جاء قرار المصرف المركزي الليبي، بانطلاق مسار توحيد جناحيه، في طرابلس والبيضاء، بمثابة خطوة إيجابية قادرة على مزيد من دفع الاقتصاد الليبي والذهاب أكثر نحو مزيد من الاستقرار والحد من حالة الانقسام التي يشهدها المشهد السياسي في البلاد، حسب مراقبين.
وجاء هذا الإعلان يوم الخميس الماضي، من خلال بيان صادر عن المصرف المركزي الليبي، إثر لقاء جمع رئيسه، المحافظ الصديق الكبير، بنائب المحافظ للفرع الشرقي علي سالم الحبري، حيث ذكر البيان بأن جهود التوحيد تأتي تتويجا للجهود المبذولة لإنجاز المهمة؛ "إذ تم توقيع عقد لتقديم خدمات استشارية مع شركة للخدمات المهنية لدعم تنفيذ خارطة إعادة التوحيد المتفق عليها"، مشدداً على أن "إعادة التوحيد ستكون ضمن أربع مراحل، سينتج عنها نموذج تشغيلي متطور للمصرف المركزي الموحد، يحاكي أفضل الممارسات العالمية".
أول اجتماع موحد
وحسب مصادر مقربة من الحبري، لـ"العربي الجديد"، فإن اللجنة الفنية المكلفة بتنفيذ إجراءات توحيد المصرف ستشرف على أول اجتماع موحد لكامل أعضاء مجلس إدارة البنك، نهاية فبراير/ شباط المقبل. وقالت المصادر، التي رفضت ذكر أسمائها، إن الاجتماع سيناقش النموذج التشغيلي للمصرف كأولى خطوات خارطة طريق توحيد المصرف.
وقد لاقى إعلان الكبير والحبري ترحيباً واسعاً على المستوىين المحلي والدولي، فقد عبرت المستشارة الأممية، ستيفاني وليامز، عن تفاؤلها، في تغريدة عبر تويتر، بأن يتخذ المصرف هذه الخطوة لـ"توحيد مصرف ليبيا المركزي بشكل رسمي"، مشيرة إلى أن "هذه المبادرة تستند إلى توصيات المراجعة المالية المستقلة للمصرف المركزي، برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا".
كما حثت وليامز، في تدوينة ثانية، المصرف على "المضي قدما في تنفيذ خارطة طريق إعادة توحيد المصرف، التي تطبق وتراعي المعايير والممارسات الدولية، وذلك من أجل تعزيز الاستقرار المالي والسياسي الذي ليبيا في أمس الحاجة إليه".
وتكرر في أوقات سابقة مشهد الناس المصطفين أمام المصارف الليبية بانتظار الحصول على بضع مئات من الدينارات، هي جزء مما يملكونه فعلًا في حساباتهم البنكية، بسبب أزمة السيولة التي تعاني منها البلاد، ولكن هذه الظاهرة تراجعت خلال الفترة الأخيرة.
الانعكاسات على الاقتصاد
وجاء الإعلان بعد أن أنهت شركة ديلويت للمحاسبة الدولية، بإشراف الأمم المتحدة، مطلع العام الماضي، عملية المراجعة المالية لمصرف ليبيا المركزي بفرعيه في طرابلس والبيضاء، قبل تسلم تقرير المراجعة لسلطات البنك المركزي في يوليو من العام الماضي.
وصرح الخبير الاقتصادي الليبي، سليمان الشحومي، لــ"العربي الجديد" بأن مشروع الإدماج انطلق منذ فترة، إلا أنه يرى أنه من المبكر القول بأن "هذه العملية اكتملت الآن"، موضحا أن "مشروع الإدماج لم يظهر في شكله النهائي حتى وإن عاد مجلس الإدارة للعمل من جديد، وستظل منقوصة ما لم يتم الدمج الكامل وإثبات كل العمليات التي تمت خصوصاً من طرف البنك المركزي بالبيضاء وإعادة دمجها في حسابات البنك المركزي في طرابلس".
وأضاف الخبير الليبي أن النجاح في عملية الإدماج "يحتاج إلى عودة المقاصة بشكل طبيعي وانسيابي ما بين الشرق والغرب الليبي فهي عملية غير مكتملة حتى الآن وما زالت نتائجها لم تظهر بشكل كامل على الاقتصاد الليبي"، مشيرا إلى أهمية ضرورة القيام بدمج حقيقي للحسابات وإدخال كل العمليات الخاصة بالدين العام الذي ترتب عن الإنفاق من قبل حكومة الشرق.
وحول انعكاسات عمليات الدمج على الاقتصاد الليبي بيّن الشحومي أنه لا يمكن لأي بلد أن يكون له أكثر من بنك مركزي. وقال: "وجود بنكين كان له آثار مدمرة على النظام المصرفي الليبي وهذه الخطوة قادرة على إرجاع الثقة له وعودة الدور الرقابي وإشراف البنك المركزي على القطاع المصرفي وتطوير نظام الدفع"، معتبرا أن أولى فوائدها تقلص المعاناة السيولة وتسهيل عودة المقاصة بين بنوك الشرق والبنك المركزي.
كما شدد الشحومي على الحاجة إلى تنظيم وصياغة وضبط السياسات النقدية في ليبيا، بهدف معالجة عديد المشاكل الاقتصادية "وعلى رأسها التضخم وارتفاع سعر صرف الدولار"، مؤكدا أيضا على أن الاقتصاد الليبي في حاجة إلى عديد الإصلاحات.
ومن تلك الإصلاحات التي يؤكد عليها الشحومي "الإصلاح الهيكلي وهي العملية تحتاج إلى مشروع طويل المدى لإصلاح عمل المؤسسات والأدوات الاستثمارية إن كان القطاع العام أو الخاص في تحريك عجلة الاقتصاد وتحقيق التنمية والنمو الاقتصادي".
لاقى إعلان الكبير والحبري ترحيباً واسعاً، فقد عبرت المستشارة الأممية، ستيفاني وليامز، عن تفاؤلها، بأن يتخذ المصرف هذه الخطوة لـ"توحيد مصرف ليبيا المركزي بشكل رسمي"
وحول تداعيات خطوة دمج جناحي البنك المركزي على الصعيد السياسي، أكد الشحومي أن "الاستقرار الاقتصادي هو ما يصنع الاستقرار السياسي، فسهولة عمل النظام المصرفي وتناقل الأموال والتجارة الداخلية وتناقل البضائع ستنتج عنها زيادة مواطن الشغل وتعزيز قدرات الاقتصاد".
وتابع: "من الضروري أيضا أن يركز الجميع على تعزيز الفرص للاستثمار والتنمية لا تعزيز فرص للانقسام والصراع، وأن توحيد البنك المركزي يجب أن يكون متبوعاً بضمان استقلالية عمله وإبعاده عن الصراعات السياسية".