في تونس تم رفع درجة التأهب الصحي على المعابر الحدودية من أجل صد إمكانية تسرب الفيروس المتحور "أوميكرون" ودرء مخاطره على الأرواح والاقتصاد الذي لا يزال يكابد تداعيات الموجة الأولى من فيروس كورونا وسط مخاوف من العودة إلى الغلق ونسف مجهود ترميم القطاعات المتضررة.
وبعد أكثر من عام ونصف من قرار الغلق الشامل الذي نفذته تونس في إبريل/نيسان 2020، لا تزال البلاد تعاني من تداعيات ذلك القرار وفترات الغلق بعدما تراجع النمو إلى مستويات دنيا لم تسجلها البلاد سابقا بنسبة سلبية قدرت بـ -8.8 بالمائة.
ولا تزال المتحورات الجديدة تشكل خطرا كبيرا على اقتصاد تونس والوضع الصحي عموما وسط أزمة سياسية تعصف بالبلاد وخسارة الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر من 88 ألف مؤسسة استنزفها الفيروس، حسب بيانات رسمية. ويخشى المتعاملون الاقتصاديون ومستثمرون في القطاع الخاص تعكر الوضع الصحي مجددا والعودة إلى الغلق، بعد فترة التعافي التي بدأت مع تقدم حملة اللقاح الوطنية.
وتمثل إمكانية العودة إلى الغلق السيناريو المرعب الذي يتأهب له مهنيو السياحة بعد إعلان العديد من الأسواق تعليق رحلاتها، ما قد يسبب إلغاء حجوزات كانت تعوّل عليها السياحة التونسية في موسم نهاية السنة.
ولا يخفي كاتب عام جامعة وكالات الأسفار ظافر لطيف قلق المهنيين من ظهور متحورات جديدة تنبئ بإحباط كل الجهود التي بذلت من أجل تعافي القطاع، مؤكدا أن تعافي السياحة وقطاع الطيران قد يؤجل إلى عام 2024، وفق ما توقعته منظمة السياحة العالمية في وقت سابق.
وأكد لطيف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الوضع الصحي العالمي يلقي بظلاله على السياحة المحلية التي دخلت مرحلة غموض جديدة بعدما كادت تقترب من الخروج من النفق المظلم الذي فرضه فيروس كورونا لمدة موسمين متتاليين.
وأفاد المسؤول بجامعة وكالات الأسفار بأن بعض الأسواق الأوروبية بدأت بالعودة إلى الأنزال التونسية، ولا سيما السوقين البريطانية والألمانية، غير أن "أوميكرون" والرجوع إلى التدابير الصحية المشددة قد يلغيان كل الحجوزات بغلق بلدان أوروبية حدودها.
وقال لطيف أيضاً إن السياحة الدينية باتت في مرمى المتحور الجديد، وقد يتأجل موعد تنظيم رحلات العمرة والحج إلى أجل غير مسمى بعدما وقعت وكالات الأسفار الوثيقة التوجيهية لعودة الرحلات المتوقفة منذ نحو سنتين.
وكشف البنك المركزي التونسي عن تسجيل عائدات القطاع السياحي في تونس تحسنا طفيفا، حيث قدرت بحوالي 1.9 مليار دينار تونسي (حوالي 678 مليون دولار)، خلال الأشهر العشرة الأولى من السنة الحالية، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وذلك إثر استقبال نحو 1.94 مليون سائح، بزيادة 7.2 بالمائة، مع نمو 6 بالمائة على مستوى العائدات، وهو ما قد يوفر مخزونا من النقد الأجنبي الذي يحتاجه الاقتصاد التونسي.
غير أن هذه النتائج المسجلة في القطاع السياحي ما زالت بعيدة عن الأرقام القياسية التي تم تحقيقها سنة 2019، وذلك عندما استقبلت المنشآت السياحية التونسية نحو 9.5 ملايين سائح، بعائدات 5 مليارات دينار (1.7 مليار دولار).
ورغم رفع درجة التأهب الصحي تحسبا لتسرب المتحور الجديد من الوافدين من الخارج، لم تكشف السلطات التونسية عن أي نية للتوجه نحو غلق الحدود أو تعليق الرحلات الجوية في اتجاه دول عالية المخاطر.
ويوصي خبراء الاقتصاد بضرورة أخذ الحكومة بعين الاعتبار كل التطورات الصحية الممكنة عند إعداد قانون المالية للعام القادم وذلك بتوفير الإمكانيات المالية اللازمة لمجابهة حالة الطوارئ الصحية وحماية القطاعات والطبقات التي قد تتضرر من الغلق مجددا.
وقال الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي إن الحكومة مطالبة بتوفير نفقات طارئة لمجابهة الأزمة الصحية في موازنة العام القادم، مؤكدا أن شح التمويلات يتطلّب توقيع اتفاق سريع مع صندوق النقد الدولي الذي يفتح الأبواب نحو تعبئة موارد خارجية أخرى.
وأكد الشكندالي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المتحور الجديد وعودة الغلق يؤثران على سلاسل التوريد، مشددا على ضرورة دعم القطاع الخاص من أجل مواصلة نشاطه وتفادي انقطاع واردات المواد الأولية. كذلك دعا الخبير الاقتصادي إلى تكوين مخزونات من الغذاء والدواء والطاقة تجنبا لأي انعكاسات للمتحور الجديد على الأسعار العالمية.
وأضاف أن "تونس تواجه أزمة مالية خانقة وعلى السلطات إيجاد حلول سريعة لتفادي أي انعكاسات جديدة للوضع الصحي على المالية العمومية والتقليص من حدة التوتر الاجتماعي الناجم عن البطالة والقفر".
ولا تزال المستويات العالية للبطالة أحد أهم أسباب الحراك الاجتماعي في البلاد، وسط تحذيرات من تعكر المناخ نتيجة غياب حلول اقتصادية لاحتواء العاطلين من العمل وخلق مواطن شغل جديدة.
وتعاني تونس من مستويات بطالة مرتفعة تصاعدت مجدداً في تونس لتبلغ 18.4 بالمائة خلال الربع الثالث من السنة الحالية، وتزيد بنسبة 0.5 بالمائة مقارنة بالربع الثاني من العام الجاري.