كأن الاقتصاد المصري تنقصه مشاكل وأزمات، ومن هنا جاءت تفجيرات اليوم الإرهابية ضد كنيستي طنطا والإسكندرية لتزيد المشهد الاقتصادي والمالي للبلاد تأزماً وحيرة وسوداوية، وتزيد حالة الغموض السياسي وحالة عدم اليقين التي تمر بها مصر منذ سنوات.
كما تقضي مثل هذه التفجيرات الاجرامية على أي بوادر أو احتمالات لإعادة الحياة لقطاعات وأنشطة رئيسية تمثل رافداً مهماً للاقتصاد مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية وتحويلات المغتربين، والضحية في النهاية هو المواطن الذي يتعرض لأكبر موجة من التضخم، ولارتفاعات قياسية في الأسعار، كما ينتظر قرارات تقشفية في الطريق.
جريمة اليوم الإرهابية تعطي رسالة أساسية وخطيرة مفادها أنه لا يمكن لاقتصاد أن ينمو وسط عمليات إرهابية وتفجيرات متكررة، وأن الفترة المقبلة ستشهد مزيداً من الارتباك للمشهد الاقتصادي للبلاد، وخلق اضطرابات اقتصادية جديدة، خاصة على مستوى سوق الصرف الأجنبي والدولار وعجز الموازنة ومعدلات التضخم، إضافة لتدهور أداء قطاعات حساسة راهن البعض على تعافيها في المستقبل القريب مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية.
ومن الرسالة الرئيسية للجريمة الإرهابية التي وقعت اليوم تخرج عدة رسائل فرعية بالغة السلبية والخطورة، الرسالة الأولى من الإرهاب موجهة لجموع المصريين وهي دفعهم دفعاً نحو فقدان الأمل في المستقبل، أو إصلاح حال الاقتصاد في وقت قريب، وعدم وجود أي بوادر على حدوث تحسن في الأحوال المعيشية حتى وإن كان طفيفاً، رسالة مفادها أن قطار الاقتراض الخارجي سيتسارع، وأن أسعار السلع ستواصل قفزاتها، وأن على المصريين الاستسلام لليأس.
الرسالة الثانية من الإرهاب موجهة للسياح الأجانب، وهي أنه لا أمان لكم في مصر وأنكم مستهدفون، شأنكم شأن المصريين، فالجريمة التي وقعت اليوم تهدد مجدداً الصورة الذهنية لمصر في الخارج، وأنها لم تعد مقصداً سياحياً مهماً، وتعطي انطباعاً بأن البلاد غير آمنة، وتعيد للذاكرة أحداثاً إرهابية أخرى مرت بها البلاد في السنوات الأخيرة، منها حادث إسقاط الطائرة الروسية فوق جزيرة سيناء في نهاية أكتوبر 2015، ومقتل السياح المكسيكيين في الصحراء الغربية وخطف طائرة مصر للطيران وغيرها من الجرائم التي أثرت سلبا على قطاع السياحة.
الرسالة الثالثة موجهة من الإرهابيين للمستثمرين، الأجانب أو المحليين على حد سواء، وهي أن الخسائر في انتظاركم، وأن البلاد تمر بحالة عدم استقرار سياسي وأمني، وبالتالي فهي ليست مناخاً أمناً للاستثمار، وأنه حتى ولو تم تعويم الجنيه وتحرير سوق الصرف والقضاء على السوق السوداء للعملة وإقرار قانون لتشجيع الاستثمار ومنح حوافز ضريبية ومالية واستثمارية، فإن كل هذه الحوافر لا تعادل حالة الاستقرار السياسي، والتي تفتقدها البلاد وهو ما سيزيد بفعل الجريمة الأخيرة.
أما الرسالة الأخيرة فموجهة من الإرهاب لأسواق الصرف والمضاربين في العملة، وهي أن سعر صرف الدولار مرشح للارتفاع مقابل الجنيه، ليس فقط بسبب الفجوة التمويلية الحالية، لكن بسبب ندرة موارد النقد الأجنبي المتوقعة والناتجة عن حدوث مزيد من التدهور لقطاع السياحة وعزوف السياح والمستثمرين الأجانب عن القدوم للبلاد وتراجع الاستثمارات الخارجية، وبالتالي دفع الناس نحو اكتناز مزيد النقد الأجنبي، والنتيجة استمرار اضطرابات سوق الصرف.
الإرهابيون يريدون زرع اليأس في قلوب المصريين للأبد، والإرهاب يبعث من حين لأخر برسائل قاسية للجميع مضمونها: أفقدوا الأمل في يلدكم، وبالتالي على المصريين التكاتف لمواجهة هذه الجريمة عبر التلاحم بين أفراد المجتمع الواحد بكل أديانه وأفكاره السياسية وأيديولوجياته وتياراته، فالإرهاب لا يفرق بين مصري وآخر حسب العقيدة أو الفكر السياسي.