استمع إلى الملخص
- يواجه الفلسطينيون غلاءً شديدًا في الأسعار نتيجة الإغلاق الإسرائيلي للمعابر، مما أدى إلى فقدان مصادر الدخل واضطرارهم لشراء الاحتياجات الأساسية بأسعار مضاعفة، كما حدث مع أشرف الأزبط وقصي حميد.
- يعيش الفلسطينيون في حالة تشتت ومعاناة مستمرة، حيث أجبروا على التنقل وبيع ممتلكاتهم لتلبية احتياجاتهم الأساسية، كما فعلت سلمى العجل وزوجها.
تسبب تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ودخوله العام الثاني في استنزاف القدرات المادية للفلسطينيين، جراء استنفاد أموالهم نتيجة طول أمد العدوان، والتنقل المتكرر من منطقة إلى أخرى، في ظل نقص الاحتياجات كافة وغياب الدعم المادي والإغاثي في كثير من الأوقات، واضطرارهم إلى استخدام مدخراتهم من أجل النجاة من الجوع.
ويترافق مع الاستهداف المباشر للمدنيين وبيوتهم وبنيتهم التحتية العديد من التحديات والصعوبات الإضافية التي تواجه الفلسطينيين، وأبرزها حالة الغلاء الشديد الذي يضرب الأسواق والمحال التجارية، وتضاعف أسعار السلع الأساسية مرتين وثلاثاً، بفعل الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر، ومنع دخول البضائع والمواد الغذائية والماء والكهرباء والأدوية، الأمر الذي زاد من التكلفة المادية للحياة في القطاع خلال الحرب.
استنزاف القدرات الاقتصادية
يواجه الفلسطينيون في غزة العديد من أوجه الصعوبات الاقتصادية التي استنزفت قدراتهم الاقتصادية، بدءاً بقطع مصادر رزقهم بفعل التدمير الإسرائيلي الممنهج للمباني والمنشآت ومختلف أشكال الحياة، إلى جانب الشح الشديد في المساعدات الإنسانية والمادية، على الرغم من وصول نسبة الفقر إلى 100% وفق الإحصائيات الرسمية الأخيرة، فيما يواجهون كذلك أزمة حادة في صرف أموالهم بفعل إغلاق البنوك نتيجة القصف الإسرائيلي والأوضاع الخطيرة، ما دفع بعض أصحاب رؤوس الأموال إلى استغلال المواطنين، من خلال صرف أموالهم عبر التطبيقات الإلكترونية مقابل نسبة تزيد عن 20% من المبالغ المطلوبة.
ويعود الجانب الأكبر والأشد قساوة في استنزاف الفلسطينيين خلال العدوان إلى التهجير الإسرائيلي القسري لأهالي محافظتي غزة والشمال، ومن ثم أهالي مدينتي خانيونس ورفح والعديد من مناطق المحافظة الوسطى، حيث خرجوا من بيوتهم حاملين أوراقهم الثبوتية وبعض الملابس البسيطة بدون اصطحاب المزيد من المتطلبات بسبب اعتقادهم بأن أمد الحرب لن يطول، إلى جانب عدم وجود وسائل النقل التي يمكنها أن تساعدهم في نقل عفشهم، ما اضطرهم إلى شراء كل شيء وبأسعار مضاعفة بفعل الشح الشديد وانعدام البدائل.
غلاء كل المتطلبات
يقول الفلسطيني أشرف الأزبط، والذي فقد عمله بعد تدمير مكتبه الهندسي إثر قصف البناية السكنية التي كان يستأجر فيها، إنه يعاني من حالة استنزاف دائمة لأمواله المحدودة بفعل غلاء كل المتطلبات، في ظل افتقار أسرته النازحة منذ بداية الحرب إلى كل شيء. يضيف: "ذقنا منذ بداية العدوان مختلف أشكال المعاناة والخوف والجوع والحرمان".
يوضح الأزبط، لـ"العربي الجديد"، أنه يعيش مع أسرته منذ تسعة أشهر داخل خيمة قام بشرائها بمبلغ 2500 شيكل، بعد أشهر من التنقل بين مدارس ومراكز اللجوء، نتيجة عدم قدرته على الحصول على خيمة من المؤسسات الإغاثية، كذلك يقوم بشراء مختلف المواد الغذائية والبقوليات ومواد التنظيف بأسعار خيالية على حسابه الخاص (الدولار = 3.76 شيكل).
يبين الأزبط أنه شارف على استنفاد كل أمواله التي ادخرها على مدار سنوات عمله، والتي كان يحلم بأن يطور فيها منزله ومكتبه، في الوقت الذي لا يمتلك فيه أي مصدر دخل يمكنه من تأمين احتياجات أسرته المتزايدة، وحالة الغلاء الجنوني في مختلف الأسعار، والتي تضاعفت مؤخراً بفعل تشديد الاحتلال الإسرائيلي قبضته على المعابر ومنع دخول البضائع بحجة الأعياد اليهودية.
خسارة مصدر الرزق
أما الفلسطيني قصي حميد، فيقول إنه لم يعد يملك أي أموال لتوفير احتياجات أسرته بعد خسارته مصدر عمله الوحيد داخل أحد المولات التي تعرضت للتدمير في مدينة غزة، فيما لم يحصل منذ بداية نزوحه على أي مساعدات مادية، على الرغم من نزوحه منذ الأسبوع الأول للعدوان وفقدانه منزله، إلى جانب تسجيله المتواصل في كل الروابط الخاصة بالمساعدات المالية والإغاثية.
يلفت حميد "العربي الجديد" إلى تسبب تشديد الإغلاق الإسرائيلي للمعابر في حالة من الهلع بين المواطنين خوفاً من تفاقم حالة النقص الموجودة أصلاً، ما دفعهم إلى التهافت على شراء الاحتياجات الأساسية بأسعار مضاعفة، مبيناً أنه اضطر إلى بيع هاتفه المتنقل واستبداله بهاتف صغير ليتمكن من علاج أسنان طفلته الصغيرة سندس (5 أعوام) إلى جانب شراء بعض الأصناف الضرورية قبل نفادها من الأسواق.
ويشير حميد إلى أنه يشعر بحالة قلق متواصلة من الأيام القادمة نتيجة ضعف إمكاناته الاقتصادية، بالتزامن مع حالة الارتفاع المتزايد في الأسعار والذي طاول كل نواحي الحياة. يقول: "بات مفروضاً علينا توفير كل شيء على الرغم من خسارتنا لكل شيء، فيما تتنصل الجمعيات والمؤسسات المحلية والدولية من مهامها الأساسية في إغاثة النازحين الذين فقدوا مصادر دخلهم، ونفدت مدخراتهم خلال عام كامل من التشتت والمعاناة".
خيمة خشبية وسط غزة
يتشابه واقع الفلسطينية سلمى العجل مع مليوني شخص أجبروا على النزوح من بيوتهم ومناطق سكنهم، حيث دفعتها الأوضاع الاقتصادية الصعبة إلى بيع قلادتها لمساعدة زوجها في إنشاء خيمة خشبية على شارع بحر مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، بعد تركهم الغرفة التي كانوا يستأجرونها بمقابل مادي مرتفع، جراء تقطع السبل بهم في إيجاد مكان داخل مدارس ومراكز اللجوء المكتظة بمئات آلاف النازحين.
تبين العجل لـ"العربي الجديد" أنها شجعت زوجها على فتح بسطة صغيرة لبيع البقوليات، بعد خسارته محل الملابس الخاص به داخل سوق الشجاعية الشعبي شرقي مدينة غزة، في مسعى لتوفير قوت أسرته التي باتت بلا مصدر دخل منذ عام كان الأقسى عليها، فيما تواجه أزمات متفاقمة بسبب الغلاء الشديد في الأسعار.
وتسبب عام من التشتت والتنقل المتكرر من منطقة إلى أخرى في استنزاف أموال الفلسطينيين التي كانوا يدخرونها لتسيير أمورهم الحياتية ومشاريعهم المستقبلية في ظل الحصار الإسرائيلي، أو خوفاً من "اليوم الأسود" إلا أن الصعوبات التي رافقت العدوان، وأبرزها الحرمان والغلاء والاحتكار، جعلتهم يوقنون أنه "العام الأسود والأسوأ" على الإطلاق، وفق العجل.