جولة شي الأوروبية… استثمارات صينية بالمليارات طريق لقلب العجوز

جولة شي الأوروبية… استثمارات صينية بالمليارات طريق لقلب القارة العجوز

06 مايو 2024
ماكرون وتشي وفون ديرلاين في باريس، 6 مايو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لأوروبا تهدف لتعزيز العلاقات الاقتصادية، مع توقعات بإعلان استثمارات صينية كبرى في مجالات التجارة والبنية التحتية، رغم التوترات القائمة بسبب الفائض الصناعي الصيني والحرب في أوكرانيا.
- الاتحاد الأوروبي وفرنسا يسعيان لتحقيق توازن في العلاقات التجارية مع الصين، مع التركيز على قضايا الدعم الحكومي الصيني، فتح الأسواق للصادرات الزراعية الفرنسية، وحل قضايا حقوق الملكية الفكرية.
- الاستثمارات الصينية في دول مثل المجر وصربيا تبرز كمثال على تعميق العلاقات الاقتصادية، مع تجاوز الاستثمارات 15 مليار دولار في قطاعات البنية التحتية والطاقة، مما يعكس رغبة الصين في توسيع التعاون ودعم الاستقلال الاستراتيجي لأوروبا.

تخيّم العلاقات الاقتصادية الأوروبية الصينية على جدول أعمال زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى أوروبا، والتي بدأت اليوم الاثنين وتستغرق 5 أيام، إذ يتوقع أن يحمل استثمارات صينية تقدّر بمليارات الدولارات، تشمل صفقات تجارية ضخمة، وفرص استثمار واعدة، ومشروعات بنية تحتية من المقرر أن يطرحها على الجانب الأوروبي. وبدأت زيارة شي رسمياً إلى القارة اليوم، ويتوقع أن يتناول خلالها أيضاً، إضافة إلى ملف العلاقات التجارية والاقتصادية الصينية الأوروبية؛ الحرب في أوكرانيا، وذلك خلال وجوده في العاصمة الفرنسية باريس، بينما تمهّد مشاريع البنية التحتية التي دعمتها بكين بمليارات الدولارات في المجر وصريبا الطريق أمام تشي خلال زيارته للبلدين الواقعين شرق أوروبا.

والاتحاد الأوروبي هو ثاني أكبر شريك تجاري للصين، لكن التوترات تتصاعد بسبب اتهامات بروكسل لبكين بزيادة الفائض الصناعي، لتعزيز النمو الاقتصادي الصيني، مما يثير مخاوف من إغراق الأسواق الأوروبية بالمنتجات الصينية. 

واعترضت بروكسل أيضاً على تزايد الفائض التجاري في السلع الصينية، والذي بلغ 291 مليار يورو في عام 2023، بانخفاض عن الرقم القياسي الذي بلغ حوالي 400 مليار يورو في العام السابق، ولكن أعلى بكثير من مستويات العقد السابق. 

قضايا التجارة والدعم والرسوم

وتأتي زيارة الرئيس الصيني التي تعد الأولى للمنطقة منذ 5 سنوات، في ظل تزايد المخاوف الأوروبية من التراجع اقتصادياً، مع التنافس الشديد بين القوتين الأوليين في العالم، أي الولايات المتحدة والصين، ولذا فتحت بروكسل خلال الأشهر الماضية سلسلة تحقيقات بشأن حزم الدعم التي تقدمها الحكومة الصينية لبعض القطاعات الصناعية، خصوصاً السيارات الكهربائية. وتدرس المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للكتلة، رفع الرسوم الجمركية على واردات السيارات الكهربائية الصينية من 10% الحالية لحماية سوق تصنيع السيارات الأوروبية، وهي الدعامة الأساسية لألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي المكون من 27 عضواً.

وقال مسؤولون لوكالة رويترز، اليوم الاثنين، إن فرنسا ستسعى خلال زيارة شي جين بينغ أيضاً إلى إحراز تقدم بشأن فتح الأسواق الصينية أمام صادراتها الزراعية، وحل القضايا المتعلقة بمخاوف صناعة مستحضرات التجميل الفرنسية بشأن حقوق الملكية الفكرية. وقد تعلن الصين عن طلب شراء نحو 50 طائرة إيرباص خلال زيارة شي. 

وتدعم فرنسا تحقيقاً يجريه الاتحاد الأوروبي بشأن صادرات السيارات الكهربائية الصينية. وفي يناير/ كانون الثاني فتحت بكين تحقيقاً في واردات البراندي، وأغلبه مصنوع في فرنسا، وهي خطوة اعتبرت على نطاق واسع أنها تأتي رداً على مجموعة متزايدة من تحقيقات الاتحاد الأوروبي. 

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع صحيفة لا تريبيون الفرنسية، أمس الأحد، قبيل وصول شي، إننا "نرغب في تحقيق منفعة متبادلة في العلاقات التجارية، ومراعاة العوامل التي تؤثر في أمننا الاقتصادي". 

من جانبها، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، اليوم الاثنين، أنها ستضغط من أجل منافسة عادلة مع الصين خلال محادثات ستُجريها مع الرئيس الصيني شي جين بينغ الموجود في باريس. وقالت فون ديرلاين قبل ساعات من اجتماع ثلاثي في باريس مع شي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "علينا أن نتحرّك للتأكّد من أنّ المنافسة عادلة وغير مشوّهة". 

وأضافت أن "الصين تصنع حالياً، مع دعم هائل، أكثر مما تبيع، بسبب انخفاض الطلب الداخلي لديها. وهذا يؤدي إلى زيادة المعروض من المنتجات الصينية المدعومة، مثل السيارات الكهربائية والصلب، مما يؤدّي إلى تجارة غير عادلة". وشدّدت على أنّ "أوروبا لا يمكنها قبول ممارسات كهذه تُشوّه السوق، ويمكن أن تؤدّي إلى تراجع التصنيع في أوروبا". 

وقالت فون ديرلاين إنّها أوضحت في مناقشات سابقة مع شي أنّ "الاختلالات الحاليّة في الوصول إلى الأسواق ليست دائمة، ويجب أن تُعالج". 

من جهتها، كتبت صحيفة الشعب اليومية، الصحيفة الرئيسية للحزب الشيوعي، أن "التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي هائل، ولا مفر من حدوث عراقيل". وأضافت أن "الصين ترغب في تعزيز التواصل والتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، وتكثيف التعاون، وحل الخلافات من خلال الحوار". وكتبت صحيفة غلوبال تايمز أن "رغبة الصين في توسيع التعاون مع أوروبا ودعم الاستقلال الاستراتيجي لأوروبا تظل ثابتة".

استثمارات صينية بمليارات الدولارات 

ومن المقرر أن يغادر الرئيس الصيني شي جين بينغ فرنسا بعد ظهر الغد الثلاثاء، متوجهاً إلى صربيا والمجر. وبينما ينتهج الزعماء الأوروبيون سياسات أكثر حمائية للحد من نفوذ بكين وموسكو في القارة، فإن حكومتي الزعيمين القوميين المحافظين فيكتور أوربان في المجر وألكسندر فوشيتش في صربيا سعتا بقوة إلى إقامة علاقات اقتصادية مع الصين، ودعتا إلى استثمارات صينية كبيرة في البنية التحتية والتصنيع والطاقة والتكنولوجيا.

ومن مصانع بطاريات السيارات في المجر إلى تعدين النحاس في صربيا، تتجاوز الاستثمارات الصينية المباشرة 10 مليارات دولار في المجر، و5 مليارات في صربيا، وهناك مزيد في المستقبل.

وباعتبارها أول دولة في الاتحاد الأوروبي تشارك في مبادرة الحزام والطريق المميزة التي أطلقها شي جين بينغ، فقد عملت المجر على إيجاد أرضية وسط بين عضويتها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "ناتو"، والانفتاح غير العادي على العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الصين.

وقال تاماس ماتورا، الخبير في الشؤون الصينية، والأستاذ المشارك في جامعة كورفينوس في بودابست، إن استضافة المجر مواقع استثمارات صينية وإنتاج كبرى، قد فتحت باباً حاسماً أمام الصين داخل الكتلة التجارية للاتحاد الأوروبي". وأضاف ماتورا لوكالة أسوشييتد برس، اليوم الاثنين، أن الحكومة المجرية هي آخر صديق حقيقي للصين في الاتحاد الأوروبي بأكمله".

كما أن إحدى الفوائد الرئيسية التي تعود على الصين من إنشاء قواعد داخل الاتحاد الأوروبي هي تجنب الرسوم الجمركية المكلفة، حيث أعلنت المجر في ديسمبر/ كانون الأول أن واحدة من أكبر الشركات المصنعة للمركبات الكهربائية في العالم، شركة (بي واي دي BYD) الصينية، ستفتتح أول مصنع أوروبي لإنتاج السيارات الكهربائية في مدينة سيجد جنوبي المجر، بالقرب من الحدود مع صربيا، وهو اختراق للاتحاد الأوروبي، من شأنه أن يقلب القدرة التنافسية لصناعة السيارات في القارة رأساً على عقب. 

وهذا التحول واضح بالفعل في بودابست، حيث بدأ أحد وكلاء السيارات في تقليص إمداداته من سيارات أوبل الأوروبية، وبدلاً من ذلك طرح نماذج من إنتاج شركة (بي واي دي)، وقال مارك شيلر، مدير الاستراتيجية والتسويق لمجموعة شيلر للسيارات لأسوشييتد برس، إنه يعتقد أن شركات صناعة السيارات الأوروبية تتخلف بالفعل عن الصين في التحول إلى إنتاج السيارات الكهربائية. 

وتشير تقارير، غير مؤكدة، إلى أنه خلال زيارة شي جين بينغ إلى المجر، سيعلن هو وأوربان عن استثمار صيني آخر في تصنيع السيارات الكهربائية يشمل شركة (غريت وول موتور GWM) الصينية. ولم يستجب مكتب أوربان لطلبات متعددة للحصول على معلومات حول جدول الزيارة. 

كما تقوم شركة" Contemporary Amperex Technology Co"، ببناء مصنع بطاريات عملاق في المجر بقيمة 7.3 مليارات يورو (7.8 مليارات دولار)، بالقرب من مدينة ديبريسين الشرقية، لتزويد شركات صناعة السيارات الألمانية. وقال وزير الاقتصاد المجري مارتون ناجي، الأسبوع الماضي، إن البلاد تريد إضافة مشاريع إلى تعاون الحزام والطريق في مجالات الخدمات اللوجستية، وتطوير البنية التحتية، وتوسيع محطات شحن السيارات الكهربائية.

وفي صربيا، إلى الجنوب من المجر، تدير الصين مناجم ومصانع في مختلف أنحاء دولة البلقان، في حين مولت مليارات أخرى من قروض البنية التحتية الطرق والجسور والمرافق الجديدة، حيث أبرمت المجر وصربيا اتفاقية مع بكين لتحديث السكك الحديدية بين عاصمتي البلدين بودابست وبلغراد، كجزء من خطة الحزام والطريق، للتواصل مع ميناء بيريوس الذي تسيطر عليه الصين في اليونان، وهو نقطة دخول للبضائع الصينية إلى وسط وشرق وأوروبا. 

وسيجري تسليط الضوء على خط السكك الحديدية فائق السرعة الجديد من قبل الرئيس شي جين بينغ خلال زيارته للمجر وصربيا، حيث سيربط الخط بين بلغراد وبودابست عاصمتي البلدين اللذين شددا على احتضانهما الصين، ووفرا لها باباً خلفياً لقارة ممزقة، بسبب تعاملاتها مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم. 

رسائل الزيارة 

ترى "بلومبيرغ" أن البصمة الاقتصادية الصينية الآخذة في الاتساع في المجر وصربيا تملأ الفراغ الذي تركه الاتحاد الأوروبي، الذي لا يزال أكبر مستثمر في المنطقة، حيث ينظر إلى الكتلة في صربيا على نحو متزايد على أنها حلم بعيد المنال، بينما ينظر إليها سلبياً في المجر التي حصلت على عضوية الاتحاد الأوروبي، حيث يتحدث أوربان عن تراجع الحضارة الغربية.

يقول دانييل هيجيدوس، وهو زميل بارز يركز على أوروبا الوسطى في صندوق مارشال الألماني، إن الرسالة الموجهة إلى البلدان الأخرى في أوروبا الشرقية من خلال استثمارات صينية في البلدين هي: انظر "ما الفرصة التي ضيعتها"، وأضاف لوكالة بلومبيرغ، اليوم الاثنين، أن: "ما نراه هو في الواقع إظهار الصينيين أننا نكافئ أصدقاءنا، أولئك الذين يبقون معنا، وأولئك الذين يعملون معنا يستفيدون في النهاية". وأضافت قائلة "إن الصينيين من خلال الاستثمارات يريدون إظهار فوائد التعاون مع بكين".

من جانبه، قال جيرجيلي صلات، الباحث في المعهد المجري للشؤون الدولية، وهو مركز أبحاث حكومي لبلومبيرغ: "إن زيارة شي جين بينغ هي بالتأكيد لفتة، وعلامة امتنان للمجر وصربيا"، مضيفاً لبلومبيرغ أنه "مع سلسلة استثمارات صينية جديدة، وخاصة إلى جانب احتمال الحصول على قروض صينية رخيصة، يمكن للحكومة في بودابست أن تدعي أن هذا نجاح باهر". كما أن الصين أكبر شريك تجاري لصربيا بعد ألمانيا، حيث بلغ إجمالي الصادرات والواردات 6.2 مليارات دولار العام الماضي. 

نموذج صيني 

ووفقاً لبلومبيرغ، فقد نجحت الصين في تقديم نموذج لأهمية استثماراتها عبر أحد مجمعاتها الصناعية التي أنشأتها في صربيا، حيث كان مجمع "آر تي بي بورRTB" للتعدين والصهر المملوك للحكومة في مدينة بور، يعاني من الديون، وغير قادر على إصلاح منشآته المتداعية الملوثة التي تسببت في هطول أمطار حمضية، لكن تغير مصير المصنع في عام 2018، عندما اشترت شركة زيغين للصلب "Zijin Mining" الصينية أغلبية أسهمه مع تعهد بضخ ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار.

وبعد ست سنوات، جرت إعادة طلاء واجهات المدينة المتسخة، وانتعش مجمع التعدين ليوظف أكثر من 6000 شخص، ويقدم متوسط أجر صاف قدره 1300 دولار شهرياً، أي أكثر من 50% أعلى من المتوسط الوطني، كما قد تضاعفت أسعار العقارات في المدينة ثلاث مرات تقريباً منذ الاستحواذ على المجمع، في حين أصبح التلوث بالغبار وأكسيد الكبريت تحت الحدود القانونية لأول مرة منذ عقود. وتشير اللافتات حول المنشأة إلى أن سلامتهم هي الأولوية القصوى للعمال.

وتخطط زيجين لجعل المنشأة الصربية أكبر منتج للنحاس في أوروبا بحلول عام 2030، حسبما قال تشن جينغهي، رئيس الشركة، في أواخر إبريل/نيسان الماضي.

المساهمون