بدأ برلمان تونس استشارات موسعة بشأن تنقيح قوانين تتعلق بإصدار الشيك من دون رصيد، بعد تصاعد المطالبة بإيجاد حلول لمئات الآلاف من التونسيين العالقين في قضايا قضائية تنتهي بهم في السجون وخسارة استثماراتهم نتيجة التعثر عن السداد.
وتعقد لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب جلسات استماع لمختصين ومسؤولين في القطاع المالي والبنك المركزي التونسي وهيئات القضاة والمحامين، من أجل صياغة نص قانوني جديد بشأن جرائم الشيك دون رصيد بهدف إيجاد حلول لتسويات تحمي الحقوق المالية للطرفين بعيدا عن العقوبات السالبة للحرية.
وتصنّف قوانين تونس إصدار الشيك دون رصيد ضمن الجرائم المالية التي تستوجب السجن في حال عدم السداد وفقا لبنود الفصل 411 من المجلة التجارية الذي يطالب طيف واسع من التونسيين بإسقاطه بمن في ذلك المستثمرون، بعد ارتفاع عدد المحكومين في قضايا إصدار صكوك بنكية دون أرصدة إلى أكثر 7200 سجين إلى جانب مئات الآلاف من الفارين من الأحكام القضائية.
وأعلن رئيس لجنة التشريع بالبرلمان ياسر القوراري إن جلسات الاستماع لمختلف المتدخلين كشفت اختلافات بشأن وجهات النظر بين جدوى الإبقاء على العقوبة السجنية أو إلغائها.
وأفاد في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن لجنة التشريع العام ستواصل توسيع الاستشارات والاستماعات لأهل الاختصاص من أجل التوصل إلى صياغة نص قانوني جديد يجد حلولا تحمي حقوق مختلف الأطراف.
وتكشف بيانات صادرة عن البنك المركزي التونسي سنة 2022 حول وسائل الدفع، أن الشيكات المرفوضة لعدم كفاية الرصيد أو انعدامه بلغت 392 ألف شيك من مجموع 25,3 مليون شيك جرى تداولها العام الماضي.
وبيّنت ذات الأرقام أن قيمة الشيكات المرفوضة بلغت 2,9 مليار دينار من القيمة الإجمالية للشيكات التي جرى تداولها والمقدرة بـ118.4 مليار دينار، وذكرت البيانات ذاتها أن الدفع عن طريق الشيكات تطور خلال سنة 2022 بنسبة 16.8 في المائة مقارنة بسنة 2021. وفي مايو/ أيار الماضي أعلن الرئيس قيس سعيد أن النية تتجه نحو تغيير قانون الشيك في تونس، وذلك في لقاء جمعه بوزيرة العدل ليلى جفال تعلق بإجراء تغيير على الفصل 411 من المجلة التجارية.
وأكد رئيس الجمعية التونسية للحق في المحاكمة العادلة وليد العرفاوي، أن الجمعية ستقدم مقترحا بشأن تنقيح القانون ينص على إلغاء العقوبة السجنية مقابل فرض قيود إدارية وجبائية على المطالب بالدفع.
وشرح العرفاوي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن المجمع المدني والجمعيات القانونية ستكون طرفا في المشاورات التي أطلقها البرلمان، معتبرا أن مقترح المنع الإداري والجبائي للمطالب بالخلاص يسمح له بمواصلة نشاطه رغم القيود، بما يمكنه من توفير الأموال المطالب بدفعها وذلك حماية لحقوق الدائنين.
وتنص المادة 411 من القانون التجاري التونسي بأن "يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية (غرامة) تساوي 40 في المائة من مبلغ الشيك أو من باقي قيمته على ألا تقل عن 20 في المائة من مبلغ الشيك أو باقي قيمته على كل من أصدر شيكاً ليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو اعترض على خلاصه".
لكن رئيس الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تساهم في حملة إسقاط الفصل 411 من المجلة التجارية، عبد الرزاق حواص، رأى أن إلغاء عقوبة الحبس للملاحقين في قضايا الشيكات سينهي معاناة آلاف التونسيين من أبرزهم صغار ومتوسطو المستثمرين الذين يدفعون ثمنا غاليا بسبب نقص السيولة لديهم واستعمال الشيكات كوسيلة دفع مؤجلة.
وطالب حواص في تصريح لـ"العربي الجديد" بضرورة الارتقاء بالمنظومة المالية والمرور نحو وسائل دفع آمنة ومن بينها الشيك الإلكتروني الذي يوفر ضمانات مهمة للمتعاملين. وأشار في سياق متصل إلى أن كل الدول التي نجحت في الحد من استعمال الشيك غير الآمن ذهبت نحو وسائل الدفع الحديثة وطورت منظوماتها البنكية.
ورأى المتحدث أن تنقيح قانون الشيكات لا يمكن أن ينجز بمعزل عن إصلاحات هيكلية تحتاجها المنظومة المصرفية في تونس ولا سيما النظام الريعي للبنوك الذي يتكسّب من مآسي الشيكات المرفوضة لعدم كفاية الأرصدة لدى صغار المتعاملين الاقتصاديين. وتفرض المصارف التونسية على الشيك دون رصيد ثلاثة أصناف من العمولات تتراوح ما بين 90 و150 دينارا في المرحلة الأولى ثم 95 دينارا عن كل ورقة في الملف الذي تتم إحالته للقضاء.
وقال رئيس الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة، عبد الرزاق حواص، إن 7200 تونسي يقبعون في السجون بسبب عدم خلاص الشيكات، بينما يقدر عدد الفارين من الأحكام بـ420 ألفا من بينهم 10800 هربوا خارج التراب التونسي.