما عبرت عنه الإمارات على لسان وزيرها للتجارة الخارجية.